الكاتب : خليل المقداد
مع تقدم الثوار السوريين الساحق والتحرير المتسارع للعديد من المدن والبلدات السورية من حوران جنوبا إلى إدلب شمالا، وبالرغم من الفرحة العارمة ونشوة النصر التي عاشها الشعب الثائر والمكلوم إلا اننا لاحظنا ظاهرتان سلبيتان عكرتا صفو هذه الفرحة.
الأولى: تمثلت بالمظاهر السلبية التي رافقت تحرير بعض المناطق مؤخرا كالنهب والسرقة للاماكن المحررة وخاصة الممتلكات العامة إضافة إلى الإقتتال على الغنائم بين الثوار ومصادرة أو محاولة مصادرة ممتلكات ومنازل أسر إتهم أربابها بأنهم من المؤيدين للنظام. فكان الظاهر تصرفا شريفا بينما كان الباطن غير ذلك.
الثانية: هي تململ بعض الفئات المحسوبة على الثورة والمعارضة من هذه الإنتصارات حيث وصل الأمر ببعض الأشخاص حد عدم الإعتراف بتحرير إدلب, والسبب حسب رأيهم هو أن اليد الطولى في هذا التحرير كانت لفصائل إسلامية على رأسها النصرة واحرار الشام وهو ما مالا يرغبون به (يا لترفكم أبعد أربع سنين من المآسي تنكرون علينا فرحتنا, فهل كنا نملك خيار إختيار الفصيل الذي سيحرر هذه المدينة أو تلك), حقيقة لا يمكن إنكارها تلك التي نعيشها اليوم على الأرض السورية وهي ان العمل الفاعل المنتج للتحرير والقاسم لظهر الاحتلال الصفوي هو للجماعات الإسلامية التي تقود المعارك في طول البلاد وعرضها.
تحرير المدن على يد النصرة والأحرار أمر لا يفرح بل يعتبرونه سوداويا أما إنتهاك اعراض المسلمين السنة فهذا أمر لا يحرك في رؤوسهم شعرة في حين أن تحطيم تمثال يقيم الدنيا ولا يقعدها، ومع ذلك فنحن هنا لسنا بصدد تفنيد مآربهم وإدعاءاتهم فالغرض من ذكر ما سلف هو القاء الضوء على منظومة التحولات الثورية علنا نستقرأ المرحلة المقبلة لثورتنا..
لقد عانت ثورتنا المباركة من تخاذل العديد من شرائح المجتمع السوري ولعل أهمها تلك الفصائل المحسوبة على الجيش الحر, حتى تلك التي سيطرت على بعض المناطق المحررة, لم تحسن إدارتها بل مارست الكثير من الإستبداد والتسلط والسرقة والمحسوبية وإحتكار المواد الغذائية والتموينية والإستئثار بتوزيع ما يصل من إغاثة على المحسوبين والمقربين منهم وصولاً إلى الإقتتال وإراقة الدماء في الصراع على تقاسم الغنائم وأملاك الأخرين ونهب ممتلكاتهم, وهو ما سهل في النهاية مهمة الفصائل الإسلامية في الدخول إلى العديد من هذه المناطق وتحييد خصومها من المحسوبين على الجيش الحر وبسهولة, لم لا فالحاضنة الشعبية كانت قد لفظتهم قبل ذلك بكثير يعد أن إكتوت بنار امراء حرب لم يرعوا ذمة أو معروفا.
لقد شهد العالم تحولات ثورية سياسية وعسكرية متعددة على مر التاريخ, لكن ما يجمع هذه الثورات من قواسم مشتركة هو مراحل تطورها المتشابه والذي ينقسم في معظمها إلى أربعة مراحل رئيسية وهي:
المرحلة الأولى: وهي مرحلة التململ والإحتجاج السلمي التي يحدث فيها تعبئة للقاعدة الشعبية بنية التغيير أو الإنقلاب على السلطة المستبدة. وهي غالبا ما تبدأ عادة بانتقادات ضمن حلقات مغلقة وتنتهي بالمظاهرات والاضرابات واعمال الشغب. .
المرحلة الثانية: وهي مرحلة التحول من الحراك السلمي إلى الكفاح المسلح حيث المعارك الطاحنة التي تراق فيها الدماء وتهدر الكرامات وتستباح الأعراض وتنهب الممتلكات وصولا إلى إجتثاث السلطة القائمة محلية كانت أم خارجية.
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة ما بعد سقوط نظام وما قبل قيام نظام آخر وتتميز بالفوضى و الإضطرابات وتعتبر المرحلة الاطول والأصعب من بين المراحل الأربع حيث تعمل الفصائل المنتصرة على تمشيط المناطق التي إستولت عليها ومن ثم تطهيرها من العملاء و الخلايا النائمة أو البحث عن رموز النظام السابق وكبار قادته وخاصة الأمنيين والعسكريين منهم, وفي هذه المرحلة تفرض قوانين الطوارئ وتنشئ المحاكم العسكرية والميدانية, إنها وبإختصار قد تكون مرحلة الحكم العسكري بكل مساوئه التي تحفل بالعديد من الاخطاء والإنتهاكات بحق البشر والحجر, وفيها يتم تبادل الاتهامات وتصفية الخصوم وتصدر الأحكام التي قد لا تكون عادلة بالضرورة نظرا للوضع المضطرب للبلاد.
المرحلة الرابعة: وهي مرحلة الاستقرار واعادة البناء وإعادة الحقوق إلى أهلها وتعويض المتضررين حيث يتم الإنتقال من حكم الفصائل المسلحة إلى حكم القانون بغض النظر عن نوعه وماهيته وهنا يفترض ان ينصهر المسلحون في بوتقة المجتمع المدني لتبدأ مؤسسات هذا المجتمع بالعمل وممارسة دورها في إعادة صياغة الدستور والقوانين المناسبة لمرحلة إعادة البناء.
إننا لو نظرنا إلى هذه المراحل سنرى ان ثورتنا لاتزال تقبع بين المرحلتين الثانية والثالثة. بمعنى أن طريق الاستقرار لايزال طويلا ومحفوفا بالمخاطر وهذا ليس عيباً في ثورتنا وإنما هو تدرج طبيعي يتأثر بكل ما يحيط به من عوامل تنتج هزات إرتادية لزلزال غير وسيغير ملامح وشكل المنطقة ومجتمعاتها.
لكل من يطعن في ثورتنا ومجاهدينا نقول: من واجبنا جميعا أن ننصح وننتقد ونرشد وان نضع أيدينا على مكامن الأخطاء والعيوب، لكن ليس من حقنا أن نطعن في مجاهدينا أو أن نخونهم ولا حتى ان نقلل من أهمية إنتصاراتهم التي صنعوها بالدم الطاهر الزكي على مدى أربع من السنين العجاف التي اهلك فيها المحتل الصفوي وربيبه العلوي الحرث والنسل.
.أنظروا إلى الثورة الفرنسية التي تسببت بأكبر جرائم تصفية وإعدامات ميدانية عرفها التاريخ بعد سقوط الحكم الملكي وإلى الحرب الأمريكية التي وحدت الولايات الأمريكية المتناحرة وإنظروا إلى الحروب العالمية والإقليمية والى الحكم الإستعماري ونظام الفصل العنصري فهل كان هؤلاء برابرة إسلاميون.؟
الفصائل الإسلامية ليست برابرة ولا مغول أو تتار، بل خرجت من رحم مجتمع مسلم بغالبيته فكان ظهورها ردة فعل طبيعية على ظلم وجرائم تابع إيران في دمشق ولاحقا ردا على دخول ميليشيات إيران الطائفية الشيعية التي ساندت عصابة حكم مجرمة وإستبحات كل المحرمات فمنعتنا من تغيير سلمي لنظام حكمنا لخمسة عقود، ناهيكم عن التآمر والتخاذل العربي والإقليمي والدولي الذي مد بعمر النظام ولم يفعل شيئا لحماية الشعب السوري الأعزل فأنتج بذلك مأساة وهولوكوست العصر.
لا تطعنوا بمن سطر بدمه ملاحم البطولة المشرفة, بل أحسنوا الظن بهم يحسنوا الظن بكم، وإعلموا ان الثورات يصاحبها أخطاء وتجاوزات وان الفوضى فرصة اللصوص والمتسلقين ليعتاشوا على الدماء، وهم من يشوه وجه ثورتنا اليوم, من واجبكم أن إذا ما رأيتم أخطاء أن تصححوا وتقوموا ولكن لا تخونوا لأنه لا توجد ثورات مثالية خاصة تلك السلمية التي تحولت إلى عسكرية, وكل الثورات التي يتغنى العالم اليوم بنبلها وعظمتها حملت معها العديد من الأخطاء والتجاوزات.
لا تلغوا انتصارات المجاهدين فقط لأنهم رفعوا راية غير تلك التي ترغبون برفعها بل انتظروا حتى ننتهي من عدونا فمعركتنا معه معركة وجود بإمتياز ونحن لا نملك ترف إختيار من يقاتل عنها ولا نوع إنتمائه الوطني أو الديني وثورتنا المباركة لا تختلف بالمجمل كثيرا عن غيرها من الثورات ومجاهدينا لا يملكون عصى سحرية يحررون بها وطننا لكن إعلموا ان التحرير هو العصى السحرية التي ستجلب معها الاستقرار والعدالة.
الأخطاء وبعض الفوضى أشياء لابد ان نمر بها لننعم بالحرية والكرامة والعدالة التي ثرنا من اجلها ثم ها نحن ذا نقاتل في سبيلها فاصطبروا وصابروا وبشروا ولا تنفروا وساندوا ثوارنا ومجاهدينا الأبطال وكونوا عونا لهم لا عليهم، ولا تكونوا طابورا خامسا وسادسا كما فعل البعض في اول ثورتنا فساهم في تشرذمنا فأطال في عمر النظام.
الثورة ليست طريقا مفروشا بالورود، بل صراع وجود لا يقبل القسمة على إثنين وأنصاف الثورات لا تمنح حرية وعدالة ولا تعيد كرامة مهدورة.
محلل ومعارض سياسي
المصدر. زمان الوصل
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.