المواد المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع ..
تاريخ النشر:01.09.2015
يعزى انهيار قوات نظام الأسد أمام هجمات قوات المعارضة المسلحة في أكثر من مكان على امتداد الجغرافيا السوريّة بشكل رئيس إلى زيادة مستوى التنسيق بين هذه الفصائل وإنشاء غرف عمليات مشتركة لتوحيد الجهد وقيادة العمل العسكري على الأرض:
- ففي حلب، مثلًا، تشكّلت الجبهة الشامية في أواخر العام الماضي نتيجة اندماج أهم الفصائل العاملة في المنطقة الشمالية، مثل الجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين وحركة نور الدين زنكي وغيرها. وأدى هذا الاندماج إلى تراجع الخطر الذي مثله تقدّم قوات النظام وحلفائه في ريف حلب الشمالي، واقترابه من قطع "طريق الكاستيلو"؛ شريان الإمداد الوحيد لفصائل المعارضة في الجزء الشرقي من حلب. أما داخل حلب، فقد نجحت فصائل جهادية (جبهة النصرة وجبهة أنصار الدين) وعناصر من الجبهة الشامية في منتصف أبريل / نيسان 2015 في خرق خط الدفاع الأخير للنظام غرب المدينة عبر اقتحام مبنى المخابرات الجوية والمباني العسكرية المحيطة به.
- وفي الجنوب، استطاعت قوات الجبهة الجنوبية – وهي ائتلاف عريض مكوّن من نحو خمسين فصيلٍ معارضٍ - من تحويل النصر العسكري الذي حقّقه لواء "فاطميون" (لواء مقاتل، أُعلن عن تشكيله مع بداية معركة تل العدس، ويضم عناصر من الحرس الثوري، ومقاتلين أفغان، ولبنانين، وعراقيين)، وقوات من حزب الله مدعومة بإسناد مدفعي وجوي من جيش النظام السوري في محور تل عدس – تل المصيح - الناجي إلى هزائم متتالية، باعتمادها تكتيك حرب العصابات. ومثّلت سيطرة المعارضة على مدينة بصرى الشام في 25 آذار/ مارس 2015 ضربةً موجعةً أخرى للنظام وحلفائه. كذلك سيطرة فصائل المعارضة على معبر نصيب؛ (1 نيسان/ أبريل 2015) آخر معابر النظام الحدودية مع الأردن.
- بعد نجاح جبهة النصرة وأحرار الشام أواخر العام الماضي في السيطرة على معسكري وادي الضيف والحامدية، وإطباق الحصار بشكل تام على مطار أبو الظهور العسكري، ما سمح بإطلاق عملية تحرير محافظة إدلب بشكل كامل. وقد ساعد تشكيل جيش الفتح في 24 مارس / آذار 2015، والذي ضمّ فصائل إسلامية وثورية عديدة على رأسها أحرار الشام وجبهة النصرة وفيلق الشام وغيرها، في الاستيلاء على مدينة إدلب في مطلع أبريل/ نيسان الماضي؛ لتبدأ بعدها معارك السيطرة على ما تبقّى من مدن المحافظة، ابتداءً بجسر الشغور وانتهاءً بأريحا.
- بدأ مقاتلو جيش الإسلام في ريف دمشق معركةً استهدفت اللواء 39 في الغوطة الشرقية، ونجحوا في إطباق الحصار عليه.
- كما شنّ مقاتلو أحرار الشام هجومًا مفاجئًا على قوات النظام في ريف حلب الجنوبي، وسيطروا على عدة قرى محاذية لأوتوستراد حلب - خناصر، والذي يعد طريق الإمداد الوحيد لمناطق سيطرة النظام في الجزء الغربي من مدينة حلب.
واقع عسكري وسياسي جديد:
فرضت الانتصارات الأخيرة واقعًا عسكريًا وسياسيًا جديدًا؛ فللمرة الأولى منذ بداية الصراع يظهر نظام الأسد مستنزفًا، وفي موقع الدفاع عن بقائه ووجوده. فلطالما تمسّك النظام بتحقيق الحسم العسكري الشامل، وعدّه شرطًا لازمًا للبدء بالحديث عن أي حلٍ للأزمة.
كما برزت في الأسابيع الأخيرة مؤشرات على تنامي الخلافات داخل الحلقة الأمنية الضيقة للنظام بعد وفاة رئيس شعبة الأمن السياسي رستم غزالي وعددٍ من القيادات العسكرية في ظروف غامضة. كما تسود حالة ترقبٍ وارتباكٍ ضمن حاضنة النظام خاصة في منطقة الساحل السوري وحمص بعد اقتراب فصائل المعارضة وتنظيم "الدولة" منها.
أما على المستوى الدولي:
- نجح النظام خلال العام الماضي في صرف الاهتمام عن الأزمة السوريّة وأسبابها الحقيقية، والتركيز على مقولة مكافحة التطرف والإرهاب، وطرح نفسه شريكًا في مواجهة تنظيم الدولة والحركات الجهادية الأخرى.
- كما أسهمت مقترحات المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا حول "تجميد" الصراع في مدينة حلب، والترويج لفكرة تفرّغ قوات النظام والمعارضة لمحاربة تنظيم الدولة، في صرف الانتباه عن عملية التسوية التي أقرها بيان جنيف لعام 2012. وبرزت في الغرب، ولا سيما بعد تفجيرات باريس، دعوات لإعادة تأهيل النظام دوليًا، واعتماده شريكًا في مواجهة التطرف، بدلًا من المراهنة على معارضةٍ سياسية متشرذمة و"فصائل مسلحة معتدلة" لا يمكن الاعتماد عليها في نظر من يروّج للاعتماد على النظام،
- كما ثار جدلٌ كبيرٌ حول برامج تدريب المعارضة، وما إن كانت ستؤدي دورًا ناجعًا في القضاء على تنظيم "الدولة" في ظل استمرار الخلافات بين الإدارة الأميركية وبعض حلفائها في المنطقة عن الدور المنوط بهذه العناصر المدربة وآليات حمايتها من هجمات تنظيم "الدولة" أو النظام. لكنّ هزائم النظام في حلب ودرعا وإدلب وتدمر، واستعداد المعارضة للاستفادة من هذا الزخم للقيام بهجمات باتجاه طرده كليًا من حلب والتقدّم في ريف حماة وسهل الغاب، أدى إلى تغييرٍ كبيرٍ في هذا المشهد.
- وبسبب التدهور السريع في قدرات النظام العسكرية، سارعت الولايات المتحدة وروسيا إلى إحياء الاتصالات بينهما بخصوص الأزمة السورية بعد انقطاعٍ دام أكثر من سنة إثر فشل مؤتمر "جنيف 2".
- كما عادت روسيا، التي ما فتئت تشجّع النظام السوري على الحسم العسكري وتساعده في الالتفاف على مقررات "جنيف 1"، للحديث عن ضرورة إحياء مسار جنيف والتوصل إلى حلٍ سياسي للأزمة. وبالمثل، سارعت الولايات المتحدة للتحرّك لإنقاذ النظام ومنع انهياره على ما تبقى له من الأرض السورية، خشية حلول جماعات جهادية محله، ما أدى بوزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى زيارة روسيا والاجتماع بالرئيس فلاديمير بوتين للنظر في إحياء جهد التسوية.
خاتمة:
قضت الانتصارات الأخيرة التي حققتها المعارضة المسلحة على فرص تعويم نظام الأسد وتحويله إلى شريكٍ دولي مقبولٍ في محاربة تنظيم "الدولة"، كما قضت على أي إمكانية لقيام النظام بفرض تسوية وفق شروطه وشروط حلفائه، بعد أن أصبحت فكرة الحسم العسكري جزءًا من الماضي.
وعليه، يترتّب على المعارضة السورية، السياسية تحديدًا، أن تضع برنامجًا:
- يقدم بديلًا سياسيًا لكلٍ من النظام وتنظيم "الدولة".
- يسرّع ببدء عملية انتقالية قائمة على المشاركة.
- يتضمن طمأنة العالم بشأن قدرة المعارضة على ضبط أي فوضى يمكن أن تنشأ عن رحيل النظام، واستعدادها لدمج كل قوى المجتمع السوري في النظام التعددي القادم.
- يحافظ على مؤسسات الدولة السورية وسيادتها ووحدة أراضيها، ووضع البلد على طريق التحوّل الديمقراطي الذي يكفل حقوقًا متساوية لجميع مواطنيه.
- يبدأ بعملية مصالحة وطنية شاملة، تستوعب الجميع، ومن دون أن تتهاون في تحقيق العدالة أو إعادة الحقوق.
تاريخ النشر من الموقع : يونيو / حزيران 2015
المصدر : المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.