رغم مرور أكثر من 3 سنوات على تجربة اعتقال امتدت شهوراً عدة عاشها الشاب "محمود الناصر" إلا أن هذه التجربة المريرة بكل ما تعني الكلمة لا تكاد تبارح ذاكرته، بدءاً من صور "الجثث الحية" التي ينتظر أصحابها الموت، بسبب الفشل الكلوي أو الصدمة مروراً بخيالات الأشخاص الذين يعانون الجرب والزحار وقاسموه سريراً حديدياً لا يتجاوز عرضه 80 سم، وليس انتهاء بصور المعتقلين الذين يتعرضون لبتر الأطراف بسبب الإهمال الطبي وتقرّح جروحهم أو انتشار الدود فيها نتيجة كثرة الذباب والدبابير، كما روى لـ"زمان الوصل".
التحق "محمود" وهو من ريف حلب الجنوبي بالخدمة العسكرية بتاريخ 1/12/2010م، ومع بداية الثورة المسلحة بدأ –كما يقول- بتحريض العساكر على الانشقاق وانشق على يديه قرابة 20 عسكرياً كونه كان يخدم في ديوان الكتيبة الخامسة في اللواء (55) الفرقة 24 دفاع جوي".
ويضيف "محمود": في 29/1/2012م. التحقت بمجموعة من الجيش الحر بقيت معهم حتى تاريخ 2/4/2012م إذ داهمتنا حملة من الحرس الجمهوري مؤلفة من قرابة 500 عنصر ودبابتين والعديد من الحافلات والسيارات الصغيرة وبدأت المعركة التي سميت معركة "الزيتون الأولى" في بساتين "دير العصافير" بريف دمشق، فكنت أول المصابين بطلقة قناص "دراغينوف متفجر" مزقت أحشائي، وأدت الإصابة إلى "مفاقرة" للأمعاء وفتح "يورستمي" في خاصرتَي و"كولستمي" في خاصرتي اليسرى، وبقيت على هذه الحال حتى تاريخ 22/6/2012م حين وقعت في الأسر.
*الوقوع في الأسر
يقول محمود: "كنت مختبئاً في أحد البيوت عندما دخل أحد المسنين وأخبرني أن البلدة مطوّقة من قبل الأمن، وقال لي قبل أن يخرج بأنه سيستدعي الثوار ليخرجوني، ومن شدة خوفي دخلت إلى مجموعة من النساء والأطفال علّهم يخففون عني الخوف، ولكنني كنت أنتظر قدري بكل رضى إذ سبق أن اعتُقلت لدى الأمن العسكري بفرع فلسطين".
عندما دخل عناصر الأمن المنزل الذي كان فيه الناصر حاولت النساء إخفاءه بالالتفاف حوله مخاطرات بحياتهن، ودخل أحد العناصر فألقى نظرة ثم خرج دون أن يلمحه، ولكن أحد الشبيحة –كما يروي- أومأ إلى مكاني.
يتابع محمود :"رجع الشبيح وسحبني من بين النساء وضربني فوقعت على الأرض فداس على رقبتي وطلب تفتيش البيت جيداً وبدؤوا بتعفيش البيت وشتم النساء الأطفال وضربهم ثم انهالوا علي ضرباً".
ويردف المعتقل السابق:" بعد قرابة ساعة ونصف من التعذيب طلبوا مني أن أعترف عن مكان المسلحين ولما رأوني لم أتكلم اقتادوني إلى قائد الحملة الذي أمر شبيحته بإحضار سيارة إسعاف لأني كنت في حالة يُرثى لها وكان الدم ينزف من جراحي وفمي".
يقول "محمود الناصر": في سيارة الاعتقال بدأت جولة جديدة من التعذيب ضرباً وشتماً حتى وصلنا إلى قسم الإسعاف في المشفى 601 ومن قسم الإسعاف وضعت على كرسٍي متحرك إلى غرفة كانت كما تبدو هادئة لكنها مليئة بالموقوفين المصابين وهناك قيدوا يدي اليسرى وقدمي اليمنى بالجنزير إلى جانب معتقل آخر على سرير لا يتجاوز عرضه 80 سم، وفي اليوم الأول أصيب جسدي بالتوذم وانغلقت عيناي ولم أعِ ما حولي.
ويتابع: "في اليوم التالي جاء رئيس المفرزة الخاصة بالمعتقلين وانهال علي ضرباً بعصاً على رأسي لأني كنت أتكلم مع الطبيب وعندها تعلمت أول درس، ممنوع التكلم مع الطبيب".
ويستطرد: "بقيت في تلك الغرفة قرابة أسبوع أرفض تناول الطعام لعلي أموت، وبعد ذلك بدأت أتلمس الطعام، كان عبارة عن وجبة لشخصين لا تكفي لشخص واحد وكان علي أن أطعم جاري لأنه مصاب بيديه".
* الألم ممنوع
يقول "محمود" كان صراخ الشبيحة من عناصر أمن، وأطباء وممرضين وموزعي طعام وعمال نظافة يكسر هدوء الغرفة إذ ينهالون علينا بالشتم والضرب على جراحنا دون أن يصدر منا صراخ أو أنين لأن ذلك سوف يستفز الشبيحة ويضربوننا أكثر فقام أحدهم يكسر سبابتي اليسرى ظناً منه أنها اليمنى وأني أطلقت النار بها".
بعد فترة تم نقل المعتقلين ومنهم محمود إلى مشفى الضمادات وتم توزيعهم مجنزرين على الأسرّة، فكان سريره كما يقول -بجانب النافذة حيث كان يسمع أصوات تعذيب في المهاجع الأخرى.
ويصف محمود التعذيب بأنه لا يوصف إذ يؤكد أنه كان يتعرض بشكل يومي مع رفاقه لتعذيب بواسطة بوري حديد كان يسبب كسوراً في العظام وتموتاً في الجلد، ويأتي بعدها جنزير الحديد الذي كان يطوى ويتم ضرب المعتقلين به.
*لا أمل في الحياة!
يقول المعتقل السابق: تبدأ طقوس التعذيب في المشفى بإدخال المعتقلين إلى ممر طويل وإجبارهم كي يستلقوا على الأرض، ثم يجتمع عليهم الشبيحة ويبدؤون حفلة التعذيب التي تترواح مدتها حسب الأوضاع السياسة والعسكرية خارج المعتقل ويسمون هذا الطقس الضيافة، حيث كان الشبيحة يأتون بمن بقي حياً منهم ويوثقونه بالسلاسل الحديدية على السرير مضيفين إلى إصابته التي قد تكون بسيطة إما كسوراً أو فشلاً كلوياً أو عيناً مفقوءة أو صدمة نفسية تجعله يفقد الإحساس بمحيطه وهذه الإصابات تحول دون إعادته إلى فرع التحقيق بل الموت شبه المحتوم".
ولا ترتبط حفلات التعذيب بفترة زمنية معينة من الليل أو النهار، إذ يحصل أن يأتي الجلادون كما يروي محمود إلى القاعة، فيختارون معتقلاً ما، ويفكّون قيوده ويسحبونه إلى ممر المشفى ليكون تسلية لهم في الليل يضربونه بشتى الوسائل حتى الموت وخصوصاً لا تشهد تلك الفترة موت عدد كبير من المعتقلين".
ويلفت الناصر إلى أن "غالبية المعتقلين كانوا من الشباب مع قليل من الأطفال دون سن 15، وعدد لا بأس به من الشيوخ فوق سن 80، أما من يموتون منهم فيتم تكديسهم في مراحيض المشفى ريثما تأتي سيارة لتأخذهم إلى حيث يتم دفنهم".
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.