img


ابراهيم ناصيف
إبراهيم ناصيف
في الحقيقة نصف الحقيقة إن لم تعرف من أين تؤكل الكتف فكُلْ الضحية كاملة , إن لم تستطع أن تكون بطلاً اجعل الآخرين إمّعات ؛ هذا ليس نص مقتبس من رواية فانتازيّة من العصور الوسطى ,إنما جزء من حديث كائن عربي يقاوم الدعوات الملحة في الإنضمام لقطيع حزب الكنبة
إنها حقبة الفوازير المصرية ثلاثية الأبعاد بعد أن قفزت من الشاشات إلى قصر الإتحادية فيطِل ويُطيل الرجل المخيال الحنون علينا بخطاباته الأقرب إلى بروغوباندا الأغاني الهندية وخطاب مليء باستطراد سمج ومن خلفه كركوزات إعلامه التي ما إن تتلقى الإشارة حتى تباغت المجتمع بحملات الخديعة ثم تغرق المصري  ” المواطن الحالم ” بالوهم
لايحب العبث بأمن الوطن والمواطن , لكنه لايتوانى عن العبث بأحلامهم , لايحب الإنصياع للتدخلات الخارجية لكنه مصاب بنهمة الأرز الخليجي , لايحب التملق لكنه يلبس بدلة مطابقة لبدلة بوتين في موسكو, لايكترث للولايات المتحدة لكنه يتزلفها سراً إذا تعلق الأمر بطائرات f 16  , هو ليس الخديوي اسماعيل الذي افتتح قناة السويس لكنه الخديوي السيسي الذي استكملها بترعة لن تحصِّل تكاليف إنشائها بمئتي عام
هو ليس الحاكم بأمر الله الذي ادّعى الألوهية , لكنه الحاكم بأمر نفسه مخلِّص مصر
تارةً هو العلماني الذي لايأبه بتدمير سيناء في محاربة داعش , وتارة هو القومي العربي  راعي نظرية ( مسافة السكة) و
طبعاً مش أي سكة , ” إحنا مانروحش سكة ماتديش رز يانور عنيّا ”

في 25 يناير  2011قال التاريخ أن هذا يوم مخصص للمصريين لينتزعوا حريتهم وليستعيدوا ولايتهم على أنفسهم من شبكات تتمدد في مفاصل الدولة ولاتتوقف عن استنزاف قوت المصريين وأحلامهم , تجسدت هذه الشبكات بما يسمى أذرعة الدولة العميقة في مصر, وفي 11 فبراير من ذات العام خرج علينا عمر سليمان بنصف بشارة مفادها أن مبارك سقط دون أن يسقط , وحتماً أن المتابع البصير سيدرك أن سقوط رأس النظام في الدولة العميقة لا يعني ” بتاتاً ” سقوط النظام
أهازيج ومفرقعات , غصّت الشوارع بالجماهير المنتشية بإكسير الحرية , فأعدتْ أم حسن الحمام المحشي ابتهاجاً بالمناسبة واشترى بسيوني جلابية جديدة لممارسة طقوس الحرية والديموقراطية , وماهي إلا فترة وقد اعتلى الأخوان سدة الحكم على صهوة أصوات الناخبين , وواقع الأمور ومنطقها يقول أنهم لم يحكموا , فوقائع المكاشفات يوماً لآخر  تشي أن أغلب الأجهزة الحيوية في الدولة كانت صعبة المراس ولم تخضع لمرسي رئيس الجمهورية بل أنها لم تتعاون حتى .. ؛ وأحايين عدّة تخطّتْ ذلك لتتآمر عليه , إلى أن أُطيح بمرسي وقيل للصندوق الانتخابي إخرس بصوتٍ فج ؛ فما أجدتْ حمامات أم حسن ولا مارست جلابية بسيوني حقها في الحرية , وأضحتْ العملية السياسية بين ليلة ومايعقبها كالنافخ بأرض قفار
كل ذلك ماكان محطّ عجبٍ عندي , فالواجبات المنقوصة تنتج عنها نتائج لاتخلو من المنغصات ؛ إلا أنني أقف فاغراً فاهي متعجباً كيف للشعب المصري أن يُغرم برجل قدم نفسه بكل وضوح بسلوك غادر وخطاب حشوي قبيح لا اختلاط فيه ولا اختلاف عليه بين عاقل وعاقل , إن هذا ودون شك لفضيحة مدوية في ذوق الشعوب , وهبوط أخلاقي مخيف إذا ماثبت  أن مؤيدي هذه العبثية السياسية على دراية برداءة مستوى السيسي الذي لايليق بتاريخ حضارة كحضارة مصر ؛
بعضهم يحيل سبب ذلك ويلقيه برسم جوقة الإعلام المصري الذي ناقض نفسه بشكل منقطع النظير ؛ إذ نهج مبدأ المكارثية في حقبة مرسي , فتعمد هذا الإعلام رمي الأحجار في البئر وتتفيه أي إنجاز عامداً , بينما على نقيض ذلك في حقبة السيسي فقد حشد أكبر كمية ممكنة من التصفيق والتهويل وضخها في ذهنية الشارع المصري مزامنةً مع المشاريع يطلقها السيسي , والتي أشبه ماتكون ” ببيض الصعو ” نسمع به ولانراه
وهذا ماشجع أذرعة الدولة العميقة في مصر لتكميم بعض الأصوات الحرة هنا وهناك حتى بات الإعلام الحر في مصر كرضيع النار لايدري أي المواقد ستكوي صوته , فأصبح الصوت الحر بين قابع خلف القضبان وفارّا إلى ماخلف البحار ميمّماً وجه الأمان

ولأن الديكتاتور عضيد الديكتاتور أينما كان فلا يصعب التنبؤ بخط العلاقة الذي سينتهجه السيسي مع ديكتاتوريات المنطقة فكان للأسد نصيب من ” صُباع الكفتة ” إذ تجاوز السيسي كل أعراف الخجل في دعمه السياسي وربما العسكري بعد أن لوحظت فوارغ الصواريخ المصرية الصنع التي كانت تُلقي السلام على رؤوس أهالي الزبداني وخلافها من مناطق سورية أخرى
إذن كيف تتلقى هذه الأنظمة العميقة الضربات فتحولها لجرعة ترفع بها مناعتها  وما إن تنهض من جديد حتى تهبط بمفهوم الدولة العميقة لما هو أردأ من ذلك  فتنتج لنا مفاهيم جديدة عن الدولة داخل الدولة ومصطلحات أكثر تناسبية مع هذا السقوط الذي خلع عنه أدنى المسلمات الأخلاقية والتي اقل مايمكن وصفها بمرحلة التحول من مفهوم الدولة العميقة إلى مفهوم الدولة القميئة
ماذا سنقرأ بعد مئة عام عن هذه المرحلة من الإنسداد والعسر إذا استمر حكم هذه الأنظمة القميئة ؟!
ماذا سنقرأ في ظل قادة يحكمون من ذيل الحكاية , يبدو أن التاريخ لايكتبه الناجون من أهل الحق
التاريخ يكتبه المنتصرون … أو ربما المتسلقون والحاكمون بأمر أنفسهم

المركز الصحفي السوري

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top