ما قاله وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من روما بالأمس، يضع حدّاً فاصلاً بين الحقائق والتخريف وبين الوقائع والتحريف: “إمّا حلّ سياسي من دون بشار الأسد وإمّا حلّ عسكري وهزيمة بشار الأسد”.
والواضح أنّ هذا الكلام يكشف حقيقة ما يدور في هذه الأيام. ويُنهي التوظيف التشبيحي السياسي والإعلامي الممانِع لكل التحرّكات و”المبادرات” التي تُطرح تحت شعار “الحلّ السياسي” لسوريا.. والأهم من ذلك، هو أنّ الوزير الجبير يُنهي المناورة الإيرانية قبل أن تأخذ مداها تحت لافتة “المبادرة” المزعومة. ويؤكّد، على عكس كل التسريبات الممانِعة، أنّ السقف العربي لم يعد قابلاً للنزول تحت مسلّمة انتهاء سلطة بشار الأسد ولا شيء غير ذلك.. الفارق الجوهري بين الموقف السعودي ومواقف قوى الممانعة، هو أنّه واضح ومباشر وتام فيما هي مبهمة ومسرّبة ومشوّهة، وتبني على جزئية صحيحة بناءً تحريفياً من طبقات عدّة: واحدة تفيد أنّ الآخرين رضخوا! وثانية تفيد انّ ما يُقال علناً يُقال غيره سرّاً! وثالثة تقول إنّ الروس يرمون طوق النجاة لإنقاذ السعودية من الغرق! ورابعة تقول إنّ بشار الأسد انتصر وها هو العالم بأسره يهبّ للوقوف خلفه في “محاربة الإرهاب”. وما سلف جزء من تلك السيرة التحريفية الممانعة المنطلقة على مداها في هذه المرحلة مستفيدة من مناخات “اتفاق فيينا” الإيراني مع الدول الست الكبرى وفي مقدّمها الولايات المتحدة.. مثلما هي مستفيدة من تقاطع المواقف ازاء مكافحة الإرهاب، ومن بعض المواقف الأوبامية المائعة والمبهمة إزاء مصير بشار الأسد! لكن لم يخطئ مَن افترض، أنّ “اتفاق فيينا” أنهى المشروع النووي الإيراني، أو بالأحرى أنهى الطموح إلى عسكرة ذلك المشروع، وأنهى أيضاً بعض السياسات الأميركية التي اعتمدت طوال فترة المفاوضات، ومنها تحديداً، السياسة الخاصة بسوريا، والتي كانت وظيفتها الوحيدة عدم استفزاز المفاوِض الإيراني بمواقف تصعيدية ضدّ سلطة الأسد.. انتهت الوظيفة بانتهاء المفاوضات، وكان لا بد أن تتغيّر لصالح واحدة مناقضة أساسها الأخذ بالبديهة القائلة بأنّ محاربة الإرهاب لا تستقيم من دون محاربة الأسد والانتهاء من سلطته وممارساته. وتخطئ طهران إن افترضت أنّ عدم التسليم لها بامتلاك السلاح النووي يمكن أن يُعوّضه التسليم لها بنفوذ غير بنّاء وتخريبي في المنطقة المحيطة بها، أو بقبول استمرارها في اعتماد تلك اللعبة المزدوجة الخاصة بالدولة وقيمها من جهة و”الثورة” وصادراتها من جهة ثانية أو بقبول عودتها إلى المجتمع الدولي بشروطها هي وليس بشروطه هو.. بهذا المعنى تأتي تطوّرات الوضع اليمني، و”اتفاق انجرليك” التركي الأميركي، وإعادة فتح ملف استخدام السلاح الكيماوي من قِبَل الأسد في مجلس الأمن، والتطوّرات الميدانية المتسارعة في الشمال والجنوب السورييَّن، وترسيخ التفاهمات البينية العربية، والعربية التركية وبلورة موقف واحد موحّد من سوريا وغيرها.. كلها تأتي لتضيف ثقلاً إلى منطق الأمور وبديهيات هذه الدنيا: لا يمكن تحت أي ظرف، القبول باستمرار نكبة الشعب السوري أو بإعادة إحياء أي نبض في جثة السلطة الأسدية، أو إعادة فرض سلطتها الفئوية على أكثرية ترفضها، خصوصاً، وخصوصاً جداً، أنّ تلك السلطة لم تعد قادرة على تقديم أي شيء سوى الإمعان في تدمير ما تبقّى من سوريا حجراً وبشراً. في هذا السياق، تساعد تطوّرات هذا الخارج بعض الداخل الإيراني، وتحديداً ذلك الذي يدفع باتجاه جعل “اتفاق فيينا” محطة فاصلة بين مرحلتين: واحدة لم تنتج إلاّ الأزمات، وثانية يُفترض أن لا تُنتج إلا الحلول لتلك الأزمات.
علي نون – المستقبل
|
خياران!
علي نون – المستقبل
|
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.