كريستيان ساينس مونيتور – التقرير
تتفكك عملية السلام الكردية في تركيا بسرعة هذه الأيام، وتبذل أنقرة حاليًا المزيد من الجهد لإصابة المسلحين الأكراد بالشلل بالمقارنة مع تصعيد دورها في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية. وقد حيرت هذه السياسة المحفوفة بالمخاطر المحللين، وأثارت مخاوف من أن الأجندة الحقيقية للحكومة هي عكس المكاسب الكردية في الداخل وفي المنطقة. ورغم ذلك، لا يزال طرفا عملية السلام مترددين في الدعوة إلى وفاة هذه العملية، ويشير استعراض الأحداث الماضية إلى أنه من مصلحة الجانبين تجنب فعل ذلك تمامًا. ويوم الثلاثاء، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان أنه من المستحيل على تركيا مواصلة التعامل مع المسلحين الأكراد. ولكنه عاد ليخفف من حدة تلك الرسالة القاسية بعد ساعات فقط، عندما قال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية (AKP)، بشير أتالاي: إن عملية السلام قد تستأنف في حال ألقت “العناصر الإرهابية” أسلحتها، وغادرت تركيا. “وأضاف أتالاي للصحفيين في أنقرة: “لا نستطيع أن نقول إن عملية السلام انتهت بحكم الأمر الواقع“. ورغم ذلك، يشير التصعيد الحاد هذا الأسبوع إلى أن استئناف المحادثات لا يزال أمرًا غير مطروح على الطاولة. وقد قصفت مقاتلات F-16 التركية بلا هوادة مخيمات حزب العمال الكردستاني (PKK)، ومستودعاته، في جبال شمال العراق، واستهدفت المسلحين الأكراد في إقليم سيرناك جنوب شرقي البلاد. واعتقلت تركيا المئات من المشتبه بانتمائهم إلى “الإرهاب”، وغالبية هؤلاء متهمون بصلتهم بحزب العمال الكردستاني. وبشك مماثل، يشن حزب العمال الكردستاني، الذي تمسك إلى حد كبير بوقف إطلاق النار منذ عامين، هجمات قاتلة ضد قوات الأمن في تركيا بشكل شبه يومي الآن. ويوم الخميس، قتل ثلاثة من أفراد الدرك التركي في اشتباكات مع حزب العمال الكردستاني في سيرناك كلا الجانبين استفادا من السلام وتعد القوات المسلحة التركية وحزب العمال الكردستاني خصمين قديمين. وعلى مدى ثلاثة عقود، قاد حزب العمال الكردستاني حملة عنيفة من أجل تقرير المصير وحقوق الأكراد في تركيا. وأدى الصراع إلى إزهاق أرواح 37 ألف شخص، وتشريد مليون شخص على الأقل، وتفريغ الآلاف من القرى من سكانها. ويكلف هذا الصراع أيضًا الدولة مليارات الدولارات. وفي عام 2013، وافقت الحكومة التركية وزعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل، عبد الله أوجلان، على وقف إطلاق النار. وأشاد نقاد أردوغان أنفسهم حينها بنزع فتيل الأزمة الكردية. ولكن العديد من المحللين يخشون الآن من أن عملية السلام الفاترة قد لا تنجو من أحدث موجة من القتال. وبعد انضمام تركيا إلى الحرب ضد الدولة الإسلامية- أخيرًا- اعترف الحلفاء الغربيون بحق تركيا في الدفاع عن النفس، ولكنهم حثوا أيضًا على مواكبة جهود السلام مع حزب العمال الكردستاني. ويتم تصنيف المجموعة الكردية الانفصالية من قبل كل من تركيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، كمنظمة إرهابية، على الرغم من أنها تتمتع بمكانة متنامية كقوة قتالية فعالة ضد الدولة الإسلامية. وتقول المحللة إليزا ماركوس من واشنطن: إن شدة الحملة على حزب العمال الكردستاني تشير إلى أن تركيا تريد إعادة تشكيل الديناميات الإقليمية والمحلية التي فضلت الأكراد إلى حد كبير مؤخرًا. وتضيف: “المشكلة هي أن تركيا لا تعطي أي مؤشر على أن التهدئة هي هدفها في الوقت الراهن. والهدوء أمر مهم لحزب العمال الكردستاني؛ لأنه يتلقى الكثير من الضربات الآن“. ومن الممكن أن يخسر كلا الطرفين إذا انهارت عملية السلام، التي كانت قد فتحت مساحة للهوية، واللغة، والنشاط السياسي، الكردي. وكانت هذه المكاسب قد ظهرت بوضوح في انتخابات يونيو التي جلبت حزبًا مواليًا للأكراد إلى البرلمان. لن يستطيع أي من الطرفين الفوز وبالنسبة لتركيا، التي عانت من عقود مضطربة من التأرجح بين الاتجاهات الديمقراطية والاستبدادية، جلبت عملية السلام فترةً من الهدوء، لم تسيطر خلالها أخبار وفاة الجنود ورجال الشرطة على عناوين الصحف. وعن هذا، يقول أندرو فينكل، وهو مؤلف كتاب “تركيا: كل ما تحتاج إلى معرفته“: إن “الاستقرار والازدهار جاء ليعني أنه كان هناك عائد حقيقي للسلام”. ويضيف: “الآن، يبدو أنهم يحاولون التراجع عن كل عمل جيد حققوه“. وقد انخفضت الليرة التركية، كما يشير فينكل، بنسبة 4 في المئة مقابل الدولار في الأسابيع الأخيرة. ومن جهتها، تلاحظ ماركوس أن وقت السلم سمح للجيش التركي ببناء الحصون العسكرية والجيوب في جنوب شرق البلاد المضطرب، ولكنه عزز أيضًا وجود حزب العمال الكردستاني هناك. وتضيف الباحثة: “إنهم يعرفون المنطقة، ولديهم مستودعات للأسلحة. لن تكون هذه معركة بسيطة هذه المرة”. وأثار توقيت الهجوم تساؤلات حول حساب التفاضل والتكامل السياسي لحزب العدالة والتنمية. وتقول إحدى النظريات إن حزب العدالة والتنمية يرغب في تأجيج المشاعر القومية، وهو ما سيقود لإجراء انتخابات مبكرة، بدلاً من الدخول في حكومة ائتلافية قد تفضح مدى فساده المزعوم. وتقول نظرية أخرى إن حزب العدالة والتنمية لم يستطع إقناع قاعدته الانتخابية المحافظة بالحرب على داعش، ولذلك، شرع في الحرب الشاملة على التشدد ككل. تقويض مكاسب الحلفاء ويقول فينكل أيضًا: “تبدو هذه الاستراتيجية خطيرة بشكل لا يُصدق. إذا لم تأت بنتائج عكسية من حيث الانتخابات، فسوف تأتي بنتائج عكسية من حيث الاستقرار الاجتماعي“. ومن خلال مهاجمة حزب العمال الكردستاني، قد تقوض تركيا المكاسب الأخيرة التي حققها حلفاء الولايات المتحدة في سوريا. وقد ضخمت سلسلة الانتصارات التي حققها الأكراد السوريون ضد داعش مؤخرًا المخاوف التركية من أن تكون الشركات التابعة لحزب العمال الكردستاني قد وضعت الأسس اللازمة لإنشاء منطقة حكم ذاتي في سوريا شبيهة بتلك التي أُنشئت في شمال العراق. ويقول هارون شتاين، وهو مؤلف كتاب “السياسة الخارجية الجديدة لتركيا”، إن “تقسيم القوات بين محاربة تمرد داخلي ومحاربة داعش أيضًا ليس فعلاً حكيمًا بالنسبة لتركيا. وينطبق هذا الأمر نفسه على حزب العمال الكردستاني. إن كلاً من حزب العمال الكردستاني وتركيا سيدخلان في حرب على جبهتين، ولن يتمكن أي منهما من الفوز“. وبدورها، تقول مجموعة الأزمات الدولية، نيجار غوكسيل: “في نهاية المطاف، يحتاج الطرفان لبعضهما البعض لاحتواء الدولة الإسلامية.. إنه في مصلحة كلا الجانبين المضي قدمًا في عملية السلام والتعاون ضد تهديد الدولة الإسلامية“. |
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.