روسيا تبدأ حربها البرية ..لكن كيف ستنتهي المعركة؟*


دخلت روسيا مرحلة الانخراط المباشر في الحرب على الأرض السورية، وهي لن تكتفي بإدارة المعركة الجوية طالما أنها تدفع من جيبها، بل تريد أن تتابع ما يجري على الأرض وأن تضمن حسن سير الخطة العسكرية عبر ضباطها وعسكرييها.

أولى معارك البر بعد إحراق الأرض بقصف الطائرات ستبدأ من ريف حمص وتحديدا تلبيسة والرستن وجوراهما، وكذلك ريف حماه وتحديداً شرقي سهل الغاب، وصولا إلى ريف إدلب وهذا ما أكدته المعطيات الاستخبارية لوزارة الدفاع الأميركية مشيرة إلى تعزيزات روسية بهذا الشأن، وزد على ذلك ما أوردته وكالة سبوتنك الروسية مشيرة إلى أن "الجيش السوري" يستعد لعملية برية لتحرير تلبيسة والرستن.

لم يعد الحديث حول تنظيم "الدولة الإسلامية" ذا معنى، فحلف "ناتو" طالب الروس بوقف ضرب المدنيين، والإعلام الغربي والأميركيون تحدثوا عن أن مواقع التنظيم لا تشمل سوى 5 % من قائمة الأهداف التي قصفها الطيران الروسي.

أين ستنتهي هذه المعركة، وكيف سيرد السوريون، تلك أسئلة يمكن الإجابة عليها من استخلاص ما جرى خلال خمس سنوات مضت، فحجم النيران التي استهدف بها النظام المدن والبلدات والأرياف التي خرجت عليه كفيل باستعادة تلك المناطق لو أن المسألة ترتبط فقط بالسلاح، لكن النتيجة كانت أن قوات الأسد فقدت ثلاثة أرباع مساحة البلاد إلى أن وصلت المعارضة المسلحة معاقل الأسد في اللاذقية واقتربت من طرطوس.

دخول الروس لن يغير في المعادلة لأنه سيضيف خصوماً جدداً، ويستقطب عناصر ربما لم تكن موجودة على الأرض وسيتم ذلك على مرأى ومسمع العالم وربما بغض طرفٍ من الجوار الذي يقلقه أن يكون جاراً لروسيا بوتين بين عشية وضحاها.

تشير المعطيات إلى أن خصوم موسكو يشعرون بالسعادة رغم التحذيرات التي يطلقونها، فهم يرون أن بوتين سيخسر في النهاية، وأن دخوله في سوريا يمكن أن يساهم في تقليم أظافره، خاصة وأن هناك رغبة حقيقة بالانتقام المتبادل، فالروس ينتقمون لخروجهم من "مولد" ليبيا والعراق ومناطق التحولات في الشرق الأوسط بلا فوائد وعوائد اقتصادية واستراتيجية، والغرب يريد أن ينتقم لانكساره أمام الروس في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا.

مؤسسات الدراسات الأميركية تقول إنها لم تستطع حتى اللحظة فهم استراتيجية الرئيس باراك أوباما الخارجية لكي تتمكن من وضع تفسير مقنع لترك الساحة السورية أمام الروس، حيث تتراوح التصنيفات بين "التردد" أو "المرونة"، لكنها لا تنفي أن هناك عقيدة يسير عليها البيت الأبيض في الفترة الحالية ترتكز إلى مفهوم الابتعاد عن الانخراط المباشر في صراعات الشرق الأوسط مع دعم الوكلاء المحليين، إلا أن الواضح هو عودة واشنطن إلى سياسة "الاحتواء المزدوج" التي لعبتها سابقاً في المنطقة، وفي جميع الأحول هناك مكاسب منها إغراق الخصم الروسي في الحرب وتحميله صفة القوة "اللا أخلاقية" و"المتوحشة" التي عانى منها الأميركيون طويلاً خاصة خلال فترة حكم جورج بوش الابن.

في المقلب الروسي تحضر "نوستالجيا" القوة السوفييتية لدى الرئيس فلاديمير بوتين الذي يمكن وسم سياساته الخارجية بأنها جافّة وصادمة، وهذا النمط من التفكير هو حاجة موضوعية للتعويض عن الضعف في البنية السياسية الداخلية، إذ يركز الإعلام الروسي على ارتفاع شعبية بوتين خاصة بين أبناء الجيل الجديد، وهي استطلاعات كاذبة لأنها تجري تحت ظروف اقتصادية سيئة مسكوتٍ عنها، وفي ظل قبضة أمنية شديدة تمنع المعارضة من أداء دورها في نقد بنية الدولة والمؤسسات، وهذا يستند إلى طبيعة بوتين كعميل قديم في مخابرات (كي .جي .بي) تحول لاحقاً إلى سمسار استطاع إدارة مافيات سيطرت على مرافق الدولة وأثرت بشكل غير مشروع مستفيدة من احتكار المشاريع الاقتصادية من قبل شريحة مقربة من السلطة والحزب.

هناك اتجاهان متعاكسان في سياسة واشنطن وموسكو، فالأولى تبحث مع أوباما عن رخاء اقتصادي وابتعاد عن الحروب مع إغراق الخصوم، والثانية تبحث مع بوتين عن مجدٍ سالف دون أن تكترث لفواتير انخراطها في حروب خارجية وعداوات مع خصوم كبار على حساب الرفاه الاجتماعي والاقتصاد المستقر.

الاتجاهان المتعاكسان قد يعبآن بعض الوقت بمصالح لأطراف إقليمية كما هو الحال بالنسبة لعلاقة الروس بالإيرانيين، وكذلك الأميركيين بإسرائيل، لكن هذا لن يغير في نتائج الاستراتيجيتين على المدى البعيد وإن كان يفصح عن حرب باردة جديدة بأدوات أكثر حرفية من قبل الأميركيين وأكثر صلفاً من قبل الروس.

بالعودة إلى احتمالات ما سيجري على الأرض فإن الروس إن استطاعوا استعادة بعض المناطق بمشاركة بعض قوات النخبة لديهم مع قوات الأسد وميليشيا إيرانية ـ عراقية ـ لبنانية فإن هذا سيكلفهم في المرحلة الأولى ـ حسب بعض الخبراء ـ نشر نحو 100 ألف جندي في القوس الممتد من ريف حمص الشمالي الشرقي إلى ريف إدلب الجنوبي مروراً بريف حماة، إذ تشكل تلك المناطق خزاناً بشرياً لقوى المعارضة، وهي تمتلك واحداً من أقوى التشكيلات المسلحة لقوى المعارضة وهو جيش الفتح.

وإذا استطاع الروس تأمين تلك المنطقة للبدء بعمليات أوسع فإنهم سيصطدمون بعمل مجموعات صغيرة منفصلة على الأرض ستقوم بإرباكهم وستوقع كثيراً من القتلى والخسائر في صفوفهم، على اعتبار أن الانخراط الروسي شكل عامل دفع لتنظيمات جهادية تجيد هذا النوع من الحروب.

وليس من الواضح أن الروس عازمون على إغضاب إسرائيل بالتمدد جنوباً، إذ ستنشأ خلافات مع إيران وحزب الله بمرور الوقت ستؤثر على سير المعارك شمالاً، فالإسرائيليون حصلوا على تعهدات من بوتين بمنع تمدد الإيرانيين في ريف دمشق الغربي والجنوبي والمنطقة المحيطة بالجولان المحتل، ومن هنا لا يبدو واضحاً كيف سيتقاسم الروس والإيرانيون النفوذ أو قرار المعركة، وإن حصل واتفق الطرفان فليس هناك من ضامن للتطورات المحتملة، فهناك قوة لا يستهان بها من تشكيلات الجيش الحر والجماعات الإسلامية في تلك المنطقة، وتلك التشكيلات ليس من السهل التفوق عليها طالما أن هناك تداخلات وخطوط حمراء وحقول ألغام سياسية في المعركة.

سيعاني الروس طويلاً ومعهم الإيرانيون، وهذا لا يقلل من تقديرات معاناة السوريين أنفسهم خاصة أبناء المناطق الريفية اللذين مازالوا يقيمون داخل سوريا.

أما المعركة ضد "تنظيم الدولة" فستبقى ساحة مفتوحة للمبادرات الفضفاضة والتصريحات السياسية والحوارات والاستنزاف الإقليمي، وفي النهاية لن يستطيع طرد هذا التنظيم سوى السوريين أنفسهم، وأقصد هؤلاء الذين تحاربهم وتقصفهم روسيا وإيران اليوم، فالانقسامات الحاصلة تأخذ طابعاً عقائدياً ومذهبياً، وهي آخذة بالتمدد والتعمق، وليست هناك قوّة في العالم قادرة على دفع تكاليف بشرية ومادية كبيرة لتفكيك هذه الخارطة المعقدة ومن ثم الانتصار على جميع الأطراف.

القوى الثورية ستعود إلى الواجهة وستكون الجهة الوحيدة التي تملك رأس الخيط، وربما يحتاج الأمر بعض الوقت لتشكُّلِ تلك القناعة، لكنه سيكون وقتاً
من دم.
علي عيد

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top