إلا في سوريا.. ممنوع اجتثاث المجرمين

الكاتب : ايثار عبد الحق

منذ سقوط بغداد في 2003، تركت واشنطن لإيران والحكومات التابعة لها في العراق حق "اجتثاث" فئات من مكونات المجتمع العراقي، تارة تحت مسمى "اجتثاث البعث" وأخرى بذريعة "اجتثاث التكفير والإرهاب"، دون أن يكلف البيت الأبيض خاطره لتذكير التابع والمتبوع بشيء اسمه "حقوق أساسية".

وقبل ذلك وبعده، تبنت الولايات المتحدة نفسها نظرية "القرود الثلاثة"، فباتت لاترى ولاتسمع ولاتتكلم، بحق "الاجتثاث" الذي مارسه وما زال نظام العسكر في الجزائر، و"الاجتثاث" المشابه له في مصر، و"الاجتثاث" الذي تنفذه على قدم وساق مليشيات خارجة عن "الشرعية"، بمعاييرها الدولية، في كل من لبنان واليمن.. و"اجتثاثات" أخرى هنا وهناك تطول قائمتها.

ولكن عندما أتى الأمر إلى سوريا، قلبت واشنطن "آيتها" وغيرت نغمتها، وبات "اجتثاث" المجرمين محرما، والخلاص من الجزارين ممنوعا، تحت يافطة حماية الأقليات، وهي نفس اليافطة التي أوصلت سوريا إلى ما هي عليه اليوم، ولو زايد المزايدون.

فممن تريد "واشنطن" حماية الأقليات في سوريا في اتفاقها الموسوم باسم "كامب ديفيد"، ومن هي الأقليات التي تقصدها، ولماذا لم تفكر لحظة بحماية الأكثرية التي توشك أن تصبح أقلية عددية لكثرة ما تعرضت له من مجازر وحملات تهجير وتطهير.

ولماذا تتدخل الولايات المتحدة في شأن هو من أخص خصوصيات المجتمع السوري، بدون تفويض من أي نوع أخلاقي أو شرعي أو قانوني، بينما كان رئيسها يصر على سماع صوت "كونغرس" عندما أراد شن ضربات عقابية ضد النظام عقب مجزرة الكيماوي الرهيبة بالغوطة، علما أن الدستور الأمريكي يمنحه حق الانفراد بشن هذه الضربات، دون الرجوع للسلطة التشريعية؟

أستطيع كسوري قارب من العمر خمسة عقود، أن أجزم بأن سوريا الحياة الاجتماعية لم تكن مقسمة على أساس أكثرية واقلية، ولم يكن أحد يشعر بأنه من الأقلية أو يحس بـ"عقدة نقص" من انتمائه، إلا بمقدار ما يحشر هو نفسه داخل النطاق الأقلوي، وبقدر ما يسلك سلوكا أقلويا، أي سلوكا انعزاليا عدوانيا متشككا، "يضرب" خيوط المؤامرة حول الآخرين، ثم يشتكي أنهم هم من يتآمرون عليه.

ولو سلمنا جدلا بوجود تقسيم على أساس أقلوي وأكثري في سوريا، ولو بحده الأدنى، فإن صورة وشكل الأكثرية والأقلية قد تبدلت تبدلا بينا مع اندلاع الثورة، وخضعت لتحول جذري مع استمرارها، جعل كثيرا من السوريين -وأنا منهم- يغير تعريفه التقليدي الباهت، فصارت الأكثرية عنده من ترفض الظلم والاستبداد والقتل والفساد، والأقلية هي من تقبل بهذه المخازي أو تحرض عليها، بغض النظر عن الانتماء الديني أو المناطقي أو حتى درجة القرابة، وبهذا المعنى يمكن وضع تنظيم "الدولة" ونظام بشار في خانة الأقليات، رغم أنهما على طرفي نقيض عقدي.

ولقد ناقشني في أحد الأيام قريب لي متهما الثورة بالطائفية، فسألته سؤالا مؤداه: إذا ما قبض الثوار على أحمد حسون أو محمد سعيد البوطي "السنيين" وعلى بشار الأسد "العلوي"، فبمن تتوقع أن يبدؤوا.. فسكت ومن لحظتها وأنا أنتظر جوابه، الذي يبدو أن "واشنطن" لاتريد سماعه، لأنها لا تملك شماعة تعلق عليها حماية المجرمين أفضل من شماعة "حماية الأقليات".

المصدر. زمان الوصل 

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top