مع انطلاق ثورات الربيع العربي بداية عام 2011 من تونس إلى مصر ثم ليبيا، تململ السوريون لينفضوا عنهم عقوداً طويلة من الظلم والقهر والاستبداد.
لم ينتظر السوريون طويلاً حتى بدأت أولى شرارات الانتفاضة السلمية في مدينة درعا جنوب سوريا كردة فعل على قيام قوات النظام السوري باعتقال واقتلاع أظافر خمسة عشر طفلاً خطًوا عبارات الحرية على جدران مدارسهم، ليكونوا بذلك الشرارة الأولى لانطلاق الثورة السورية ضد حكم آل الأسد.
بدأت المظاهرات سلمية، كانت انطلاقتها من الجامع الأموي بدمشق يوم الثلاثاء في 15من مارس/آذار عام 2011، لكن البداية الحقيقية للاحتجاجات كانت في “جمعة الكرامة” التي أطلقها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في 18 مارس/آذار، حيث انطلقت المظاهرات من مدينة درعا البلد و ردّ عليها النظام بإطلاق الرصاص الحي الذي أدى لاستشهاد “حسام عياش” و “محمود الجوابرة” و هما أول شهيدين في تاريخ الثورة السورية، ثم تطور الحراك السلمي ليشمل دمشق و ريفها و حمص و حماة و إدلب و دير الزور، و ردّد المتظاهرون شعارات الحرية والكرامة .
استمرت المظاهرات السلمية الحاشدة في كافة المحافظات كان أكبرها تلك المظاهرات الحاشدة التي خرجت في ساحة العاصي في مدينة حماة في 22 يوليو /تموز عام 2011 في جمعة أسماها الناشطون “جمعة أحفاد خالد”، حيث شهد هذه المظاهرة ما يقارب 650 ألف متظاهر، والمظاهرة الحاشدة التي خرجت في دير الزور في نفس اليوم حيث بلغ عدد المتظاهرين 500 ألف متظاهر.
استخدم النظام السوري كل قوته و آلة بطشه للفتك بالسوريين و لإنهاء كافة المظاهر السلمية التي عمت البلاد طولاً و عرضاً، اتخذ النظام أسلوب التدمير الممنهج، حيث تدرج باستخدام القوة العسكرية من البنادق والرشاشات إلى الدبابات التي استخدمها في اقتحام المدن والبلدات الآمنة، لكن الشعب السوري لم يتوقف عن نضاله من أجل حريته، حيث واجه آلة النظام العسكرية بصدور عارية غير آبه بكل ما يستخدمه النظام من قوة وبطش لقمع هذه الثورة، ولم تنفع مع النظام كل المناشدات الدولية والعربية لإيقاف قتل المتظاهرين.
ارتكب النظام السوري عدة مجازر ضد المتظاهرين السلميين في حمص و حماة و إدلب و درعا و دمشق و غيرها، لكن أشهر تلك المجازر كانت مجزرة الحولة في حمص في 25 من مايو/أيار عام 2012، و التي راح ضحيتها حسب الناشطين ما يزيد عن 92 شخصاً بينهم 30طفلاً، وارتكبت مجازر مروعة في بلدتي تريمسة والقبير في ريف حماة.
ارتكب النظام السوري مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق في 21 أغسطس / آب من عام 2013 راح ضحيتها 1822 شخصاً في حصيلة نهائية نشرتها منظمة ” أطباء بلا حدود” نصفهم من الأطفال موثقين بالأسماء، لم يكن رد المجتمع الدولي حازماً وقوياً بقدر فظاعة ووحشية المشاهد التي نشرت عن تلك المذبحة الرهيبة، بل راح المجتمع الدولي يفاوض النظام السوري على أسلحته الكيماوية دون النظر إلى أن النظام قتل قبل ذلك التاريخ) 21/8/2013 (ما لا يقل عن 100 ألف سوري بغير السلاح الكيماوي، وكأن استخدام السلاح الكيماوي كان خطاً أحمر و استخدام القنابل الفراغية و العنقودية و البراميل المتفجرة لم يكن ضمن الخطوط الحمر.
تمكن المجتمع الدولي بعد مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق من تجريد النظام من أسلحته الكيماوية بالقرار 2018 بتاريخ 28 سبتمبر لعام 2013 لكن إجرام النظام لم يتوقف عند ذلك، حيث ابتكر أساليب جديدة في القتل و التدمير و ذلك باستخدام البراميل المتفجرة، حيث استخدمها على نطاق واسع في مدينة حلب و ريفها و ريفي إدلب و حماة، حيث قتل باستخدام البراميل المتفجرة آلاف الضحايا جلّهم من المدنيين، ولا توجد حتى الآن حصيلة تقريبية مسجلة بسبب الاستخدام العشوائي والمتكرر لهذه البراميل.
إن مجلس الأمن الدولي لم يستطع إلى الآن أن يصدر حتى بيان إدانة للنظام السوري، وكان في كل مرة يجتمع المجلس لإصدار قرار يدين النظام يصطدم بالفيتو الروسي الصيني حيث تم استخدام الفيتو ست مرات في مجلس الأمن كان آخرها في 28 فبراير/ شباط عام 2017 لمنع إدانة النظام السوري ومعاقبته جراء استخدامه للأسلحة الكيماوية في قصف المدنيين، كما أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية المتردد و المتخاذل جعل النظام السوري يمعن في قتل السوريين و تعذيبهم و التنكيل بهم.
نشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إحصائية تتعلق بعدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا منذ اندلاع الثورة السورية، حيث وصل عدد الضحايا وفق الإحصائية التي نشرت في الأول من مارس/ آذار الجاري إلى ما يقارب 270 ألف مدني و 106 آلاف هم ضحايا الاعتقال التعسفي من قبل كافة الأطراف المتصارعة، ولم تورد الإحصائية أعداد العسكريين الذين قتلوا خلال المعارك المستمرة في البلاد منذ ست سنوات.
وتقول مفوضية الأمم المتحدة للاجئين إن 13.5 مليون شخص في سوريا هم بحاجة للمساعدات الإنسانية، وقد نزح 6.3 مليون داخلياً؛ وقام مئات الآلاف برحلات بحرية خطيرة طالبين اللجوء؛ في حين نشأ 3 ملايين سوري تحت سن الخامسة دون أن يعرفوا شيئاً إلا الصراع؛ ولجأ 4.9 مليون غالبيتهم من النساء والأطفال إلى الدول المجاورة، مما وضع ضغطاً كبيراً على البلدان المضيفة كونها تحمل عبء التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وصرّح المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، الذي زار سوريا مؤخراً، قائلاً: “سوريا على مفترق للطرق. وما لم تُتخذ تدابير جذرية لدعم السلام والأمن في سوريا، سوف يؤول الوضع إلى التدهور”. وأضاف غراندي: “في النهاية، الصراع في سوريا لا يتعلّق بالأرقام – بل بالأشخاص.
فاللاجئون والبلدان والمجتمعات التي تستضيفهم بحاجة إلى دعمنا أكثر من أي وقت مضى. لقد تشتت العائلات وقُتل المدنيون الأبرياء ودُمرت المنازل وتعطلت الأعمال التجارية وسبل فرص كسب العيش. إنه فشل جماعي.” كلام غراندي جاء في بيان نشر في 9 من الشهر الجاري.
يقتنع معظم السوريين بأنه يجب إيقاف حمام الدم، و أن الحل السياسي بات سرابا في ظل تجاهل المجتمع الدولي للمطالب المشروعة للشعب السوري بإسقاط رأس النظام في أي حل مستقبلي ، حيث لم تستطع المبادرات العربية و الدولية إيقاف حمام الدم في سوريا بدءاً من مبادرة الجامعة العربية مروراً بمبادرة كوفي أنان و مؤتمرات جنيف الأربعة وفيينا والأستانة التي مهدت لوقف إطلاق نار جزئي في سوريا، بل استمر نظام الأسد وحلفاءه بخرق هذه الاتفاقيات وسفك دماء الأبرياء. لن أستطيع بالتأكيد الإحاطة بمجريات الأحداث كافة، ولكن من المهم التأكيد على أن انطلاقة هذه الثورة كانت بمطالب شعبية شملت كافة الشرائح المجتمعية ومن كل الطوائف التي تشكل النسيج الفسيفسائي الفريد للحالة السورية قبل أن تتحول إلى حرب شعواء دمرت كل شيء.
الحقيقة الوحيدة التي لا يعرفها إلا السوريون أنفسهم هو أن الصراع سيطول طالما أن الإرادة الدولية لوضع حد لهذه المأساة غائبة و غير واضحة، وهم بلا شك يحلمون بأن يكون العام السابع من عمر هذه الثورة أقل دموية و يحقق جزءاً من مطالبهم العادلة في الحرية و الديمقراطية، كما و يأمل أكثر من خمسة ملايين لاجئ حول العالم بتوقف رحى هذه الحرب القاسية والعودة إلى ديارهم .
هاني السليمان . الثورة السورية في سويسرا
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.