المواد المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع...
تاريخ النشر : 19.10.2015
تسعى هذه الورقة الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات إلى مناقشة أبعاد العلاقة بين إيران وحركتي حماس والجهاد الإسلامي بالنظر إلى جملة من المحددات، وأهمها: الثورة السورية، ومفاوضات إيران مع الغرب والاتفاق النووي، والدور الإيراني في المنطقة، والتنافس الإيراني-السعودي. كما تسعى إلى وضع تصور لتوجهات الفاعلين فيما يتعلق بمستقبل هذه العلاقة.
مدخل لفهم العلاقة بين حركتي الجهاد الإسلامي وحماس وبين إيران:
يمكن فهم الإعجاب بالنموذج الإيراني الذي يُسجَّل للحركتين (حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، وهي حليف قديم لإيران، وحركة حماس، التي تنتمي في فكرها وجذورها إلى جماعة الإخوان المسلمين) أحيانًا ويسجَّل عليهما أحيانًا أخرى، إذا ما تم تأطيره ضمن حدوده المنطقية بالتوقف عند الثورة الإيرانية كنموذج للتغيير وجد نجاحًا على الأرض، بالإضافة إلى غياب النموذج التغييري في العالم العربي، ما جعل هاتان الحركتان تعيدان إنتاج الخطاب الثوري الإيراني فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل بلغة تستعيد أبعادًا أيديولوجية وُلِدت مع الخطاب السياسي للثورة الإيرانية منذ البدايات وترافقت معه إلى اليوم.
ومن الجانب الإيراني فإن دعم إيران للقضية الفلسطينية والنظر إلى إسرائيل ككيان غير مشروع ومعارضة عملية السلام غير العادلة هي في حقيقتها مواقف تنسجم مع الأسس النظرية والثورية لإيران، مع ذلك فإن إيران لا تعمل بمعزل عن أجندتها السياسية ومصالحها القومية بشكل أساس.
هوية حركة الجهاد الإسلامي:
لا تنكر حركة الجهاد الإسلامي تأثرها الشديد بفكر الخميني، ولعل، مؤلِّف كتاب "الخميني... الحل الإسلامي والبديل"؛ للشقاقي جاء بعد مدة قصيرة من انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية لا يُخفي إعجابه بالثورة الإسلامية بل يرى إمكانية تطبيقها في فلسطين. والحقيقة أن فكر حركة الجهاد الإسلامي أجرى عملية مزاوجة بين فكر حسن البنا الإصلاحي وفكر الخميني الثوري ولذلك لا يمكن إغفال وجود مرجعية تعود بجذورها إلى حركة الإخوان المسلمين إلى جانب مرجعية ثورية خمينية.
وكانت حركة الجهاد الإسلامي قد رفضت اتهام صانع القرار في إيران بـ"توظيف القضية الفلسطينية" لخدمة دور إيران وحضورها في المنطقة، إلا أننا نجد تراجعاً لهذا الدفاع في تصريحات قادة الجهاد ومواقفهم اليوم، وإن كانت ما زالت حذرة وتُصاغ بعناية مؤكدة الحرص على العلاقة وأهميتها بالنسبة لحركة النضال في فلسطين.
أضف إلى ذلك أن التشديد على هوية الحركة "السنِّية"، جعلها تتخذ موقفًا حاسمًا من قيادات تشيَّعت من صفوفها، ومن أبرزهم: الشهيد محمد شحادة الذي لُفَّت جنازته بعلم "حزب الله"، وهشام سالم الذي انشقَّ عن الحركة وصار من أبرز قادة حركة "الصابرين" التي نشأت حديثًا على الأرض الفلسطينية وسط اتهامات بكونها "حركة شيعية مرتبطة بإيران".
توتر العلاقة بين حركة الجهاد الإسلامي وإيران
يوجد مؤشرات عدة على وجود أزمة مالية وأزمة علائقية مع إيران، أهمها:
- قامت الحركة بتسريح موظفين وتقليص عدد العاملين في عدد من مؤسساتها.
- أغلقت وسائل إعلام تابعة لها، وأوقفت بثَّ قناة "فلسطين اليوم".
- لم يستلم موظفوها رواتبهم منذ شهور.
- أُصيب القطاع الخيري في الحركة بالشلل التام.
وعليه، فإن توقف الدعم يعكس أزمة حادة بين الحركة وإيران بعد عقود من العلاقات القوية، لم تفلح وساطة "حزب الله" في تلافيها أو تأجيلها، وأرجعت مصادر فلسطينية الأزمة إلى "رفض الحركة لطلب إيراني بإصدار بيان واضح في شأن الأزمة باليمن يدعم من خلاله الحوثيين ويرفض الهجوم السعودي-الخليجي، وهو ما رفضته حركة الجهاد وأكدت مواقفها بالتزام الحياد".
وتبعاً لذلك يمكن عد أن السبب الأساس يتمحور اتجاهات عدة، هي:
- الأول: موقف حركة الجهاد الإسلامي من مجمل النزاع الدائر في المنطقة، واستمرار الحركة في محاولة النأي بنفسها عن الدخول كطرف في النزاع.
- الثاني: يتعلق بذات العلاقة بين الحركة وإيران؛ فقد اعترضت حركة الجهاد الإسلامي بشدة على ما أسمته: تشكيل جيب تنظيمي موازٍ للحركة ومنفصل عنها هو "حركة الصابرين"، وقالت: إن هناك دعمًا إيرانيًّا خفيًّا لمجموعات مفصولة منها.
- الثالث: يتعلق بتغير ترتيب سُلَّم الأولويات الإيراني، وهذا واضح في سياسة روحاني الخارجية، فقد تراجعت القضية الفلسطينية في سلم الاهتمامات وإن لم تسقط منها، وتقدم على ذلك العلاقة مع الغرب وحل مشكلة الملف النووي وإنهاء العقوبات.
سيترك توقف الدعم الإيراني تأثيرات عميقة على أداء الحركة وربما توجهاتها وعلاقاتها الإقليمية. وقد تنجح الحركة في إيجاد دعم بديل ضمان طرح "مشروع المقاومة" الذي بدأ الأمين العام للحركة د. رمضان شلح "التنظير" له. وفي المحصلة، فإن هذه الأزمة لن تنتهي بدون تأثيرات على مستقبل العلاقة بين حركة الجهاد الإسلامي وإيران.
حماس وإيران والقواسم المشتركة
رغم أن العلاقة بين حركة حماس وإيران تعد أكثر حداثة من حركة الجهاد الإسلامي وتعود في تاريخها إلى عقد التسعينات من القرن العشرين، إلا أنها شهدت، بصورة متسارعة، توثيقًا لعُرى العلاقة بين الجانبين وانعكس ذلك على دعم مالي ولوجستي كبير قدَّمته إيران للحركة التي عانت من التضييق والمحاصرة عربيًّا.
ورغم كل الطروحات المتعلقة بدخول حماس في عملية تفاوضية مع إسرائيل، إلا أن الموقف الرسمي للحركة إلى اليوم لا يزال يدور في إطار أن أية عملية تفاوض لن تعود بنتيجة سوى بإعطاء شرعية لهذا الكيان ومنح الأمن له. وتُصنَّف العلاقة بين حركة حماس وإيران بأنها أكثر تعقيدًا من العلاقة بين "حزب الله" وإيران، خاصة وأن حركة مثل حماس تُعتبر أحد أبرز فروع الإسلام السياسي السُّنِّي في المنطقة، وامتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين السنِّية الكبرى، لكن ذلك التعقيد لم يجعل حماس تسْلَم من الاتهام بـ"العمالة لإيران".
ولعل هذه الاتهامات هي ما يدفع رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، للتأكيد على أن توطيد علاقتها بإيران هو نتيجة طبيعية للخصومة التي تُبديها الحكومات العربية ضدها، مع تأكيدها على أنها عارضت الرغبة الإيرانية في أكثر من محطة سياسية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك: المشاركة في انتخابات 2006؛ فقد خاضت حماس الانتخابات على الرغم من أن إيران طلبت منها عدم المشاركة فيها وجرى هذا الطلب في اجتماع لقادة الحركة مع مجلس الأمن القومي والخارجية الإيرانية، وحدث الأمر نفسه عقب محادثات واي ريفر 1996، إذ حاول المسؤولون الإيرانيون خلق منبر ضد مشاركة سورية من خلال حركة حماس وهو ما رفضته الحركة.
الثورة السورية وأثرها على علاقة حماس بإيران
منذ اندلاع الثورة السورية قررت حماس دعم "تطلعات وآمال الشعب السوري"، دون أن تهاجم نظام الأسد؛ سعياً للحفاظ على استقرار سورية وتماسكها الداخلي كما جاء ببيان للحركة. وقد قامت قيادة الحركة بالتوسط بين نظام الأسد والقوى الثورية خاصة في درعا ومنطقة حوران، إلا أن إصرار النظام على معالجة الأمر أمنيًّا وبالسلاح دفع الحركة إلى الخروج من سورية رغبة منها في عدم التدخل أو الانزلاق في الشأن السوري الداخلي.
ورغم رفض حماس مطالب إيرانية بدعم الأسد، بقيت تؤكد على أهمية العلاقة مع إيران، وبقيت إيران تواظب على وصف الحركة بـ"المقاومة"، واستمرت اللقاءات بمستويات منخفضة، واستمر تمثيل الحركة من خلال مكتبها في طهران. لكن الإحجام عن مهاجمة حماس وقادتها لم يستمر، فبدأت مهاجمة خالد مشعل عبر وسائل إعلام محسوبة على أشخاص مقرَّبين من الحرس الثوري، وصفته بأنه "خائن يتظاهر بالمقاومة". ومع تغير الأولويات الإيرانية، لم تُسقط حماس خيار ترميم العلاقة مع إيران، لكنها جعلت ذلك مقرونًا بعلاقات إقليمية أخرى، كالعلاقة مع قطر وتركيا، ويأتي تحرك حماس نحو السعودية في هذا الاتجاه.
وقد قرأت بعض التحليلات موقف "حماس" من حرب اليمن بأنه "يعيد رسم خارطة تحالفاتها السياسية في المنطقة باتجاه إعادة التموضع نحو ما يسمَّى "المحور السنِّي"، الذي تترأسه السعودية، ويضم معظم دول الخليج العربي ومصر وتركيا، رغم أن بيان "حماس" أبقى الباب مفتوحًا أمام التقارب مع إيران وعدم قطع الخيوط معها، لأن "حماس" لم تذكر عملية "عاصفة الحزم" بالاسم في بيانها".
وفي سياق "الاصطفاف السياسي" الجديد للحركة، قام خالد مشعل بزيارة للمملكة العربية السعودية في منتصف شهر يوليو/تموز الماضي والتقى بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وقيادات سعودية، في تحرك بدا لافتًا بعد سنوات من التباعد. ورغم أن "الانفتاح" السعودي على حماس ما زال محدودًا، لم تستطع إيران أن تُخفي استياءها.
ولعل هذا التقارب هو ما دفع مؤيدين لعلاقة الحركة مع إيران إلى انتقادها، ورأوا أن التقارب الحالي بين حركة حماس والمحور السنِّي، وعلى رأسه السعودية وتركيا وقطر، وابتعادها عن إيران هو "سوء تقدير سياسي" من قبل حركة حماس، و"انحياز" للمصلحة الحزبية على حساب المصلحة الفلسطينية العليا، و"تنكُّر" لدعم إيراني غير محدود للحركة الإسلامية على مدى عقود من الزمن.
وانطلاقاً من هذه المعطيات تسعى إيران لبناء كيانات تابعة لها في الساحة الفلسطينية بدل أن تكون حليفة؛ فعلى الرغم من الدعم الكبير الذي تلقته الحركتان من إيران، إلا أنهما سجلتا في منعطفات حساسة موقفًا مستقلًا عن السياسة الإيرانية. ويؤكد هذا الرأي الإعلان عن تأسيس "حركة الصابرين"، بزعامة القيادي السابق في الجناح العسكري للجهاد هشام سالم، وهناك تأكيدات بأن "حركة الصابرين" التي اتخذت شعارًا فيه بعض ملامح شعار "حزب الله"، بدأت بالفعل بتلقي الأموال من إيران وشرعت في بناء مؤسسات تابعة لها وتوظيف عاملين برواتب مجزية.
وفضلًا عن الحساسية نحو هذا الكيان الجديد لأسباب سياسية واضحة، يظهر العامل المذهبي واضحًا في الرفض أيضًا، وتتعامل حركات المقاومة السنِّية بحساسية مع موضوع التشيع وتقف بحزم ضده، وترى أنه لا يخدم أي طرف؛ فالساحة الفلسطينية سنِّية المذهب، وإدخالها في هذا الجدل يضر بالقضية الفلسطينية ولا يخدمها، كما لا يجب استغلال حاجات الناس والجوع والحصار في غزة للدعوة إلى مذهب معين.
إيران النووية:
مرَّت التوجهات الإيرانية تجاه القضية الفلسطينية بمراحل؛ اتخذت أولاها بُعدًا أيديولوجيًّا شعاراتيًّا حمل مفاهيم التضامن والوحدة الإسلامية في انسجام مع الخطوط الأيديولوجية العريضة للثورة الإسلامية الإيرانية؛ لكن هذه التوجهات بدأت تأخذ -بفعل التحولات الاجتماعية والتحديات السياسية- منحى واقعيًّا براغماتيًّا في العلاقات الدولية، سعيًا إلى تحقيق ما تسعى إليه الجمهورية "الإسلامية" من تعزيز مكانتها الإقليمية، والاعتراف بدورها كلاعب دولي مهم؛ وذلك تماشيًا مع وثيقة "الرؤية المستقبلية" التي أطلقتها إيران قبل سنوات؛ وحدَّدت فيها عام 2025 عامًا لتكون إيران القوة الإقليمية الأولى.
قبل روحاني بمدةٍ زمنيةٍ لا يستهان بها، بدأ يتكون فريق في إيران يحمل نظرة سياسية واقعية نحو الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، ونجحت إيران في إنجاز اتفاق تاريخي مع الغرب بشأن برنامجها إيراني النووي، وعلى الرغم من أنهم يرون في إسرائيل دولة معتدية؛ فإنهم يؤمنون بخيار التسوية؛ ولذلك لا يعتبرون حماس هي الخيار الأفضل، إلا إذا قبلت بعملية التسوية، بدأت هذه الدعوة بالظهور مع ظهور الإصلاحيين في إيران، ونضجت في عقد التسعينات، يدعو هذا الفريق إلى "تخفيف الحساسية تجاه فلسطين"، وخفض مستوى الخصومة مع إسرائيل كطريق لخفض المعارضة الدولية للجمهورية "الإسلامية". ومن الناحية العملية فقد أقدمت إيران على ما يمكن تسميته بنزع فتيل التوتر وخفض الحساسية، ومن ذلك ما أعلنته وزارة الخارجية الإيرانية من أن إيران لن تُقدِم عمليًّا على أي عمل من شأنه تدمير إسرائيل.
في النهاية، ستسعى إيران عقب الاتفاق النووي، لفرض معادلة جديدة، تحافظ على الجمهورية "الإسلامية" كلاعب أساسي في القضية الفلسطينية، وتحفظ لها في الوقت نفسه مصالحها الخاصة المرتبطة بملفات داخلية وإقليمية.
الشكل الجديد للعلاقة بين حركات المقاومة الفلسطينية وإيران:
يكمن أهم مؤشر لعملية إعادة توصيف العلاقة في خروج المقاومة الفلسطينية ذات التوجه الإسلامي من أطر المحاور السياسية في المنطقة. ويبدو ذلك مرتبطًا بتقديم تعريف جديد لمصطلح "محور الممانعة والمقاومة"، ويقوم هذا التعريف على تفكيك المصطلح/المحور بسبب خروج حركة حماس منه، فلا "يمكن الحديث عن محور ممانعة ومقاومة دون حماس". ويربط محلِّلون هذا التفكيك بـ"تغييرات قادمة ومحاور جديدة في الساحة الفلسطينية تُؤسَّس على إفرازات إعادة ترتيب المنطقة بعد عاصفة الربيع العربي".
إن تطورات الساحة في سورية وما رافقها من حضور إيراني في أكثر من ساحة عربية، جعل مخططي العلاقة داخل الحركتين (حماس والجهاد الإسلامي) يسعون إلى تأطيرها بصورة مختلفة عن السابق، وهم وإن كانوا لا يحبذون قطع العلاقة مع إيران، ويرون بضرورة حل الخلافات القائمة، إلا أنهم باتوا غير راضين عن سياستها تجاه عدد من الملفات، في سورية واليمن والعراق، كما أنهم ينظرون بحساسية إلى نشوء تنظيمات جديدة تحمل بصورة واضحة ملامح التجربة الإيرانية وتجربة "حزب الله" في الشكل والبناء الفكري والعقائدي.
تاريخ النشر من المصدر:
07/ 09/ 2015
المصدر : مركز الجزيرة للدراسات
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.