حسمت صحة التسريبات، لقد زار علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي السوري، المملكة العربية السعودية بوساطة روسية ملتقيا مسؤولا رفيعا. ووفق الرواية السعودية التي سربتها أكثر من صحيفة موالية وصديقة، إن الهدف من اللقاء كان تعرية بشار الأسد أمام روسيا، واقترحت السعودية التوقف عن دعم المعارضة مقابل انسحاب حزب الله وإيران من سوريا، فيكون الصراع أو الحل سوريا-سوريا، وقد أكدت المملكة أن اللقاء تم بالتنسيق مع حلفائها.
الرواية السورية للزيارة، التي نشرتها صحيفة الأخبار اللبنانية، ركزت على أن السعودية لا تريد إسقاط نظام الأسد لكنها تعارض فقط التمدد الإيراني في الدول العربية، كما أن تأثير السعودية على المعارضة السورية محدود.
بغض النظر عن صحة أي من الروايتين، مع ترجيحي لمصداقية الرواية السعودية بسبب تصريحات وزير الخارجية عادل الجبير فيما بعد “ليس للأسد أيّ دور في مستقبل سوريا”، لكن اللقاء السعودي-البعثي لم يحصل لولا افتقار الدقة في تقديرات الجانب السعودي.
بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، دبرت الصدفة اجتماعا غير رسمي بين صحافي عربي مرموق ووزير خارجية إسرائيل حينها سيلفان شالوم في فندق لندني، قال الصحافي العربي “أليست الفرصة مواتية لإسرائيل كي تعقد اتفاق سلام يناسبها مع بشار الأسد”، فرد وزير خارجية إسرائيل “لو خرجت من الفندق ووجدت حيوانا أجرب هل ستقترب منه؟” كانت إسرائيل تنظر إلى نظام الأسد كحيوان أجرب بعد اغتيال الحريري رغم سيطرته على كل التراب السوري، فيا ترى ما هو الوصف المناسب للنظام الآن بعد أن فقد سيطرته على ثلثي مساحة بلاده على الأقل؟ أصلا لم يعد وصف “النظام” مناسبا لتأطير بشار الأسد وشبّيحته، فالنظام سقط ولم يبق إلا الرئيس، والجيش تشرذم وليس له إلا تواجد رمزي وسط جحافل حزب الله والحرس الثوري الإيراني.
يستطيع مسيرو السياسة الخارجية اليوم، سؤال قادة الاستخبارات السابقين، الأمير مقرن بن عبدالعزيز والأمير بندر بن سلطان، لرواية تاريخ استهداف بشار الأسد للمصالح السعودية إضافة إلى ديوان أكاذيبه الكاملة التي تعهد بها أمام الملك عبدالله بن عبدالعزيز ونكث بها بالطبع، وما فعله بشار مع عبدالله، ارتكبه أيضا مع حسني مبارك وجاك شيراك وساركوزي وغيرهم.
يقوم البعض بظلم الملك عبدالله حين يتّهمونه بشخصنة السياسة الخارجية، وأن موقفه السلبي من بشار الأسد يعود إلى خطاب بشار المعروف “أشباه الرجال” بعد حرب يوليو في لبنان. لكن هذه التهمة باطلة، فبعد هذه القصة منح عبدالله بشارا فرصا جديدة، وانطلقت مباحثات سين سين المشهورة، وزار عبدالله دمشق، وزار بشار جدة في افتتاح جامعة كاوست، وذهب عبدالله مع بشار إلى بيروت، وما زال بشار يكذب ويعمل ضد مصالح المملكة والعرب. ثم وقعت الطامة الكبرى حين أزهق بشار أرواح شعبه وشرده وفرّط في وحدة التراب السوري.
وفوق هذا وذاك، تدهور الحال ببشار إلى مداه، فتحول من تابع للنظام الإيراني إلى عميل رخيص لا هيبة له ولا وزن. فلولا التدخل المباشر لحزب الله والحرس الثوري الإيراني الذي وصل إلى حماية بشار الشخصية، لكان قاطن قصر المهاجرين في ذمة التاريخ أو في ذمة ربه.
كل هذه الحقائق، إضافة إلى الانكسارات المتلاحقة للأسد وحلفائه داخل سوريا، تجعل اللقاء السعودي-البعثي غير مبرر وغير موفق، خصوصا وأن السعودية لم تغير سياستها، كما أن الشخص السوري الموفد هو علي مملوك المشارك في اغتيال الرئيس الحريري، والمطلوب دوليا بسبب جرائمه ضد الثورة السورية، والمطلوب لبنانيا بسبب تآمره مع ميشال سماحة لتفجير حرب أهلية في لبنان.
لقد بنت مواقف المملكة المناهضة لبشار الأسد والسياسات الإيرانية مجدا كبيرا لها في طول العالم العربي وعرضه، ﻷنها مواقف محقة ولأنها تعبّر عن المصلحة العربية والخليجية والسعودية، ثم تأتي مقابلة هامشية لتشوش على صورة المملكة عند حلفائها ومحبيها وحدهم من دون أيّ مصلحة، فالزعم بأن روسيا تجهل حقيقة بشار أو حقيقة المملكة غير منطقي، كما أن الخدوش التي نالت من صورة المملكة ومكانتها عند السوريين واللبنانيين والخليجيين، وربما العرب والمجتمع الدولي، بسبب هذا اللقاء، أوقع من أيّ مكاسب وهمية.
الحقيقة أن إسقاط النظام البعثي مصلحة سورية وسعودية وعربية، إذ لا يتحمّل الأمن العربي والشعب السوري قبل الأمن السعودي سيطرة إيران على دمشق، واختراع نظرية حصر التنسيق مع الأسد في مكافحة الإرهاب لا تستحق الرد أو المناقشة. فتاريخ الأسد معروف في ممارسة الإرهاب وصناعته ودعمه في لبنان والعراق وسوريا وغيرها، وهذا هو الموجب الثاني لإسقاطه، إضافة إلى أن السوريين أعلنوا رفضهم له سلما وحربا وروحا ودما وفرارا.
إنني آمل أن يتدارك رجال السياسة الخارجية السعودية الخطأ الفادح في لقاء علي مملوك، ولعل الأولى بالمملكة التركيز على الهدف الرئيس بدل التشتت في مناورات جانبية ضررها أكبر وأكثر من نفعها، خصوصا وأن مثل هكذا خطوات منحت لبعض أبواق الممانعة ثغرة لتحقيق تشويش إعلامي مؤثر. ومن حسن الحظ أن وزير الخارجية عادل الجبير أكد أن اللقاء لم يغير سياسة المملكة إزاء سوريا، وليت الأيام تثبت صحة كلامه.
العرب
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.