img

تمخضت الاجتماعات التي ضمت ممثلين عن الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والذي يُعرف باسم (معارضة الخارج) وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي التي تُعرف باسم (معارضة الداخل) التي عُقدت في بروكسل عن إعلان “خارطة طريق مشتركة لإنقاذ سوريا” تضم مبادئ يعتقد المجتمعون أنها يمكن أن تُنهي الأزمة السورية. نتائج اللقاء بين أكبر جسمين للمعارضة السورية لا تحمل جديدا، فالنتائج مكررة، لكن الاجتماع كشف مشاكل كامنة في بنية هيئة التنسيق، ذكّرت الناس بالتناقضات بينها وبين الائتلاف والتي قد تتطور إلى انقسامات مناقضة للهدف الأساس الذي عُقدت الاجتماعات من أجله.
أهم ما أقره المجتمعون هو تنفيذ بيان جنيف الذي أقرته الدول الكبرى في يونيو 2012، والذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، كما اتفقوا على شرط إسقاط رأس النظام وكافة رموزه، وأدانوا النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية، وحمّلوا المجتمع الدولي جزءا من مسؤولية ما وصلت إليه الأمور في سوريا، وهذه النتائج لا تختلف بشأنها غالبية قوى المعارضة السورية.
لطالما طالب السوريون ودول عربية وغربية من المعارضة السورية أن تتحد، أو على الأقل أن تُوحّد برامجها وترسم خارطة طريق لإنهاء الأزمة، وهو ما لم يحصل طوال أربع سنوات، وأثّر تشرذم المعارضة وخلافاتها على مسار الثورة وساهم في إطالة أمد الأزمة وساهم في زيادة الفوضى في المعارضة العسكرية، إلا أن ما جرى مؤخرا في بروكسل لا يعني أنه حبل الخاص.
قبيل بدء اللقاء بساعات، أعلنت قيادة الهيئة أنها لا تقبل بهذا الاجتماع وأن من يحضره من الهيئة لا يمثل إلا نفسه، وطالبتهم بعدم الذهاب إلى بروكسل وعدم توقيع أي وثيقة أو عقد مؤتمر صحفي، لكن من حضر خالف كل قرارات قيادة الهيئة وحضروا ووقعوا وثائق وعقدوا مؤتمرا صحفيا، وأوحى بعض أعضاء الهيئة أن مجموعة مهمّشة مرّرت الاجتماع دون موافقة قيادة الهيئة بدفع إخواني تركي متجاوزة قرارات قيادة الهيئة، وهو ما نفاه من حضر الاجتماع واعتبره تشويها للحقيقة.
المشكلة أن الخلافات بين الهيئة والائتلاف عميقة، تتعلق بالنهج السياسي وباستقلالية الإرادة السياسية، فالائتلاف منذ تأسيسه قبل نحو سنتين، وحتى اليوم، يراهن على الخيار العسكري، كما يرتبط ارتباطا وثيقا بالسياسة التركية التي يعمل من أراضيها، ويطالب بالتدخل العسكري الأجنبي في سوريا، ويستجدي الولايات المتحدة أن توافق على إنشاء مناطق عازلة أو تفرض حظر طيران، ويدعم فصائل مسلحة إسلامية وغير إسلامية، ولم ينجح في أن يكسب الشارع السوري المناوئ للنظام، وهو مازال مصرّا على نهجه هذا ولا يقبل أن يتراجع عنه.
أما هيئة التنسيق فقد تأسست معتمدة على ثلاث لاءات؛ لا للتسليح، ولا للعنف، ولا للطائفية، وترفض العسكرة أو التدخل الخارجي، وتُصر على الحل السياسي مع جزء من النظام ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء، ولا تريد مناطق عازلة أو حظر طيران، كما لا تقبل بأن يكون لها جناح عسكري أو أن تدعم كتائب مسلحة، ويتبيّن أن النهج السياسي متناقض بين الطرفين. على صعيد البنية والمكونات، يهيمن الإخوان المسلمون على الائتلاف، ويرأسه معارض سوري تركي، ويضم فيمن يضمهم المجلس الوطني الكردي الذي لا يتلاقى مع الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يعتبر عصبا أساسيا في هيئة التنسيق التي تضم أحزابا يسارية وقومية وناصرية، وفي ظل الفروقات الإستراتيجية بين مكونات الطرفين من الصعب الالتقاء حتى تكتيكيا ما لم يغّير أحدهما سياساته. اشتهرت المعارضة السورية التي تصدرت المشهد بأنها تتعامل فيما بينها على أساس المماحكة والمناكفة، وكل طرف فيها يسعى للتربع على عرش المعارضة وفرض نفسه كممثل شرعي ووحيد للشعب، وتتنافس فيما بينها على المناصب ورضى الممولين، ولا تقبل بأي تنازل للقوى الأخرى، وأحيانا تنسى أن هدف الثورة تغيير النظام لنظام ديمقراطي لا تنصيبها بدلا عنه.
عندما تم تشكيل هيئة التنسيق المعارضة كأول كيان معارض بعد الثورة، سارعت مجموعة من الشخصيات المعارضة إلى تشكيل المجلس الوطني المعارض بدعم من دول إقليمية وغربية، وعقدوا مؤتمرهم في نفس الوقت لمزاحمة الهيئة رغم أن أهداف الكيانين المعارضين كانت متشابهة والساحة السورية لا تحتمل أكثر من تكتّل معارض يُمثّل الثورة، لكن الطمع بمناصب وشهرة ومكاسب خاصة أدى إلى زحمة معارضات، وهذا النوع من المزاحمات تكرر مرارا طوال أربعة أعوام، فكلما أوشكت قوى على التوحد يظهر من يُحبطها، وكلما برزت قوى سياسية عقلانية تُشن عليها حملات إعلامية ضارية لتشويهها، وكلما عُقد مؤتمر له معنى كان يعقد المنافسون واحدا آخر لإفشاله، وكلما تطورت علاقة سياسية مع دولة عربية كان يوجد دائما من يحاول تفكيكها للتخريب.
يرى الكثيرون أن أصحاب لقاء بروكسل يعملون لإفشال أصحاب لقاء القاهرة، ويتقربون من أصحاب لقاء موسكو لمناكفة أصحاب لقاء القاهرة، وأصحاب مؤتمر مدريد لا يعرفون ماذا يريدون، وجبهة التغيير الابنة الضالة للمخابرات تعمل لإفشال أصحاب لقاء جنيف، وهيئة العمل الوطني شبيحة بلبوس معارضة تعمل لإفشال الجميع، والأكراد أوجلانيي الهوى لا يريدون إشراك الأكراد برزانيي الهوى، والماركسيون يستبعدون الإخوان والإخوان يريدون كل شيء، والمنبر يعمل كي لا يُهمّش والديمقراطيون منقسمون ويعملون لإفشال بعضهم.
رغم قناعة غالبية السوريين بأن الائتلاف والهيئة لن يصلا قريبا إلى شكل تنظيمي يمثل الشعب السوري ويحمل همومه، إلا أنهم يأملون أن يتم ذلك عبر أي مؤتمر أو اجتماع، فهم يتمسكون بقشة في مواجهة آلة قتل النظام، وجيوش انكشارية للتنظيمات الإرهابية، وقوى ثورية مسلحة منقسمة وضعيفة، وفوضى تعم سوريا لا تبدو لها أي نهاية، وبنية سلطوية دكتاتورية قاتلة وفاسدة، ويأملون في أن تتحقق أهداف الثورة بدولة الحرية والعدالة والمساواة، لكن الخوف أن تكون هموم القوى السياسية السورية المعارضة بعيدة عن هذه الأهداف، وأن يكون لقاء بروكسل مثالا على ذلك.
العربباسل العودات

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top