في زيارتي الأخيرة إلى كندا، اجتمعت في تورنتو بسيدة فاضلة سألتها عن اسمها، فذكرت لي اسمها مقروناً باللقب “تسابحجي”. استرعى انتباهي هذا اللقب، فسألتها إن كانت تعرف “مروان تسابحجي”؟ فقالت: هو والدي؟ وقفت للحظات عدة استجمع ذاكرتي، ثم بادرتها بالسؤال: وهل والدك هو من ترجم كتاب لعبة الأمم (Game of Nations) لمؤلفه رجل الاستخبارات الأميركية (CIA) الشهير “مايز كوبلاند”؟ فهزت رأسها بالإيجاب. ثم تابعت متسائلاً: وماذا جرى لوالدك الآن؟ قالت مات مقتولاً ومن أقرب الناس إليه؟ رجعت بالذاكرة إلى سنين بعيدة سابقة، عندما أخذني صديقي عصام السمان لزيارة هذا الرجل، حيث اكتشفنا أنه منبع لمعلومات ثمينة وأنه ذو وعي سياسي واسع ونير. لكن الأهم من ذلك هو اهتمامه بكتاب “لعبة الأمم” الذي يروي قصة اللعب بالشعوب والحكومات من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي).
ولعل ما جرى في الآونة الأخيرة من توقيع للاتفاق النووي بين كل من إيران ومجموعة (5 الاربعاء 19/8/20151)، ينبغي النظر إليه على ضوء أحداث وقعت قبل الآن بوقت طويل، خاصة حين طُرد الشاه للمرة الأولى وقفز إلى الواجهة مصدّق (وليته بقي فلم يأت النظام الأوتورقراطي التيولوجي الحالي)، فقام “شفارتس كوبف”، وبكلفة بسيطة لا تتجاوز خمسة ملايين دولار باستخدام البوكسرجية (شيء من هذا القبيل حدث في الصين) والمصارعين والشبيحة، فقلبوا نظام حكم مصدّق وأتوا بالشاه من جديد، فظل في الحكم حتى اندلعت ثورة الخميني التي أطاحته في 1979، وما تلا ذلك من قصة احتجاز الرهائن الأميركيين من موظفي السفارة الأميركية في طهران، ثم تشرد الشاه بعد ذلك، على النحو الذي ذكره “هيكل” في أحد كتبه، حيث مات في مصر وقيل إنه كان مصاباً بالسرطان. وفي الوقت الحالي تحاول إيران رد الاعتبار لنفسها، فيما لا يتحمل العالم المزيد من تطوير السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل. لكن هذه اللعبة اليوم تدار في سوريا. وذكر لي ذلك صديق سوري اجتمعت به في مونتريال بكندا، وقال إن هناك غرفة عمليات تنظم تقدم وتأخر “الجيش الحر” ومقدار ما يحتاج له من ذخيرة. وبهذه الطريقة من “الريموت كونترول” يتحرك بيدق المقاومة المسلحة السورية، وجيش بشار البراميلي، كما نرى هذه الأيام في معركة الزبداني وكفريا والفوعة في الشمال وفي الساحل السوري. وفي الدوحة، ومع مطلع أغسطس 2015 يجتمع عالم الكبار من روسيا وأميركا مع وزراء خارجية دول خليجية للتخطيط للمرحلة القادمة في سوريا. فهل ستكون بوجود الأسد البراميلي أم من دونه؟ وبكلمة مختصرة، وعلى ضوء “لعبة الأمم”، فإن سوريا وثورتها خرجتا من أيدي الثوار لتصبحا رهينتي لعبة أممية يقامر فيها الكبار ليس من أجل مصالح السوريين ودمائهم التي روت الأرض، بل من أجل مصالح الكبار وحساباتهم غير المعلنة غالباً.
الاتحاد
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.