المواد المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع...
وفقاً لأدلة موثقة بالصور، أُعيد نشرها في تقرير في صحيفة الـ «ديلي ميل» البريطانية في 8 سبتمبر/أيلول، بدأت روسيا بنشر جنودها على الأراضي السورية -على الأقل منذ شهر أبريل/ نيسان المنصرم. وهناك تقارير أخرى حول زيادة التعزيزات العسكرية المتصاعدة التي تقوم بها موسكو هناك قد أشارت إلى إرسال شحنات أسلحة متطورة إلى نظام الأسد، ووجود فريق تدخل عسكري وإرسال وحدات سكنية جاهزة إلى قاعدة جوية قرب اللاذقية. وفي 4 أيلول، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحديث عن جنود روس في سورية بأنه "سابق لأوانه"، ولكنه أكد أن روسيا تواصل تقديم مساعدات مهمة إلى سورية من خلال التدريب والأسلحة والمعدات. ومهما كان مدى التدخل الروسي المتزايد في سورية في الوقت الحالي، فإنه يطرح أسئلة حول قدرات روسيا العسكرية بشكل عام.
إصلاحات عسكرية ومواقف أكثر عدائية في الخارج
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، دخل الجيش الروسي في مرحلة تراجع حاد، حيث بدأ يعاني من انخفاض الروح المعنوية، ومن مشاكل في التدريب/الانضباط، ونقص المعدات الحديثة، والفساد المستشري. وقد سلط اجتياح جورجيا في عام 2008 الضوء على ما وصفته "خدمة أبحاث الكونغرس" في أغسطس/آب 2011 بأنه "الفشل العملياتي الواسع النطاق للجيش الروسي". وفي الواقع، واجهت القوات الروسية صعوبة في الانتصار على خصم أصغر منها بكثير.
بعد ذلك شرعت روسيا بأكبر عملية بناء لجيشها منذ الانهيار السوفياتي، مع زيادات سنوية كبيرة في الإنفاق الدفاعي الذي من المقرر أن يستمر حتى عام 2020. ووفقاً لمجلة "الإيكونوميست"، تتمثل التغييرات الأكثر جوهرية في إطلاق برنامج لتحديث الأسلحة في عام 2010، يمتد على عشر سنوات وتبلغ كلفته 720 مليار دولار.
بالتزامن مع هذه الإصلاحات اتخذ الكرملين موقفاً أكثر عدوانية في الخارج، باستئنافه إرسال دوريات القاذفات في المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، وتمديده عقود الإيجار لقواعد عسكرية في أرمينيا وطاجيكستان، ووضعه خططاً لبناء قاعدة جوية جديدة في روسيا البيضاء، ورفعه حجم ومستوى المناورات العسكرية السنوية المشتركة التي تجريها روسيا مع الصين.
ومع ذلك، فقد أشار تقرير أصدرته "خدمة أبحاث الكونغرس" في مارس/ آذار 2014 إلى أن "سوء الإدارة وتغيير الخطط والفساد ومشاكل تجهيز الأفراد والقيود الاقتصادية" جميعها أمور ما زالت تعرقل الإصلاحات العسكرية الروسية. علاوة على ذلك، عبّر خبراء روس عن قلقهم من أن الإنفاق العسكري الضخم يجري على حساب النمو الاقتصادي والاستثمارات الضرورية في مجالي البنى التحتية والتعليم.
وقد أشار خبير اقتصادي إلى أن بيانات الميزانية للأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي أظهرت أن الإنفاق العسكري لهذه الفترة فاق ضعف المبلغ المحدد له في الميزانية، متخطياً نسبة 9 في المائة من "الناتج المحلي الإجمالي" لتلك الفترة.
وقد فاقم ضمّ شبه جزيرة القرم من هذه القيود الاقتصادية، بالإضافة إلى "أن التوتر المتزايد مع الغرب ومنظمة "حلف شمال الاطلسي" قد أجبر موسكو على تدعيم أنشطتها الأمنية وتدريباتها ومناوراتها العسكرية، مثل الدوريات الجوية بالطائرات المقاتلة وتحركات السفن الحربية". وكما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في أغسطس/ آب 2014، شهدت روسيا هجرة لرؤوس الأموال تراوحت قيمتها بين 100 و200 مليار دولار.
كما أن روسيا تواصل الحفاظ على وجودها العسكري الواسع في الجمهوريات السوفياتية السابقة. ووفقاً لتقرير مجلة "نيوزويك" من ديسمبر/ كانون الأول 2014، بلغ عدد القوات المرابطة في أرمينيا (3200 جندي)، وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية (7000)، وترانسنيستريا (1500)، وقيرغيزستان (500)، وطاجيكستان (5000). ولكي نضع هذه الأرقام في سياقها، يبلغ عدد القوات المسلحة الروسية من 700 إلى 800 ألف عنصر، بينما يبلغ عدد أفراد الجيش أقل من 300 ألف عنصر.
المؤشرات الديمغرافية والإسلام
يتراجع عدد سكان روسيا بشكل حاد منذ أوائل التسعينيات. فما زالت البلاد تعاني من معدل وفيات مرتفع، وهجرة المثقفين في سياق التراجع الاقتصادي العام، ولا تظهر البيانات الديموغرافية الأخيرة الصادرة عن الكرملين (من مايو/أيار2015) أي تغيير يذكر في هذه الأنماط.
ولكن بينما يتأرجح عدد سكان روسيا حول الـ 144 مليون نسمة، بلغ عدد السكان المسلمين في البلاد من 21 إلى 23 مليون نسمة، ويستمر في الازدياد. وتتمتع العائلات المسلمة بصحة أفضل من السكان الروس الأصليين (ويرجع ذلك جزئياً إلى معدلات إدمان الكحول العالية نسبياً بين الروس الأصليين). ووفقاً لإحصاءات من عام 2014 كانت قد أصدرتها وزارة التنمية الإقليمية الملغاة، تتمتع منطقة شمال القوقاز -وهي منطقة روسية يتركز فيها السكان المسلمون بشدة -بأحد أعلى معدلات النمو في البلاد.
وعليه، ممكن أن يؤدي ازدياد عدد السكان المسلمين إلى تداعيات خطيرة على أمن روسيا وقواتها المسلحة وسياستها الخارجية. فبعض المحللين يعتقد بأن المسلمين سيشكلون عما قريب نصف المجندين في القوات المسلحة الروسية، الأمر الذي يثير تساؤلات حول ما إذا كانت القوات المسلحة ستواصل دعمها لسياسات موسكو في شمال القوقاز.
وفي أيلول/سبتمبر 2013، أعلن وزير الدفاع سيرغي شويغو أن الجيش سيحد من عدد المجندين الآتين من تلك المنطقة بشكل جذري، بالرغم من النقص في عدد المجندين الكلي وتوفر عدد كبير من الجنود المحتملين في شمال القوقاز.
وفي الآونة الأخيرة، ازدادت التوترات في طاجيكستان بين السلطات الموالية للكرملين والمعارضة الإسلامية. وفي 4 سبتمبر/أيلول، شهدت العاصمة دوشنبه موجة نادرة من العنف، راح ضحيتها 9 عناصر من الشرطة و13 مسلحاً. وزعمت السلطات إن إرهابيين متعاطفين مع ما يسمى بـتنظيم الدولة هم المسؤولون عن الحادثة -وقد اتهمت السلطات على وجه الخصوص نائب وزير الدفاع السابق عبد الحليم نزار زودا، وهو عضو في "حزب النهضة الإسلامية" الذي تم حظره مؤخراً.
ختاماً، ففي الوقت الذي تُوسع فيه روسيا من وجودها العسكري في سورية، قد تجد موسكو أن انتشارها العسكري الواسع سيحول دون تحقيق التزاماتها بشكل فعال في أماكن أخرى من العالم. وقد أعلن الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو في 5 أيلول أنه تم احترام اتفاق وقف إطلاق النار الأخير في شرق البلاد لمدة أسبوع كامل. وتزامن هذا الإعلان مع التقارير حول زيادة الوجود العسكري الروسي في سورية.
ومع ذلك فإن روسيا على ما يبدو لن تخفض من مواقفها العدوانية في "جوارها القريب". ففي شهر أغسطس/ آب، أعلنت وزارة الخارجية في جورجيا أن الكرملين نشر جنوداً في أبخازيا "تحت ذريعة إجراء أعمال صيانة لسكة الحديد بين أوتشامشير وإنغوري". وأشار بيان وزارة الخارجية إلى أن روسيا قامت بتحركات مماثلة قبل الغزو التي قامت به عام 2008، ووفقاً لبيان صدر عن وزارة الدفاع الروسية في 7 سبتمبر/ أيلول، أمر بوتين بإجراء مناورات عسكرية مفاجئة في "المنطقة العسكرية الوسطى"، وهي رقعة واسعة تضم نهر الفولغا وجبال الأورال وغرب سيبيريا.
تكشف هذه التوجهات النقاب عن مفارقة مهمة: فبينما تتراجع قدرات روسيا العسكرية، من المرجح أن تزداد عدوانية الكرملين في "جواره القريب"، بما في ذلك الشرق الأوسط. وتكمن المقاربة الأكثر فعالية في إدانة شديدة لزيادة التعزيزات [العسكرية] الروسية في سورية، بالتزامن مع مواصلة الضغط على الكرملين لتغيير السياسات التي يتبعها مع جيرانه.
تاريخ النشر من المصدر : 08.09.2015
المصدر : معهد واشنطن
الرابط:
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.