المواد المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع...
الكاتب: 
تامر بدوي

على الرغم من قوة العلاقات السياسية والعسكرية بين الطرفين وتطورها فعليًّا منذ ثمانينات القرن الماضي بقيت العلاقات التجارية والاقتصادية بين الطرفين -بشكل عام-ضعيفة، ولا ترقى إلى سمة "الاستراتيجية" التي تتصف بها علاقات البلدين منذ عقود، وظل هذا الاتجاه مستمرًّا خلال السنوات الماضية حتى اندلاع الثورة السورية (2011)؛ التي كانت نقطة تحوُّل أصبحت سمتها البارزة السيطرة المتزايدة لإيران على الاقتصاد السوري، والتي بدأت في الظهور منذ العام الثاني للثورة.
أهمية سورية الاقتصادية لإيران تعود إلى ثلاثة عوامل:
·       العامل الأول: الحاجة إلى إنقاذ الاقتصاد السوري بشكل مباشر وغير مباشر لتلافي انهياره؛ الذي سيؤدي إلى انهيار الدولة. 
·       العامل الثاني: تعزيز إيران لوجودها في سوق يمكن له أن يمتصَّ صادراتها غير النفطية. 
·       العامل الثالث: ما تمثله الجغرافيا السورية من أهمية لخطط تصدير الغاز الإيراني إلى منطقة شرق المتوسط وأوروبا مستقبلاً.
أولاً: تاريخ العلاقات التجارية بين إيران وسورية حتى نهاية القرن العشرين
بدأت العلاقات الاقتصادية بين طهران ودمشق أثناء الحكم الملكي الإيراني بين نهاية ستينات القرن الماضي والنصف الأول من سبعيناته، ووفقًا للهيئة الاستثمار السورية وُقِّعت أول اتفاقية اقتصادية بين الطرفين في 21 من أغسطس/آب 1969، وكان للمفارقة العام نفسه الذي يُشار فيه إلى حدوث تدهور في العلاقات بين البلدين؛ وذلك عندما كشف الجانب السوري عن نشاط شبكة استخبارية إيرانية في بلاده.
أما مؤسسة تنمية التجارة الإيرانية فتتحدث عن توقيع أول اتفاقية اقتصادية بين الطرفين في يوليو/تموز 1974، ودخولها حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 1975، أثمرت هذه الاتفاقية التي جاءت بعد عدد من الزيارات الوزارية رفيعة المستوى عن إعطاء إيران سورية قرضًا بقيمة 150 مليون دولار، وتقديم 50 مليون دولار لها لتمويل مشروعات زراعية وصناعية في عام 1974، وفي العام التالي قدمت إيران لسورية قرضًا بقيمة 300 مليون دولار. بعد عقد هذه الاتفاقية، تركزت الصادرات الإيرانية إلى سورية على عربات النقل، وفي المقابل تركزت الصادرات السورية إلى إيران على الفوسفات، والفواكه، وغيرهما من السلع.
ثم في عهد الجمهورية الإسلامية الإيرانية شهدت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين تطورًا بعد قيام الثورة وتأسيس الجمهورية الإسلامية؛ وذلك في إطار التقارب السياسي بين النظامين الإيراني والسوري على خلفية الحرب الأولى مع العراق، وفي مارس/آذار عام 1982 وصل وفد سوري رفيع المستوى إلى إيران لتطوير مجالات التعاون الاقتصادي والسياسي، وأبرم الطرفان مجموعة من الاتفاقيات التجارية والنفطية لتكون الأولى من نوعها بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية. وصرح مسئولون إيرانيون آنذاك بأن جزءاً من النفط الإيراني المصدر سيكون قائماً على نظام المقايضة (2.7 مليون طن) وأما الجزء الثاني (6.3 مليون طن) فلم يكن خاضعاً لذلك النظام (ثم كشفت مصادر غربية أن سوريا كانت تشتري النفط الإيراني بسعر 28 دولاراً للبرميل في مقابل سعر الأوبك الرسمي الذي البالغ 34 دولاراً في ذلك الوقت).
وفي العقد التالي، في 24 من سبتمبر/أيلول 1990، اتفق الطرفان على إنشاء شركات مشتركة في مجالات استثمارية مختلفة؛ خاصة في قطاع المقاولات، ثم عقدت اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين جلستها الأولى قرب نهاية النصف الأول من عام 1996.
ثانيًا: التبادل التجاري بين البلدين منذ تطبيق سياسات التحرير الاقتصادي في سورية
شرعت دمشق بمطلع العقد الماضي في تحرير اقتصادها للانتقال به من نظام مركزية التخطيط والاعتماد على الريع النفطي إلى اقتصاد حر، ومعتمد على مصادر دخل غير ريعية بتنمية صادراته غير النفطية، وفي هذا السياق وضع النظام السوري أسس سياسات التحرير الاقتصادي تلك في الخطة الخمسية التاسعة (2000).
وقد نتج عن سياسات التحرير الاقتصادي ارتفاع نصيب التجارة السلعية من 44.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1999 إلى 64.6% في عام 2007، وارتفعت الصادرات غير النفطية من نسبة 5.4% من حجم الناتج المحلي الإجمالي لتستحوذ على نسبة 19.1%، وتطورت الصادرات غير النفطية السورية نوعيًّا؛ بحيث شكلت السلع الوسيطة والاستهلاكية 50% (أو أكثر) من مجموع الصادرات غير النفطية على حساب المواد الخام في عام 2007، وإجمالاً، نما عدد الصادرات السورية إلى دول العالم بمتوسط سنوي بلغ 16.1% بين عامي 2001 و2006.
بين عامي 2000 و2006 تراجعت حصة الاتحاد الأوروبي من الصادرات السورية من 68.3% إلى 40.2%، وفي المقابل نمت حصة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الصادرات السورية في الفترة نفسها من 7.8% إلى 23.1%.
وتُظهر إحصاءات إدارة الجمارك الإيرانية (تقوم إحصاءاتها على أساس السنة الفارسية التي تبدأ من نهاية شهر مارس/آذار من كل عام) تضاعُف قيمة الصادرات السورية إلى إيران في السنة الأخيرة من الخطة الخمسية التاسعة (2000-2005) مقارنة بالسنة الأولى 4.6 مرة تقريبًا (أي بنسبة 362% تقريبًا).
في المقابل، تُظهر إحصاءات هيئة الجمارك الإيرانية تضاعف قيمة الصادرات الإيرانية إلى سورية في السنة الأخيرة من الخطة مقارنة بالسنة الأولى 4.8 مرة تقريبًا (أي بنسبة 383.1% تقريبًا).
على الرغم من تقارب نسب نمو صادرات البلدين، فقد كان عجز الميزان التجاري لصالح طهران خلال سنوات الخطة الخمسية التاسعة ضخمًا (بلغ 384% تقريبًا).
أما خلال فترة الخطة الخمسية العاشرة في سورية فقد استكملت دمشق في الخطة الخمسية العاشرة تطبيق سياسات التحرير الاقتصادي وتنمية الصادرات غير النفطية.
ووفقًا لإحصاءات إدارة الجمارك الإيرانية، تضاعفت قيمة الصادرات السورية إلى إيران في السنة الأخيرة من الخطة الخمسية العاشرة مقارنة بالسنة الأولى 2.8 مرة تقريبًا (أي بنسبة 182% تقريبًا)، أما بالنسبة إلى الصادرات الإيرانية إلى دمشق في السنة الأخيرة من الخطة مقارنة بالأولى، فقد تضاعفت 1.6 مرة تقريبًا (أي بنسبة 58% تقريبًا).
وبذلك، يكون العجز التجاري قد زاد بالنسبة إلى الجانب السوري بنسبة 52% تقريبًا في السنة الأخيرة مقارنة بالسنة الأولى من الخطة الخمسية العاشرة لصالح إيران؛ وبذلك يكون معدل نمو عجز الميزان التجاري بين البلدين في تلك الفترة قد تراجع مقارنة بمعدل نمو العجز في فترة الخطة الخمسية التاسعة، ما أدى إلى تراجع في معدل نمو التعاملات التجارية بين إيران وسورية في تلك الفترة مقارنة بفترة الخطة الخمسية التاسعة التي سبقتها.
ثالثًا: حجم الاستثمارات الإيرانية في سورية إلى ما قبل اندلاع الثورة السورية
وفقًا للتقرير السنوي الخامس (2010) لهيئة الاستثمار السورية، منذ عام 1991 إلى عام 2005، كان لإيران أربعة مشاريع في سورية بتكلفة استثمارية بلغت أكثر من خمسة مليارات ليرة سورية؛ وأما خلال الفترة الممتدة من عام 2006 وحتى عام 2010 فاستثمرت إيران في سورية في سبعة مشاريع بتكلفة استثمارية بلغت أكثر من 20 مليار ليرة سورية.
وفقًا لتقارير صحافية، قدَّرت الحكومة السورية الاستثمارات الإيرانية خلال عام 2006 فقط بما يزيد على 400 مليون دولار؛ الأمر الذي جعل طهران ثالث أكبر مستثمر في سورية بعد السعودية وتركيا، وفي سبتمبر/أيلول 2006 كان مسؤولون من الدولتين قد أعلنوا آنذاك عن خطط لتوسيع مشاريع إيرانية في سورية بقيمة 10 مليارات دولار على مدى السنوات الست التالية.
وقد صرَّح مسؤولون إيرانيون بوصول قيمة الخدمات الفنية والهندسية الإيرانية في عام 2010 (سنة 1389 الفارسية) إلى 2.2 مليار دولار أميركي، وهو العام أيضًا الذي اتفق فيه الجانبان على تأسيس بنك إيراني سوري للصادرات برأس مال مبدئي يصل إلى 30 مليون دولار على أن يستحوذ الجانب الإيراني على 60% منه.
رابعًا: التبادل التجاري بين البلدين بعد اندلاع الثورة السورية
شكَّلت الثورة السورية نقطة تحول في العلاقات التجارية والاقتصادية بين طهران ودمشق؛ وذلك من حيث زيادة اعتماد الثانية على الأولى بصورة دراماتيكية، وبشكل فاقم من عجز الميزان التجاري بين الطرفين، ويمكن فهم حجم هذا التحول بالعودة إلى حجم التبادل التجاري في سنوات ما قبل الثورة.
وكانت الثورة السورية دافعًا جيوسياسيًّا قويًّا لطهران لكي تسير في طريق تعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية بدمشق؛ التي كانت جزءًا من مشروع إيراني يطمح إلى إنشاء كتلة اقتصادية إيرانية-شرق متوسطية (تضم إلى جانب إيران وسورية كلاًّ من: العراق، الأردن، ولبنان) في عام 2010.
في أبريل/نيسان عام 2012 عقد الجانبان الإيراني والسوري اتفاقية التجارة الحرة؛ التي نصَّت على خفض الحواجز الجمركية تدريجيًّا؛ وذلك بحيث لا تزيد عن حدود 4% مستقبلاً، وهو ما استُهدف من خلالها آنذاك رفع حجم التبادل التجاري إلى ملياري دولار في الأعوام التالية بحسب ما صرَّح به مسؤولون إيرانيون.
في العام التالي في شهر يناير/كانون الثاني من عام 2013، تلقَّت دمشق قرضًا من إيران بلغت قيمته مليار دولار أميركي بعد انخفاض إيرادات الحكومة السورية بشكل كبير وبنحو 50% مقارنة بعام 2010، وأدَّى النزاع المسلح والعقوبات الاقتصادية إلى تخفيض العوائد النفطية بنسبة 90%، فضلاً عن تراجع الإيرادات الضريبية من القطاع الخاص؛ انطلاقًا من ذلك، خصصت الحكومة السورية القرض الأول لاستيراد السلع الغذائية، ولدعم الاحتياطي النقدي الرسمي؛ الذي كان يتآكل منذ اندلاع الاحتجاجات بسبب تزايد الإنفاق العسكري.
وفي شهر أغسطس/آب 2013 تلقَّت دمشق من طهران قرضًا ثانيًا بلغت قيمته 3.6 مليارات دولار؛ وقد خصصه نظام الأسد بشكل أساسي لاستيراد المشتقات النفطية، كما ساعد القرض الثاني في كبح حدة انخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار لتجنب انهيار العملة المحلية.
ويبدو في العام التالي -أي عام 2014- أن عملية تقليص الحواجز الجمركية (بالإضافة إلى إعفاء واردات القطاع العام من إيران من الرسوم الجمركية والضرائب منذ يناير/كانون الثاني 2014 إلى 2015)؛ مع الدعم النقدي الذي تلقته دمشق، قد انعكس على حجم التبادل التجاري بينها وبين طهران؛ إذ تشير مؤسسة تنمية التجارة الإيرانية إلى صعود حجم التبادل التجاري بين البلدين من 430 مليون دولار في عام 2010 إلى 869 مليون دولار في عام 2014، ولكن وفقًا للملحق التجاري بالسفارة الإيرانية بدمشق علي کاظميني، وصل حجم التبادل التجاري إلى مليار دولار في العام الماضي.
وهناك ما يشير إلى احتمال استيراد سورية من إيران آنذاك سلعًا تتجاوز قيمتها المليار دولار؛ إذ صرح معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري عبد السلام علي في العام الماضي ببلوغ قيمة واردات سورية من إيران 422 مليار ليرة سوريا (2.6 مليار دولار)، مُشَكِّلة نسبة 34% من الحجم الكلي للواردات السورية.
خامسًا: مستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين
بشكل واضح، اكتسبت طهران نفوذًا اقتصاديًّا أوسع في سورية؛ وذلك بفضل العزلة الاقتصادية التي فُرضت على دمشق دوليًّا في السنوات القليلة الماضية بتضخم قيمة صادراتها إلى سورية، وتتجاوز المصالح الإيرانية في سورية -كون الأخيرة سوقًا لصادراتها النفطية وغير النفطية-إلى استحواذها فيها على عدد متزايد من العقارات؛ التي باتت عمليًّا تمثل امتدادًا لسيادة الدولة الإيرانية. تجاريًّا، من المتوقع أن تنعكس خطوة تدشين خطين بحريين مباشرين مع سورية على حجم التبادل التجاري. واستثماريًّا، مع التوصل إلى اتفاق نووي نهائي ستتوافر لدى إيران تدريجيًّا سيولة دولارية ضخمة ستمكنها من التوسع أكثر.
أما بالنسبة إلى ملف الطاقة، فمنذ سنوات وتتمتع سورية بأهمية جيو-اقتصادية كبيرة لدى طهران؛ التي خططت لتصدير الغاز الطبيعي الإيراني إلى شرق منطقة البحر المتوسط، ثم إلى جنوب شرق أوروبا مستقبلاً؛ ولكن مع اشتداد الحرب في سورية، تراجعت فرص مد أنبوب الغاز إلى سورية؛ ولكن من جهة أخرى، استمر مشروع مدِّ خط الغاز إلى الأراضي العراقية؛ الذي كان مخططًا انتهاؤه وبدء تصدير إيران لغازها من خلاله، بين مايو/أيار ويوليو/تموز 2015.
أخيراً، ثلاثة سيناريوهات لمستقبل المصالح الاقتصادية الإيرانية في سورية: 
·       السيناريو الأول: سقوط نظام الأسد؛ في حال سقوطه على يد المعارضة السورية المسلحة في سياق الصراع الصفري الذي تشهده سورية حاليًّا؛ فإن إيران ستفقد كليًّا مصالحها الاقتصادية في سورية لصالح المعارضة والأطراف الإقليمية الداعمة لها.
·       السيناريو الثاني: التوافق السياسي؛ وفقًا لهذا السيناريو، ستتمكن إيران من الحفاظ على جزء معتبر من مصالحها الاقتصادية في سورية؛ سواء كسوق تصدير لسلعها، أو استحواذها بقدر ما ستمتلكه من أوراق مساومة على طاولة المفاوضات؛ وعلى هذا الأساس، ربما تشارك طهران في عملية إعادة الإعمار؛ وذلك إلى جانب بقية الأطراف الإقليمية المناوئة بعد الخروج بتسوية سياسية بين جميع الأطراف، أما فيما يخص ملف الطاقة؛ فالاضطراب الأمني الذي من المتوقع أن يستمر طويلاً (مع تفكك تنظيم "الدولة" وتحوله إلى مجموعات عنقودية) قد يقلل من فرص نجاح مشروع خط الغاز؛ حتى لو تم إنشاؤه (وذلك إذا افتُرض أيضًا غياب معارضة مؤثرة من قبل القوى الإقليمية المنخرطة في الصراع حاليًّا).
·       السيناريو الثالث: التفكك والتقسيم؛ تبعًا لسيناريو تقسيم سورية عرقيًّا/مذهبيًّا إلى دويلات، ستتمكن إيران من تعزيز تمددها الاقتصادي في الشريط الساحلي العلوي (وبذلك يكون اقتصاد الدويلة العلوية تحت احتكار ثنائي من قبل إيران وروسيا)؛ وربما الكيان الكردي بالشمال الشرقي؛ إلا أنها لن تتمكن من مد أنبوب الغاز من العراق إلى الكيان العلوي وفقًا لخطتها القديمة.
تاريخ النشر من المصدر : 02.07.2015
المصدر :  مركز الجزيرة للدراسات
الرابط: 

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top