بعد حوالي خمس سنواتٍ من الحرب المدمرة التي يتحمّل النظام السوري مسؤولية تفجرّها، لا يُمكن أن يكون لبشار الأسد مكانٌ في مستقبل سورية. لكن الحقائق على الأرض تفرض دوراً للأسد وحلفائه في البحث عن الحلّ السلمي الذي يُشكل المخرج الوحيد من الأزمة.
ويبدو أنّ الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة والمنخرطة في الصراع داخل سورية بدأت تتحرك وفق هذه الحقيقة. الرئيس الأميركي يقول إنّ روسيا وإيران بدأتا تُقرّان أنّ الرياح لا تهب لصالح الأسد، ما يعطي أملاً بإمكانية انطلاق جهودٍ عملية للحل. السعودية استقبلت المسؤول الأمني السوري علي مملوك لاستكشاف مستوى تقبّل نظامه لحلٍ سياسيٍ، واستجابةً لمبادرةٍ روسية. وعُمان، ذات العلاقات الجيدة مع إيران والولايات المتحدة، استقبلت وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم. لكنّ أيّاً من هذه الجهود لن يؤدي إلى انفراجٍ قريب. منطقية التوجه لا تعني ضمان توصله إلى النتائج المطلوبة. فالأزمة السورية لم تعد حرباً يشنّها نظامٌ دمويٌ مستبدٌ على شعبه فقط. صارت صراعاً بين أجنداتٍ وقوىً ومصالح متضادةٍ وغير آبهٍ معظمها بالشعب السوري وحقوقه. إيجاد تسويةٍ تضمن الحدَّ الأدنى من التوافق بين هذه المتضادات يتطلّب قيادةً والتزاماً وظروفاً موضوعيةً لم تتوفر بعد. وحتى لو أدركت روسيا وإيران استحالة بقاء الأسد في مستقبل سورية، فإنّهما ستُبقيان على دعمهما له إلى حين توفر صيغٍ تضمن مصالحهما. والعقبة الأكبر هنا هي إيران وإصرارها على حلٍّ لا يضع حزب الله في زاوية الحصار والعزلة. ما تريده إيران هي ضمانات موضوعية تُبقي على خطوط إمدادها البرية عبر سورية إلى حزب الله. وهذا مطلبٌ لن تكون تلبيته، أو التخلّي عنه من قبل إيران، سهلاً. ولا تقل الأمور تعقيداً في موقف تركيا، المعني أوّلاً بكبح طموح الأكراد في كيانٍ مستقلٍ على حدودها، والمحكوم بأطماع أردوغان الشخصية. فالأكراد السوريون هم حليف أميركا الأقوى ضد “داعش” على الأرض. لكنّهم بالنسبة لتركيا تهديدٌ أكبر من خطر “داعش“. وهنالك أيضا تعقيداتٌ تشمل كيفية تطهير سورية من “داعش، ومحي نفوذ جماعاتٍ متطرفةٍ أخرى، مثل “النصرة” و”أحرار الشام”، اللتين استثمرت بهما دول مثل تركيا وقطر وتشكلان لهما مدخل نفوذٍ مستقبلي. كلّ هذه تعقيداتٌ تبدّد الآمال بحلٍّ قريبٍ للمعضلة السورية، حتى لو انتهجت الدول المعنية السياق الصحيح لتحقيقه. سيأتي الحلُّ بعد جهودٍ مضنية، وبعد أن تقتنع كلُ الدول المؤثرة أنّ استمرار الوضع الراهن يكلّف أكثر من التنازلات المطلوبة. ويبدو أيضا أن الحلّ لن يكون منعزلاً عن تسوياتٍ إقليميةٍ أخرى تتبادل فيها الأطراف الأوراق وتحفظ المصالح. فالقضايا الإقليمية متشابكةٌ بقدر توسّع النفوذ وتنوعه. التسوية الكبرى المطلوبة هي بين السعودية وإيران، وبين أميركا وتركيا، ووفق معادلات تقبلها موسكو، وتُغطّي قضايا خلافية خارج سورية. وهذه تسويةٌ طريقها طويلةٌ ومليئةٌ بالعثرات. بيد أن لا سبيل سواها إلى وقف الانهيار. ورغم ذلك، فإنّ الخطوات التي تم اتخاذها لولوجها تمثّل الجهد الوحيد الذي يمكن أن يتمخض حلاً لأزمة سورية. بالطبع لن يعيد مثل هذا الحلّ سورية إلى ما كانته أو يضمن بقاءها كياناً واحداً متماسكاً. لكنّه سيوقف سقوطاً مستمراً نحو فوضى ستكون خشية تبعاتها الحافز الذي سيفرض التسويات المطلوبة بين الأطراف المؤثرة، رغم تناقض أجنداتهم وتضارب مواقفهم.
أيمن الصفدي – الغد الاردنية
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.