img

بعد
أن أصبح الموت ظاهرة طبيعية تحدث بشكل يومي في المجتمع السوري على اختلاف توجهاته وانتماءاته، وبتناسب طردي معه، بدأ يتحول القتل شيئا فشيئا إلى سلوك اعتيادي عند البعض الذين فرضت عليهم ظروف الحرب ذلك، ما اعتبره البعض خطرا حقيقيا يعصف بالمجتمع السوري، وأمرا قد لا تزول آثاره لعشرات السنين المقبلة، سواء تغيرت الحالة السورية للأفضل أم لم تتغير.
«زاهر» أحد الناشطين الشباب المهتمين بالموضوع قال لــ «القدس العربي»: خلال العامين الأخيرين أصبح القتل شيئا عاديا لا يهتز له جفن عند البعض، وخاصة أولئك المقاتلين الذين يخوضون المعارك على الجبهات كل يوم، سواء كانوا من مقاتلي الجيش الحر أو الفصائل الإسلامية، فكل يوم يقوم كثيرون منهم بفعل القتل خلال الاشتباكات، كما يتعرض عدد منهم للفعل نفسه، لقد أصبح الموت شيئا خاليا من القدسية بالنسبة إليهم، وبات القتل فعلا يوميا من الممكن بعده مباشرة ممارسة كل تفاصيل الحياة الاعتيادية.
ويضيف الشاب: «رغم أنني مع قضية هؤلاء وأدرك أن معاركهم اليومية مع قوات النظام ومع الميليشيات الشيعية التي قدمت من كل أنحاء العالم لتسانده، إلا أنني أرى أن هؤلاء الذين نراهم أبطالا اليوم، سيشكلون مشكلة اجتماعية حقيقية في المستقبل بعد انتهاء هذه الحرب، فلا بد أن يأتي يوم تنتهي فيه الحرب، لكن هل سيستطيع من قام بالقتل لمرات عدة وبكل بساطة ويسر أن يمسك يده عن هذا الفعل لدى أي مشكلة أو عراك أو قضية تواجهه؟، أعتقد أن المسألة كبيرة جدا والحياة الإنسانية أكثر قيمة مما هي عليه اليوم».
كثيرون من الشبان والكبار العقلاء أيضا يتخوفون من هذا الموضوع، لكن بعضهم يبرر ما يحدث كرد فعل على الجرائم التي ارتكبها النظام السوري بحق المواطنين السوريين، بدءا من الاعتقال والتعذيب حتى الموت وانتهاء بالقصف بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية التي تمزق أشلاءهم.
وفي هذا الصدد يقول «أبو ابراهيم» وهو رجل كهل يعيش في ريف حلب الشمالي لــ«القدس العربي»: «لقد عشت هنا طوال السنوات الماضية ولم أبرح بلدتي أبدا، وشاهدت كل ما يحدث، وأجد أن لا أحد يحب القتل، فكل شاب من هؤلاء الذين تراهم على الجبهات يتمنى أن يكون بعيدا عن هذه الحياة الدموية، وأن يعيش قصة حب يقدم الورود لحبيبته فيها، بدل أن يعيش مأساة لونها الدم».
ويضيف شارحا: «ما يقوم به شباننا ليس إلا ردة فعل على جرائم النظام، فمن مزقت البراميل المتفجرة أحشاء ابنته، أو من قتل أخوه تحت التعذيب في سجون النظام، لا يتوقع منه أن يجد في قتل من يساند النظام ويحارب على جبهاته أية مشكلة، بل يجد ذلك واجبا من أجل حماية أهله المتبقين، بعد رحيل النظام لن ترى أولئك الفتية إلا كما كانوا طلابا ومعلمين وآباء وعشاقا، لا أخشى من القادم، إنما أخشى من استمرار الحال».
تختلف وجهات النظر حول تأثيرات فعل القتل على الحالة النفسية للقاتل، لكن التربوي «حسن» يعتقد أن فعل القتل الذي يمارسه الشبان في المناطق المحررة دفاعا عن أرضهم وذويهم يختلف تماما عن فعل القتل الذي يمارسه النظام وقواته الطائفية، فبحسب «حسن» من الواضح كرههم لهذا الفعل وتأثرهم لدى حدوثه والفيديوهات والصور التي تشهد بذلك كثيرة جدا، ويضرب الرجل «الشهيد أبو فرات» وما قاله قبل استشهاده، مثالا.
لكن التربوي «حسن» ينبه إلى نقطة هامة وفارقة ويقول: «المصيبة تكمن في أولئك القتلة الذين يحمون النظام بإجرامهم وتفننهم في تعذيب الناس، ألم تشاهدوا مئات الفيديوهات التي يتلذذ فيها مقاتلو النظام بقتل ضحيتهم ببطء شديد، وتعذيبها بكل متعة حتى الموت، إن هذا النوع من القتل هو الذي ينبئ بموت الإنسانية داخل منفذ فعل القتل، فهو يستمتع بذلك، بل يراه فخرا، والأمثلة كثيرة جدا، وما الصور المسربة من سجون النظام للشهداء الذين قضوا تحت التعذيب إلا مثال بليغ التعبير عن القضية كلها».
أما الحقوقي الشاب «محمد» فيقول: «لا يمكن النظر إلى فعل القتل بشكل مجرد، فحتى في القوانين يتم النظر إلى الظرف الذي ساعد على ارتكاب الفعل، ويكون الحكم مختلفا في كل حالة، أعتقد أن التأثير النفسي على المنفذ سيختلف أيضا بحسب السبب الذي دفعه للقتل».
القدس العربي

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top