على امتداد جميع المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، وحتى ضمن أصغر المجتمعات الإثنية والطائفية، أطلق النِظام إحدى أشد حملاته الأمنية عُنفاً واحترافية، للقبض على الشباب السوري، لالحاقه بقطعٍ عسكرية.
آلاف الشباب يُساقون من الشوارع إلى حافلات نقل كبيرة، أو شاحنات يُنقل فيها عادة الصخور والمواشي، تقودهم إلى “مراكز تجميع”، تقوم بدورها بفرزهم إلى ثكناتهم التي خدموا بها سابقاً -إن كانوا ضمن ملف طلبات الاحتياط- أو إلى قطع عسكرية جديدة إن لم يخدموا سابقاً في قوات النظام.
أمنيون بزي مدني، يذرعون الشوارع بأسلحة خفية ويطلبون الهويات الشخصية من المارة، ويتأكدون من الأسماء بواسطة الأجهزة اللاسلكية. وما أن يتم التأكد من الاسم إن كان مطلوباً للجندية، حتى يأتي مدنيون آخرون، لخطف المطلوب ووضعه عنوة في الحافلة أو الشاحنة، مُكبل اليدين، مع الكثير من الاعتداءات العنفية واللفظية. حالة لم تشهدها سوريا، منذ السفر برلك العثماني، حينما كان يتم اقتياد الشباب، مكبلين كالعبيد، إلى الجندية. ولم يعد النظام يلجأ إلى الحواجز العسكرية أو الأمنية الواضحة والضخمة لسحب المطلوبين إلى الجندية، لأن السوريين باتوا يعرفون مواقع الحواجز، ويمتنعون عن المرور بها، كنوع من الرد الأهلي على التجنيد الإلزامي.
ويبدو أن النظام يستجيب للمطلب الروسي في إعادة هيكلة الجيش، ليوائم الخطة الروسية، التي تقوم على “مكافحة الإرهاب” باستخدام قوات النظام، التي يجب عليها أن تبدو بأفضل حال.
جعل قوات النظام بأفضل حال على الصعيدين اللوجستي والبشري، وتعويض الكم الهائل من المنشقين والقتلى والفارين، هي أغراض روسية لتسويق دعمها العسكري للنظام، والتخلص من المليشيات الأجنبية المقاتلة المدعومة من إيران. فالمليشيات الطائفية المدعومة إيرانياً، تشارك في نزاع أهلي، أكثر من كونها تدعم دولة تتعرض لإرهاب تنظيم متطرف. الأمر الذي بات يزعج الروس في المحافل الدولية. لذلك، ومن وجهة النظر الروسية، لا بد من تقوية قوات النظام وهيكلتها بشرياً، وجعلها المقاتل الأول ضد “الإرهاب”.
وهذا ما سبق وطرحته روسيا، قبل تدخلها العسكري المباشر في سوريا، على المملكة العربية السعودية وتركيا، كي تتحالفا مع قوات النظام لمقاتلة “داعش”.
فالنظام والروس، يراقبون بسرور، توحد نظرة العالم في “مكافحة الإرهاب” المتمثل في تنظيم “الدولة الإسلامية”. من هنا يبدو النظام حيادياً أمام انعكاس الحرب الأهلية التي يديرها في سوريا. فهو يحاول نقل عداء المعارضة المسلحة والمدنية له، إلى “داعش” وحدها، بمصادرة روسية إيرانية بأن العدو الأول للسوريين هو “الإرهاب الإسلامي” لا “إرهاب الدولة”.
اقتياد النظام للمدنيين، الذين لم تسمح لهم ظروفهم بالهرب من التجنيد الإجباري، إلى الجبهات، بعد فترة تدريب لا تتجاوز 15 يوماً، يتسبب في مقتلة للمجندين الجُدد، ويجعل قوات المعارضة في مواجهة مدنيين حيادين أو غير راغبين بالقتال. إلّا أن النظام قد دفعهم رغماً عنهم للقتال، وبالتالي الدفاع عن أنفسهم أمام “عدو” مفروض عليهم فرضاً.
الطريقة في جلب المطلوبين بالقوة، والتي بدأها النظام منذ سنة تقريباً، جمعت قتلى قوات النظام، من جميع الطوائف، وبالتالي تحول النظام في إدارته للصراع الطائفي، من قاعدة سيطرة الأغلبية العلوية في الجيش والأمن، وووجودهم في الجبهات الأمامية، إلى جعل قواته من جميع الطوائف، ليختبر رأي السُنة السوريين في مناطق سيطرته، واحتوائهم ضمن صراع سُني-سُني. وتركيز النظام منذ عام تقريباً على الأحياء السُنية في الساحل السوري، لجلب المجندين، كان لفرض وحدة حال مع العلويين الذين حاولوا تطوير حالة احتجاجية في وجه النظام، خلال تشييع الآلاف من قتلاهم. أما اليوم فباتت الحصيلة عرضة للتساوي، مع اقتياد النظام لآلاف السُنة إلى جبهات القتال، دون أي تدريب جدي، أو استثمارهم في حرب منظمة.
فالهدف هو تساوي أعداد القتلى من مختلف الطوائف، ضمن قوات النظام، لتخفيف ضريبة الموت على العلويين، وجعل “الإرهاب الإسلامي” هو وحده عدو السوريين.
تبدو الحملة الأخيرة نفيراً عاماً، وخطة استراتيجية سياسية روسية، لجعل قوات النظام، مؤسسة يُتكئ عليها لمكافحة “الإرهاب”، وتعويم النظام. خاصة أن المدارس وبعض المؤسسات الحكومية في سوريا، باتت تُلزم الذكور دون الخمسين من العمر، بالتدريب العسكري بعد انتهاء أوقات الدوام. كما يسعى النظام إلى تحويل الموظفين الأكبر عمراً، إلى حراس ليليين للشوارع، للتخفيف من ضغط أعمال مليشيا “الدفاع الوطني” داخل المدن، وإرسال عناصرها عوضاً عن ذلك إلى جبهات القتال.
ويبدو بأن النظام بتسليحه للسوريين في مناطق سيطرته، لن يُخفف الحرب، بل سيزيد وتيرة الموت، ويعقّد تناقضات الحالة الأهلية. بشار جابر: المدن
|
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.