img

المقالات التي ظهرت في صحف قريبة من السلطات المرجعية في الأردن حول ظروف البلد ونوايا الاستثمار السياسي والإقتصادي في مشكلات المنطقة وصراعاتها وأزماتها، تعبر عن محاولة مبكرة لتهيئة الرأي العام لمشروعات سياسية محتملة على المستوى الإقليمي.
هذه التعبيرات القريبة، خصوصا في الإعلام الخاص، من المستويات الأمنية والسياسية تنتج مبكرا عدة انطباعات إزاء بعض الملفات والقضايا المطروحة بقوة، ليس فقط على الصعيد الوطني الأردني، بل أيضا على الصعيد الإقليمي.
ضمن هذا السجال المتسع في الطبقات العليا من المجتمع من حيث النفوذ والقدرة المالية يمكن القول ان ملف اللاجئين السوريين يحتل الصدارة في سلم الأولويات والوقائع التي يخضع لها القرار السياسي عمليا. تبين، وفي القنوات العميقة، أن التقدير الأكثر بروزا في مستوى القرار الرسمي الأردني عندما يتعلق الأمر بمحاولات تقليد تجربة تركية مفترضة بعنوان «المناطق الآمنة» يؤشر إلى صعوبة استنساخ هذه التجربة في خاصرة شمال المملكة بمحاذاة درعا السورية.
السبب أمني بامتياز، فنظام بشار الإنعزالي الجريح المائل للانتقام مرحليا قد يميل لخطوات «ثأرية» من الأردن في حال إعلان مناطق عازلة أو آمنة جنوب سورية من الجانب الأردني، مع العلم بأن الكلمات الثلاث» جريح..إنعزالي.. منتقم» مفردات سمعتها «القدس العربي» على هامش حوار صريح في مقر رئاسة الوزراء الأردني.
عندما بحثت المؤسسات العميقة في الأردن تجربة «المنطقة الآمنة» قفز إلى السطح فورا محظوران: الأول احتمالات الانتقام النظامية السورية، خصوصا في ظل القناعة المتواصلة بوجود «خلايا نائمة» قد تتبع أجهزة مخابرات بشار الأسد في عمق المدن الأردنية وفي ظل المسافة الصغيرة، بالمعنى الاستراتيجي العسكري الدفاعي الفاصلة بين عمان ودمشق.
المحظور الثاني على تماس مباشر بالحوار الأكثر إثارة للجدل في الأردن في العادة، وهو النقاش الديمغرافي، فالعشائر مشتركة وموحدة على طرفي سهل حوران بين الأردن وجنوب سورية وإقامة مناطق آمنة معزولة ومحروسة في درعا تحت عنوان توطين اللاجئين السوريين في ديارهم عملية ستكون معقدة ومحفوفة بالمخاطر الأمنية، في ظل الواقع الديمغرافي والجغرافي.
فوق كل ذلك تيقن صانع القرار الأردني بأن المجتمع الدولي لعب مع الأردن لعبة مثيرة وخبيثة في مسألة اللاجئين السوريين تحديدا. فقد طالب بإستيعابهم على أساس سقوط محتمل لنظام بشار خلال ستة أشهر ففتحت الحدود على مصراعيها أمام اللجوء السوري على أساس العودة الوشيكة والاستثمار الاقتصادي والسياسي في الطريق.
وتبين خبث اللعبة لاحقا فنظام بشار لم يسقط وقد لا يفعل وكتلة اللاجئين المتماسكة تعمقت في الواقع الاجتماعي الأردني، والمال الخليجي الموعود تحت عنوان «استضافة اللاجئين السوريين» لم يحضر، فدخلت الحكومة الأردنية في أزمة يعترف بها كل الوزراء.
تخابث اللعبة متواصل اليوم فقد إكتشفت الحكومة الأردنية ما لم تكن مستعدة له بسبب كلاسيكية نخبتها الدبلوماسية، فكل وعود المجتمع الدولي تحولت إلى مزايا محتملة ضمن نطاق ما يسمى بـ»الاستثمار اللوجستي» مع الحفاظ على مخاطبة غرائز وأطماع المسؤولين الأردنيين، في حديث متناثر هنا وهناك عن سيناريوهات توسيع المملكة وأموال هائلة ستضخ.
وفقا لوزير مالية سابق ما يحصل اليوم كالتالي: الوعد بتخفيف الخسائر مستقبلا يتطلب توريط الأردن أكثر بمسألة «اللوجستيات» مقابل عوائد ما زالت موهومة ولم تتحقق.
المسألة تتعلق باستيعاب اللاجئين وتعليمهم وتقديم الخدمات من طعام وشراب وعلاج وإقامة وأمن لملايين العابرين والضيوف من لاجئي العراق وسورية، مقابل وعود وآمال تبدأ من السماح للأردن بتصنيع وتصدير اليورانيوم عام 2016 وتعبر بإنتاج الوهم بأن الأردن سيسمح له بإمتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض إنتاج الطاقة السلمية، بعد نشاطه الحيوي في مجال مكافحة الإرهاب.
هذه التصورات كلها حبيسة الستائر ولا تناقش على مستوى الرأي العام والعلاج اليتيم المتاح اليوم لمشكلة «هزالة تفكير الطاقم السياسي» الذي أدار ملف التعاطي مع سوريا والعراق هو حصريا الاسترسال أكثر في التورط بتفاصيل لوجستيات اللاجئين والعمليات الأمنية على أمل تعويض الناقص، أو تحقيق مكتسبات وهو الدور نفسه الذي لعبه الأردن بخصوص القضية الفلسطينية في عملية ابتزاز شهيرة وتاريخية. لذلك، وعندما يتعلق الأمر بما يسمى دور الأردن الإقليمي المحوري، وبسبب الحسابات المعقدة والمعمقة، بدأت المؤسسات المعنية بالتمهيد لإعلان الواقع الموضوعي المتمثل في أن احتمالات الاستثمار أكثر في أزمات المنطقة «واعدة» وستحلحل الوضع الاقتصادي، وبالتالي اللاجئون السوريون والعراقيون «لن يرحلوا قريبا» وقد تطول إقامتهم.
النغمة سالفة الذكر تتفاعل من دون سياسات إفصاح حقيقية وشفافة مع الرأي العام ومع بقاء نخب الإخفاق الأصلية نفسها في واجهة المشهد والقرار بالتوازي مع «نكهات بسيطة» ستضاف هنا وهناك قريبا على شكل مؤسسات إعلامية وتلفزيونية يمهد لها القوم وستجيد الرقص على الوضع الجديد وتحاول مرة أخرى تسويق وترويج برنامج اللوجستيات «الإنساني» من دون ادنى اعتراف بالإخفاق الإداري السابق.
القدس العربي

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top