![]() |
المواد المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع ...
الكاتب : أسامة أبو ارشيد
تاريخ النشر : 10.11.2015
في ظل التردد وغياب استراتيجية أميركية واضحة المعالم في سورية، بادرت روسيا مطلع الشهر الماضي، إلى مفاجأة الولايات المتحدة بتعبئة الفراغ الناجم هناك؛ وذلك عبر فرض وقائع سياسية وعسكرية جديدة على الأرض لا يمكن للولايات المتحدة تجاهلها.
ثم أتت المفاجأة الثانية يوم الأربعاء 30/ 09/ 2015، حيث بدأ شن هجمات جوية داخل سورية دون تنسيق حقيقي مع الولايات المتحدة؛ وذلك على الرغم من اتفاق أوباما مع الرئيس الروسي بوتين، على تنسيق الضربات الجوية وذلك لتجنب حدوث صدام عسكري عرضي. وجاءت المفاجأة الروسية الثالثة مع إعلان مسؤول روسي أن موسكو أرسلت خبراء عسكريين إلى مركز قيادة أقيم في الآونة الأخيرة في بغداد يتولى تنسيق الضربات الجوية والقوات البرية في سورية.
هذه التطورات أثارت قلقاً في واشنطن من أن ثمة تحالفاً آخذاً في التشكل يتكون من روسيا، وإيران، والعراق، وسورية، قد يكون منافساً للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". غير أن التحالف الدولي الذي تقوده روسيا، لا يكتفي بـ"داعش" والتنظيمات الجهادية، كـ"جبهة النصرة"، بل إنه يوسع دائرة تعريف العدو لتشمل كل من يعادي الأسد.
طبيعة الاحتلال العسكري الروسي
تقول التقديرات الأميركية إن روسيا تسعى إلى إيجاد قاعدة عسكرية متقدمة في اللاذقية، إضافة إلى قاعدتها البحرية على البحر الأبيض المتوسط في مدينة طرطوس، وفعلاً، فقد قامت روسيا بتجهيز مبانٍ في مطار اللاذقية، بطاقة استيعابية لألفي مستشار عسكري وموظف، إضافة إلى إرسال مئات من جنود البحرية الروس.
وترى الولايات المتحدة أن حجم البناء العسكري الروسي على الساحل السوري له مرام أبعد من الحرب على "الإرهاب". فكما هو معلوم من أن تنظيم الدولة وغيره وفصائل المعارضة السورية لا تملك طيراناً حربياً يستلزم مثل هذه القدرات وهذا النوع من الأسلحة والذي دعمته روسيا مؤخراً على الأراضي السورية.
مقاربتان متناقضتان
على الرغم من أن القطبين الأميركي والروسي أعلنا أن عدوهما مشترك، وهو تنظيم الدولة والتنظيمات الجهادية السنية الأخرى "المتطرفة"، فهما يختلفان في مسائل عدة، أهمها نطاق تعريف من هو العدو، وكيفية إنهاء الصراع في سورية، ودور الأسد في أي حل سياسي مستقبلي.
فالولايات المتحدة تحصر ضرباتها الجوية في سورية في هذه التنظيمات، وتحديداً "داعش"، دون أن يعني ذلك دعماً أو تزكية لأغلب فصائل الثورة السورية الأخرى، كحركة "أحرار الشام". وقد قال كيري إن الولايات المتحدة ستشعر بالقلق إذا ما قصفت روسيا مناطق لا وجود فيها لهذه الجماعات [الإرهابية]، لأن ذلك سيوحي بأن الهدف الحقيقي لروسيا هو مساندة الأسد.
بينما ترى روسيا في أي تنظيم أو فصيل مسلح يحارب نظام الأسد عدواً، سواء أكان منطلقاً من أيديولوجيا دينية "متطرفة" أم من أيديولوجيا وطنية علمانية. فها هو الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أكد على أن من يحارب نظام الأسد هو هدف للهجمات الروسية.
وعملياً، فقد ضربت روسيا أهدافاً في إدلب وقرب مدينتي حماة وحمص في غرب سورية، والتي لا لـتنظيم الدولة وجود معتبر فيها، على عكس شمال سورية وشرقها، مما يفصح عن أنها تجيء في سياق المحاولات الروسية لمنع المعارضة من السيطرة على غرب البلاد. وبحسب وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون، فإن ضربة جوية واحدة بين كل 20 ضربة روسية في سورية تستهدف تنظيم الدولة.
أما التناقض الأبرز فيتمحور بين المقاربتين الأمريكية والروسية حول الدور المستقبلي اذي يمكن أن يقوم به الأسد في أي حل سياسي مرتقب. وبحسب كيري، فإن ثمة اتفاقاً أميركياً روسياً "على أنه يجب أن تكون سورية دولة موحدة وعلمانية وأن هناك حاجة إلى التصدي لتنظيم الدولة، وإنه يجب أن تكون هناك عملية انتقال سياسي موجهة"، غير أنه يقر أنه لاتزال هناك خلافات على النتيجة التي ستسفر عنها عملية الانتقال.
واشنطن تريد أن تكون نتيجة أي انتقال سياسي هي تنحي الأسد عن السلطة، حتى وإن قبلت بوجوده لمرحلة انتقالية، في حين أن روسيا تصر على أن الأسد جزء من الحل، وأن بقاءه من عدمه لا ينبغي أن يكون على طاولة المفاوضات.
لكن، ولأن إدارة أوباما بنت استراتيجيتها على أن محاربة تنظيم الدولة هي الأولوية بالنسبة إليها في هذه المرحلة، فإنها تركت سؤال كيف ترغم الأسد على التنحي عن السلطة ومن سيخلفه في حال حصل ذلك، معلقاً؛ فإدارة أوباما تزعم أنها متخوفة من انهيار مؤسسات الدولة وانزلاق سورية إلى الفوضى كما حصل في العراق وليبيا.
بينما يلقي بوتين باللوم عن حالة الفوضى تلك على الغزو الأميركي للعراق عام 2003، والتدخل الغربي في ليبيا عام 2011. ويرى بوتين أنه بالإمكان إعادة تأهيل الأسد عبر إصلاح سياسي والوصول إلى حل وسط "من أجل بلده وشعبه". وأضاف "أعرف أن الرئيس الأسد يدرك ذلك وهو مستعد لمثل هذه العملية. إننا نعول على موقف نشط ومرن وعلى استعداد لحل وسط".
وعليه فإن أهم أهداف المحادثات الأميركية مع الروس قد تتلخص فيما يلي:
وعليه، فإن الجرأة الروسية وفرضها وقائع جديدة على ساحتها، لا تقرأ إلا في سياق الإقرار بغياب استراتيجية أميركية شاملة ومتكاملة للوضع في ذلك البلد؛ فعدا عن مطالبة الأسد بالرحيل على أساس أنه "لا يملك شرعية ليقود"، فإن إدارة أوباما لم تقدم أي تصور لكيفية حدوث ذلك. ومع تمدد تنظيم الدولة في العراق وسورية، أعلن أوباما في سبتمبر 2014 عن "استراتيجية" للتصدي للتنظيم في البلدين. وتتكون "الاستراتيجية" في سياقها السوري من عنصرين؛ أولها، تشكيل تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة لشن هجمات جوية على التنظيم تهدف "لإضعاف التنظيم ثم تدميره". وثانيهما، تخصيص 500 مليون دولار من الكونغرس لتدريب مقاتلي "المعارضة المعتدلة" في سورية وتسليحهم".
غير أن كلا المكونين أثبتا فشلاً ذريعاً إلى اليوم. اللافت أن أوباما يرفض الاعتراف بفشل "استراتيجيته" وخطأ تقديراته؛ ففي مؤتمر صحفي عقده يوم الاثنين 02/ 10/ 2015، أعاد أوباما تأكيد قناعته بأن "الرئيس بوتين اضطر إلى الذهاب على سورية ليس من موقع قوة وإنما من موقع ضعف لأن وكيله، الأسد، كان ينهار".
أخيراً، يبدو أن روسيا قد حسمت أمرها لمصلحة أخذ زمام المبادرة عبر احتلال عسكري مباشر، في ظل الهزائم المتتالية لحليفها الأسد، وعجز إيران وميليشياتها عن ترجيح الكفة لفائدة نظامه أمام الثوار. من ثم يعزز دورها في أي مفاوضات مستقبلية هناك، سواء لناحية بقاء الأسد أو خروجه وترتيبات ما بعد ذلك، فلا يمكن لأحد بعد اليوم أن يتجاهل دور موسكو وحساباتها في سورية.
وفي سياق آخر، فإن التدخل الروسي المباشر في سورية، قد يكون ورقة مساومة يلعب بها بوتين مع الولايات المتحدة والغرب فيما يتعلق بالملف الأوكراني والعقوبات الغربية التي فُرضت على موسكو جراء ذلك.
وتتضاعف المعضلة الأميركية في سورية مع ورود أنباء تفيد بأن إيران أرسلت مئات الجنود، دفعة أولى، بكامل عتادهم العسكري، للانضمام إلى هجوم بري كبير ستشنه قوات الأسد وميليشيات "حزب الله" اللبناني وميليشيات عراقية أخرى، بدعم روسي جوي. بالطبع هذا لا يعني أن روسيا وإيران ستحققان بالضرورة أهدافهما المرجوة من التورط العسكري المباشر في سورية، وأوباما يصر على أنهما ستفشلان في ذلك.
إن دخول روسيا على خط المجابهة العسكرية، دون القدرة على الحسم، سيعني مزيداً من سفك الدماء والدمار، لما يُعرف عن روسيا من همجية وبربرية عسكرية أثبتتهما تجارب غزو أفغانستان والحرب على جمهورية الشيشان، في ثمانينات القرن الماضي وتسعينياته.
تاريخ النشر من المصدر : 11.10.2015
المصدر : المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات
الرابط:
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)

0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.