img

من كاليه الى كوس، شغل تدفق اللاجئين الساعين في الحصول على إقامة في الإتحاد الأوروبي، قبل التنقل بين بلدانه، الصيف كله. ولكل يوم من أيام هذا الصيف المأسوي نصيبه من الغرقى، ومن مشاهد اليأس والضياع الأليمة. وعلى رغم هذا، ساد الصمت فرنسا الى حين إعلان فرنسوا هولاند وانغيلا ميركل في برلين، في 24 آب (أغسطس)، اتفاقهما على جواب أوروبي واحد. ودعا الرئيس والمستشارة الى «توحيد نظام حق اللجوء»، والى «سياسة هجرة مشتركة». واقتضى الإعلان تصدي المستشارة للمسألة، ثم إصرار رئيس المفوضية الاوروبية، جان كلود يونكير، على إيقاظ الضمائر، ومناشدته، في مقالة من منبر «لوفيغارو»، الأوروبيين مكافحة المخاوف، وحماية قيم أوروبا الانسانية والدفاع عنها.
وأجاب رأس السلطة التنفيذية الفرنسية المناشدة بعبارة موجزة وجامعة:» انسانية وحزم». وتكاد العبارة لا تتستر على عسر الموازنة بين القطبين. ففرنسا ناشطة على الصعيد الدولي في معالجة قضية المهاجرين، ولكنها شديدة التحفظ على الصعيد الوطني والداخلي، وتداري التهديدات والأخطار السياسية الكثيرة والمتناقضة. وتطرق السيد هولاند، في ندوة السفراء، الى الموضوع، فلمّح الى «تعرض الأسس التي تنهض عليها أوروبا الى توترات شديدة الخطورة». وأسف الرئيس لإخفاق المجلس الأوروبي المنعقد في 25 حزيران (يونيو) في صوغ حلول للموضوع الملح، ولرفض قمة رؤساء الدول والحكومات مبدأ الحصص ومشروع المفوضية إقرار قبول 40 ألف لاجئ، وأنحى باللوم على الأنانيات الوطنية.
ويقول أحد مساعدي وزير الداخلية، جان كازنوف، ان النشاط الديبلوماسي والدولي الذي تبديه فرنسا على الساحة الاوروبية مرده الى ان قضية الهجرة واللجوء مسرحها الاتحاد الاوروبي ودول حوض المتوسط. وصدق الملاحظة لا يتستر على سبات الداخل وعزوفه، فبلد حقوق الانسان يشهد اليوم لامبالاة اليسار الانساني. ويحاول أحد المستشارين الحكوميين (والاشتراكيين) شرح المشكلة: لن تتخلى الحكومة عن مد يد المساعدة الى من يستوفون شروط اللجوء، وأما من لا يستوفونها فلا بد من إبعادهم، وهذه السياسة معقدة وتحاول الجمع بين التضامن وبين القانون، وبين الانسانية وبين الحزم، ومن العسير فهمهما في هذه الحال. ويلاحظ أحد الوزراء ان الوقائع لا تسمّى بأسمائها، فيتناول الكلام الجاري المهاجرين بينما غالبية المتوافدين هم فعلاً لاجئون، وتفادي التسمية مرآة انتصار اليمين المتطرف في المسألة. وحمل رجحان كفة اليمين المسؤولين الاشتراكيين، وأولهم رئيس الجمهورية، على قبول تهمتهم بالتصلب والقمع وتجنب التهمة بـ»الملائكية». وهذا شأنهم في مسألة الامن. واختار البيئيون موضوعاً لمناقشاتهم الدراسية الصيفية في فيلنوف – داسك (الشمال)، في الثلث الاخير من آب (اغسطس)، الصحة البيئية، واستبعدوا الهجرة واللجوء. وانقسم البيئيون بين دعاة استقبال اللاجئين من غير تحفظ أو قيد، وبين أنصار تقييد الاستقبال بمعايير عملية وتفادي تغذية مخاوف الفرنسيين وقلقهم.
وقبل موعد الانتخابات المحلية القادمة بـ4 أشهر لا تغفل الاحزاب السياسية عن موقف الجبهة الوطنية وثقل حملتها الدعائية المتوقعة. وينبه جيروم فوركيه، مدير شعبة الرأي (العام) في هيئة استطلاعات كبيرة، ان مادة الاحتراق جاهزة، وما على مارين لوبين (رئيسة الجبهة) افتعال التحريض ولا المبالغة فيه. وبينما يعاني 10 في المئة من القوى العاملة البطالة، ويخيم تهديد الارهاب على البلد، يعارض ثلث الفرنسيين استقبال المهاجرين. ويقارن فوركيه بين رقم الثلثين الذي خلص اليه استطلاع اجري في نيسان (ابريل) وبين اقتصار معارضة استقبال اللاجئين من كوسوفو في نيسان 1999 على 46 في المئة من جمهور الاستطلاع يومها.
ويقول فوركيه ان الفرنسيين يدركون عبث الحلول المبتسرة والقاطعة وتفاهتها. فهم كانوا يدعون الى تشديد الرقابة على الحدود. وبلغ أنصار هذا الاجراء في نيسان المنصرم، 47 في المئة. وفي حزيران، تقلصت نسبة انصاره الى 36 في المئة، بينما كانت الازمة تتفاقم وتتعاظم. ويقر وزير داخلية نيكولا ساركوزي السابق، بريس هورتفو، بأن «الحل اوروبي»، ولا حل من طريق اجراءات وطنية أو محلية. ويخالفه الرأي بعض نواب حزبه «الجمهوريون»، مثل كزافييه برتران، النائب عن محافظة لين والمرشح الى رئاسة منطقة الشمال – با دو كاليه- بيكاديا في الانتخابات المحلية القادمة، أو إريك سيوتي، رئيس مجلس محافظة الألب البحرية. ويراقب هذان التوتر الذي يخيم على الحدود الفرنسية – الايطالية، بين مونتون وفانتيميليا، ويحسبان ان «قطع الطريق على بلوغ المهاجرين أوروبا ممكن».
الحياة

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top