الثورة السورية بين الواقع والمآل*


بعد اعتراف الممثل الأممي والعربي السيد الأخضر الإبراهيمي -الذي تسلم مهمته بتاريخ 17 آب 2012
خلفاً للمبعوث الأممي والعربي كوفي عنان- بعدم القدرة على المتابعة في الملف السوري وتحقيق أي تقدم في نجاح مهمته والتي تخللها مؤتمر جنيف بين المعارضة والنظام، وفشله بسبب تعنت النظام السوري وعدم جديته لتطبيق مقررات جنيف1، المقررات القاضية بتشكيل جسم انتقالي ذي صلاحيات واسعة، تقدم السيد الابراهيمي حينها بطلب إنهاء تكليفه عدة مرات إلى أن تمت الموافقة، وتم تعين السيد ستيفان دي مستورا بتاريخ 9 تموز 2014 مبعوثاً أممياً جديداً، تسلم حينها السيد دي مستورا ملفاً "مثقلاً" بالمصاعب والتحديات التي لم يكن يتوقعها والتي ربما لم يواجه مثلها في تاريخه الدبلوماسي الطويل.

بدأ السيد دي مستورا بتفاؤل ونشاط ظناً منه أنه يستطيع تحليل الشيفرة ومن ثم الانتقال إلى طرح الحلول المناسبة، لكنه صُدم بالكثير من التحديات أمام مشكلة العصر الحديث -كما وصفها الكثير من الزعماء أو القادة السياسيين- وذلك لكثرة التعقيدات، بدءاً من النظام السوري وحكمه بالحديد والنار لخمسة عقود تخللها كافة أنواع الاضطهاد والاعتقال القسري ومنع الحريات، مروراً بالتعقيدات بالمكونات السورية (القومية والطائفية والايديولوجية)، ناهيك عن مصالح الدول الإقليمية والدولية.

عمل السيد دي مستورا بعد تسلمه الملف على تنفيذ مقررات جنيف، إلا أنه ما لبث أن أعلن فشله وانتقل إلى تقسيم المهمة منطلقاً من خطة التجميد في مدينة حلب والتي باءت بالفشل في أول مخاض لعدم التزام النظام السوري بوقف إطلاق النار، ثم أنتقل بطلب من السيد "بان كي مون" الأمين العام للأمم المتحدة إلى المشاورات مع شريحة واسعة من الثوار والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني من جهة والنظام السوري من جهة ثانية مروراً بالدول الإقليمية والدولية، لعله يفلح في الوصول إلى رؤية جامعة إلى حد ما يجتمع عليها السوريون هذا ما كان معلناً، لكن الحقيقة غير ذلك، حيث أصبح من الواضح أن هذه المشاورات كان الهدف من ورائها (تفكيك قوى الثورة والمعارضة) وتعويم النظام السوري من جديد.

تمخض عن هذه المشاورات اجتماع لمجلس الأمن وإصدار البيان الرئاسي 7504 بتاريخ 17 آب 2015 والذي أكد فيه على سيادة ووحدة و استقلال سورية وكذلك على الحل المستدام وكذلك التأكيد على تنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس 2042 (2012)، 2043 (2012)، 2118 (2013)، 2139 (2014)، 2165 (2014)، 2170 (2014)، 2175 (2014)، 2178 (2014)، 2191 (2014 )، 2199 (2015)، و2235 (2015) والبيانات الرئاسية من 3 أغسطس 2011، 2 أكتوبر 2013 و24 أبريل 2015. 

كما عبر عن قلقه من سيطرة الجماعات الإرهابية على مساحات واسعة من الأراضي السورية، وأشاد المجلس بجهود المبعوث الأممي والعربي ستيفان دي مستورا وأكد مجلس الأمن وبيان الأمين العام 29 يوليو 2015 أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للصراع السوري، وكرر الجميع تأييده لحل سياسي من خلال تنفيذ بيان جنيف.

وأكد مجلس الأمن أن التقدم السريع على حل سياسي ينبغي أن يشمل المشاركة الكاملة من جانب جميع شرائح المجتمع السوري، بمن فيهم النساء، ويمثل السبيل الوحيد المستدام لتسوية الوضع في سورية سلمياً. 

كما وافق مجلس الأمن على الخطة الجديدة للمبعوث الأممي والعربي السيد دي مستورا والتي تعتمد على إقامة ورشات مشاورات بين أطراف المعارضة، كما ذكرهم من جهة والنظام السوري من جهة أخرى للوصول إلى نقل تدريجي للسلطة، وسوف تنطلق هذه الورشات برعاية أممية لمناقشة الحل التدريجي المزعوم.

في هذه الأثناء تم الاتفاق بين الولايات المتحدة وتركيا على توسيع التعاون في محاربة الإرهاب في سورية والعراق -و شيء أخر غير معلن حسب اعتقادي- مما استدعى أن ترسل روسيا مقاتلين إلى الساحل السوري لمساندة الأسد، والحفاظ على مصالحها وبقائها في شرق المتوسط والذي يراه البعض أنه بداية التقسيم الجغرافي في سورية.

على الأرض، يظهر للمتابع التقدم لفصائل المعارضة في الشمال والجنوب وغوطة دمشق بشكل متسارع، واكتساب مواقع استراتيجية لم تتمكن الفصائل من السيطرة عليها من قبل (مطار ابو الضهور العسكري -تل الكردي وطريق دمشق حمص- وكذلك مواقع اخرى ذات أهمية لا تقل عن سابقتها). في حين لا يزل الكر والفر في الغوطة الغربية والزبداني بين الفصائل من جهة وقوات حزب الله من جهة ثانية وحصار الفوعة وكفريا في الشمال.

التطورات الكبيرة في الملف السوري داخلياً وإقليمياً ودولياً تأخذنا إلى عدة نقاط أهمها: 
• التقدم الذي تحققه الفصائل العسكرية للمعارضة والتدخل الروسي بشكل احتلال، قد غيرا واقع الأمر مما يشير إلى أنه لا يوجد حل سياسي في الأفق أو المنظور القريب.
• عدم قبول أو نجاح الخطة الجديدة للمبعوث الدولي دي مستورا لعدم مراعاة المصالح والمطالب للأطراف وكذلك عدم واقعيته واعتمادها على بقاء النظام وإجهاض الثورة وهذا أمر مرفوض قولاً وفعلاً.
• عدم التوافق بين الدول الإقليمية والمجتمع الدولي على حل سياسي والذي يعتمد على مطالب الثورة السورية من جهة ومصالح الدول من جهة أخرى.
• عدم جدية الولايات المتحدة في دعم المعارضة والدول الإقليمية وقد ظهر هذا بعد التوقيع على الملف النووي، وفوز إيران بمفاوضات دامت 12 عاماً.
من خلال ذلك يظهر أنه لابد للشعب السوري الاستمرار في ثورته طال الزمن أو قصر للوصول إلى إسقاط النظام وإنهاء فترة الاستبداد التي استمرت خمس عقود من الظلم والاستبداد، مع العلم أن ذلك سيغير الكثير في مفهوم الثورات من خلال إثبات أن الشعوب هي من تغير وليس الحماية أو الوصاية الدولية للأنظمة الديكتاتورية. 
عبد الاله الفهد. زمان الوصل

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top