الكاتب : خليل المقداد
المستبد يرى نفسه إلهاً وفي أسوءِ الأحيان بشراً معصوماً, وهو إنسان متعالي، عنيد، فاسق، فاسد، ضال وهالك.
المستبدُ لا يصبح مستبداً إلا إذا ملك قوة او منصباً وهو من أسوأ الناس طبعا وأكثرهم ظلما، أما إستبداده فلا يكتمل إلا بوجود حاشية تعينه على إستبدادهِ فتسبحُ بحمده وتمجدُ له، وتفعل ما بوسعها لخدمة إستبداده وجعل أهوائه منهجا يسيرون عليه، وهكذا حاشية حاضرة دوما لتُؤمَرَ فتنفذ وأيا كانت المهمة الموكلة إليها ومهما كانت قذارتها، وهي عندما تفعل ذلك لا تفعله إلا لكسب ثقة المستبد, وقوم كهؤلاء هم أراذل الناس على إختلاف مراتبهم وطبقاتهم.
يقول عبد الرحمن الكواكبي مُعرفاً الإستبداد في بعض جوانبه: الاستبداد لو كان رجلاً وأراد أن يحتسب وينتسب لقال: «أنا الشرُّ، وأبي الظلم، وأمّي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسْكَنة، وعمي الضُّرّ، وخالي الذُّلّ، وابني الفقر، وبنتي البطالة، وعشيرتي الجهالة، ووطني الخراب، أما ديني وشرفي فالمال المال المال.»
الثورات يصنعها المفكرون الأحرار ويموت في سبيلها الشجعان ويستغلها ويستفيد منها المتسلقون والجبناء، لكن مالذي قد يدفع فرداً أو جماعةً أو أمةً للثورة؟ أليس ظلم المستبد؟ أليس غياب العدالة؟ أليس يأسُ الثائر من أي أمل بتغيير يعيد الأمورَ إلى نصابها؟
كريمةُ هي الشعوب التي تثور على المستبد ولا ينبغي إهانتها، وعظيمة فلا ينبغي تحقيرها، من عمل لها رفعته ومن ظلمها عرته ولفظته, من حاول سرقتها قطعت يديه، ومن خانها أهلكته, فكيف بثورة مهرها الدماء سالت غزيرة وأعراض إنتهكت وأُسرُ شُرِدت وفُكِكَت ووطن إنقلب عالية سافله؟ فكيف بها ثورة كثورة الشام ربانية؟!
لقد فتحت ثورتنا ذراعيها لأبنائها، لكل من أراد ان يخدمها وأن يعمل لها، فتطوع كثيرون وتنطع كثيرون, البعض عمل للثورة وآخرون عملوا لسلطة او مال وجاه، فمن عمل للثورة مخلصا ضحى بكل غال ونفيس وإحتفظ لنفسه بكرامتها وعزتها، وأما من تنطع من أجل مصلحة او منصب أو مال فضحى بما يملك من عزةٍ وكرامة من أجل ما تنطع له, فباع شعبه ووطنه وخان دينه وامانته ودماء من ضحوا.
الحرية ليست ترفا ولا كماليات وليست مطلبا يمنح أو يعطى، لكنها ضرورة وجودية لا يمكن الإستغناء عنها، فقد منحنا إياها رب العزة بإقراره مبدأ عدم الجبر في الاعتقاد بين خلقه فلم يجبر إبليس مثلا على السجود لأدم (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى وأستكبر وكان من الكافرين) (البقرة :34) وكذلك لم يكره أحدا على الدين فقال: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) (البقرة 256) وترك لخلقه من الجن والإنس حرية الإيمان والكفر: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء (الكهف 29).
فإذا كان الله عز وجل قد منحنا الحرية في الاعتقاد وحملنا مسؤولية الإختيار، فمن باب أولى أن نكون أحراراً فيما دون ذلك من شؤون حياتنا وتفاصيلها الدنيوية، ولا يحق لأي كان أن ينتقص من حرية الأخرين بحال من الأحوال ولا أن يعطي لنفسه الحق في أن يمارس إستبداده وظلمه على الشعب الذي ضحى وقدم الدماء.
الإستبداد قد يكون دينيا أو سياسيا أو إعلاميا او عسكريا وبحسب طبيعة المستبد فإذا ما كان رأس هرم السلطة هو المستبد فإنه سيجمع كل صفات الإستبداد لينشرها مذهبا وعقيدة تتولى حاشيته تعميمها والعمل على جعلها سلوكا يوميا لا يستقيم حالها دون تطبيقه. والمستبد الجاهل شديد الخطورة في حال وصل إلى مركز القرار فجهله وتراكم اخطائه سيجعل منه مستبدا لأنه سيكرس كل ما يملك من سلطة او قوة او مال من اجل فرض نهجه الخاطئ والتغطية على قصوره الحاصل, وسيجد من يزين له سوء اعماله.
لقد إبتليت ثورتنا ببعض ممن تسلطوا او تسلقوا عليها لسبب من الأسباب وهؤلاء يسمون أنفسهم قادة ورموزاً دينية وسياسية وعسكرية وإعلامية لا تقبل نصحا ولا تسمع لنقد, أعطت لنفسها الحق في ان تكون آلهة بشرية منزهة ومعصومة تحاسب ولا تُحساب, فتراها تحاسب هذا وتعاقب ذاك تقصي فريقا وتشتري اخر مسخرة ما بيدها من مقدرات الثورة التي لولاها لما كانوا على ماهم عليه, هل لو جلستم في بيوتكم أكان سيصلكم ما وصلكم.
أخطأ عمر وأصابت إمرأة .. قالها الفاروق عمر.! فمن انتم؟
من العار أن يكون منا وفينا من يدعي القيادة وتمثيل الثورة ثم يعطي لنفسه الحق ليس فقط بتكميم الأفواه ومعاقبة من يعارض نهجهه او ينقد سلوكه, لابل وينعتهم بالداعشية تارة وبالعمالة تارة اخرى وبالفسبوكيين في أحيان كثيرة, متناسيا أن هؤلاء الذين لا يلقي لهم بالاً كما فعل النظام من قبله, هم من فجر الثورة وثار على نظام ظالم فاجر لم يرعَ لشعبه حرمة أو حقا ولم يقبل نصيحة أو نقداً, فكان ممن اخذتهم العزة بالإثم فأعمت أبصارهم وبصائرهم.
إن قيام من نصبوا أنفسهم ممثلون للثورة بالإنفراد بالقرارات وقبول القيام بمبادرات يطرحها الآخرون وكذلك تنفيذ التعليمات الخارجية دون مراعاة مصلحة الوطن والشعب وفقط من اجل الحفاظ على المكاسب والسلطة أو لوعد بكرسي أو منصب هو نفس الخطأ الذي إرتكبه النظام السوري المجرم بحق شعبه ووطنه فحافط الأسد باع الجولان للكيان الصهيوني من أجل الكرسي ثم جاء إبنه ليكمل بيع ما تبقى من وطن لفارس ومن اجل الكرسي أيضا, فهل هذا هو ما ثرنا من اجله.
لم يعد من الممكن قبول مثل هذا النهج أو تلك السياسة, خصوصاً ممن يدعون تمثيل ثورتنا التي ضحينا من اجلها بالغالي والنفيس ولن نقبل ان نستبدل مستبداً كبيراً بجيش من المستبدين الصغار, الذين وبلا أدنى شك لن يلبثوا كثيراً قبل أن ينتجوا لنا من بينهم من هو أشد إستبداداً وظلما وإجراما وسيصبح من الصعب إسقاطه.
لابد من وقفة مع الذات ومراجعة متأنية تأخذ تضحيات شعبنا بعين الإعتبار وتضع مصلحة هذا الشعب أولوية لا ينبغي التفريط بها او تجاوزها, ثم بعد ذلك نقرر إن كنا أهلا للثقة وقادرون على حمل الأمانة التي سنحاسب عليها أمام الله والتاريخ, فالإستفراد بالرأي والقرار لن ينتج إلا مزيدا من الفرقة والتشرذم والحل لا يكون إلا حلا جامعا ينتج قيادة سياسية وعسكرية معترفا بها من السوريين قبل غيرهم لا أن نكون شراذم وادوات يحركها الآخرون كيف شاؤوا.
إستيقظوا يا مستبدي الثورات قبل أن تصبحوا في مواجهة مع شعوبكم التي وثقت بكم ظناً منها أنكم منها وفيها ولن تنفذوا إلا إرادتها ولا شيئ أخر.
المصدر. زمان الوصل
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.