يتميز المجتمع السوري بتعدد لهجات أبناء البلد الواحد على اختلاف مشاربهم، وكانت تلك اللهجات تُحكى في المجتمع دون أن يكون لها معانٍ سياسية، أو للدلالة على النفوذ والسطوة، لا سيما وأن سكان الساحل السوري ليسوا منحدرين جميعاً من طائفة واحدة.
ولم تُتخذ اللهجات في سوريا كوسيلة لنشر الخوف إلا مع وصول نظام الأسد إلى سدة الحكم قبل عقود، حيث ألبس النظام لهجة أهل الساحل لباس الترهيب والتسلط، كونها تُعبر عن ذات لسان الرجل الحاكم لسوريا بقبضة من حديد، ولسان أبرز ضباطه في الجيش وفروع المخابرات.
وبعد بدء الثورة في سوريا منتصف مارس/ آذار 2011، ازداد تداول اللهجة الساحلية حتى بالنسبة لبعض السوريين الذين لا ينحدرون من مدن الساحل، لكون اللهجة أصبحت بمعانيها المُكتسبة ترسم صورة نمطية معروفة للسوريين عن المُتكلم بها.
فعلى سبيل المثال، بات بعض السوريين يستخدمون تلك اللهجة عندما يقفون على الحواجز العسكرية لقوات الأسد، أو أثناء دخولهم إلى الدوائر الحكومية لإنجاز المعاملات.

"أهم من اللغة الإنكليزية"

يقول أحمد وهو شاب يقطن في حي ركن الدين بدمشق في تصريح لـ"السورية نت": "نضطر أنا وعدد من زملائي للتحدث باللهجة الساحلية، وذلك لاتقاء شر عدد من العناصر في حاجز الميسات بركن الدين، حيث اعتاد أغلبهم على التفنن في إذلال الطلبة، وأقل ما يعفلونه إيقاف الطلاب وتأخيرهم اللحاق بمقاعد الدراسة"، وأشار إلى أن هذا التظاهر بالحديث باللهجة الساحلية لا ينطلي على جميع عناصر النظام، إلا أن ذلك "يجلعهم أقل حدة معنا"، وفق قوله.
كذلك يستخدم الطالب سمير (اسم وهمي) اللهجة الساحلية خلال عبوره للحواجز العسكرية في طريقه إلى الجامعة، متلفظاً بعبارات: "كيف غالي"، "عيني ربك عيني"، "كيفك ضيعة".
وبسخرية قال سمير لـ"السورية نت": إن "تعلم اللهجة الساحلية أهم من تعلم اللغة الإنكليزية في ظل الحواجز الأمنية والمضايقات العسكرية".

وسيلة قوة وتفاخر

وأصبحت هذه اللهجة سائدة أيضاً بين الجنود الذين يقاتلون في جيش النظام، وكذلك المدنيين المتطوعين الذين ينحدرون من مدن سورية عدة ليست من المنطقة الساحلية.
وقال محمد علي وهو الاسم المستعار الذي اختاره لنفسه عندما صرح لـ"السورية نت"، أنه من مدينة درعا، وتحدث قائلاً: "أثناء عبوري من أحد الحواجز العسكرية في دمشق طلب مني عسكري إظهار هويتي بلهجة جبلية ظاهرة، وعندما رأى مكان الإقامة درعا البلد، أخبرني العسكري بأنه من درعا أيضا، لكنني استغربت من اللهجة حينها".
أمام محمد سبيعي (اسم مستعار) وهو أحد المجندين السابقين في سرايا الدفاع التابعة لرفعت الأسد خلال فترة ثمانينيات القرن الماضي، قال أن اللهجة الساحلية كانت تشكل أحد أذرع القوة منذ ذلك التاريخ، حيث كان رفعت الأسد أحد المروجين لها.
وانتشرت اللهجة الساحلية في محافظة بشكل كبير قبل الثورة، وبشكل أكبر بعدها، بحسب ما يؤكده الدكتور رشيد العمر من أهالي مدينة البياضة لـ"السورية نت" قائلاً: "عكس ما حصل في دمشق قبل بداية الثورة حيث نادراً ما كان يتحدث شخص باللهجة الساحلية في العاصمة، كانت هناك في مدينة حمص من يتفاخر بالتحدث باللهجة الساحلية ويعتبرها مصدر قوة، مستشهداً بعبارات تستخدم في الدوائر الحكومية من قبل الكثير منها: مشينا يا رفيق، على عيني يا ضيعة".
ويضيف العمر أن مؤسسات الإسكان العسكري كانت تقدم ساعات كهدايا مرسوم داخلها صورة لبشار الأسد، وكانت هذه الساعات كلمة السر في بعض الدوائر الحكومية للحصول على الامتيازات، ويحصل حاملها على جميع التسهيلات وينهي معاملته متوجاً بكل عبارات المديح من الموظفين.
وكانت اللهجة الساحلية قد دخلت أيضاً إلى الأعمال الدرامية منذ نهاية الثمانينيات، من خلال المؤسسة العامة للسينما، التي أنتجت فيلمين روائيين هما "نجوم النهار" من إخراج أسامة محمد 1988، و"ليالي ابن آوى" لعبد اللطيف عبد الحميد 1989.، وقد تأخر البت بعرضهما.
ويروى حينها أن وزيرة الثقافة نجاح العطار نظمت عرضاً خاصاً لحافظ الأسد لمشاهدة الفيلمين حتى تم قبولهما.
ويشار أن اللهجة الساحلية، يستخدمها بالأصل سكان الساحل السوري (اللاذقية وطرطوس والسلمية وسهل الغاب والمناطق المجاورة لهم على ساحل البحر المتوسط)، وتعتبر خليطاً بين العربية والسريانية والفنيقية.

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top