الكاتب : خليل المقداد
قلة هم المنتدبون السياسيون الذين يحترمون أنفسهم فلا يتاجرون بدماء الشعوب ومعاناتها من أجل مصالح فردية، كوفي أنان قد يكون أحد هؤلاء، فأمين عام الأمم المتحدة الأسبق، ومبعوثها إلى سورية لاحقا، بادر إلى تقديم إستقالته بعد ان إستشعر عبثية وتسويف الدول الكبرى وعدم جديتها في إيجاد حل يوقف سفك الدماء السورية، رحل أنان الأفريقي فخلفه الأخضر الجزائري الذي أطال المكوث لكنه في النهاية رحل غير مأسوف عليه.
رحل الأخضر وحضر المُعَمًم دي ميستورا وبكل ما يمثله من نفاق وبَندقَةٍ أممية، حاملا معه مبادرات ممسوخة لا هدف لها سوى المماطلة والتسويف وتخفيف الضغط عن نظام الأسد من خلال تجزئة وفصل الجبهات السورية المشتعلة عن بعضها البعض فمن حلب إلى دمشق وصولا إلى درعا عمل الرجل على تبني سياسة النظام الذي إستمات في سبيل إنجاز هدن ومصالحات تُشَرعِنُ له وجوده ويستطيع من خلالها الإستفراد بالجبهات كل على حده.
فشلت مبادرة فك الإشتباك في حلب فكانت منتديات موسكو 1 و2 ولقاءات قاهرة السيسي ومابين هذه وتلك كانت لقاءات سرية وأخرى علنية في دول عربية وأجنبية، منها ما عرف ومنها ما بقي طي الكتمان، هي لقاءات جمعت في مجملها عدة أطياف وتيارات دينية وسياسية وحزبية بعضها من دعاة التفاوض مع النظام ومن المحسوبين على الثورة تحديدا وأخرى محسوبة على تيار المعارضة المدجنة، فأنتجت هذه المنتديات واللقاءات منظومة عمل وحدت مواقفها بانتظار جنيف جديدة أو فرصة تكون فيها جزءً من الحل الذي سيفرض على شعبنا.
لقد كان للإنتصارات الأخيرة التي حققها مجاهدو ثورتنا أبلغ الأثر في فرض واقع جديد لطالما تمنيناه، واقع تمثل في كبح جماح آلة الأسد العسكرية وداعميها من الميليشيات الطائفية الشيعية, التي دحرت هذه العصابات ودفعتهم للتراجع والإنكفاء على أنفسهم ومنعتهم من المبادرة بأي هجومات عسكرية حقيقية, بل وأحبطت لهم عدة محاولات لإستعادة ما تم تحريره من مدن وقرى ومعسكرات إستعصت على ثوارنا لسنين عديدة من حلب إلى إدلب مرورا بالقلمون وصولا إلى أطراف دمشق فمثلث الموت في المنطقة الجنوبية والذي يعتبر خط تماس بين ثلاث محافظات هي ريف دمشق ودرعا والقنيطرة.
تصريحات خطيرة:
في تصريحات صحفية هي الأوضح دلالة مذ إستلم مهمته كمبعوث أممي إلى سورية يقول دي ميستورا عقب إنتهاء جلسة المشاورات المغلقة لمجلس الأمن قبل أيام: أنه لا يمكن الانتظار أكثر من ذلك على الأزمة السورية، حيث أصبح الوضع على الأرض خطيراً للغاية، مما يستدعي منا مضاعفة الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل سلمي للأزمة، وقد وجهنا الدعوة للجميع، ولم نستثن أحداً، وقد طلب مني الأمين العام تركيز الجهود على إحياء العملية السياسية وتقليل الفجوة بين أطراف الأزمة، متابعا أنه منذ مؤتمر جنيف-2 لم يتغير شيء.
إن المتأمل في هذه التصريحات لابد وأنه سيدرك ان السيد دي ميستورا يلمح إلى الإنتصارات الأخيرة التي حققها مجاهدونا على الأرض، وهو ما يعتبر خطيرا برأيه لأنه سيفتح الباب على إحتمالات أخرى قد لا تقف عند حد تحرير المزيد من الأراضي السورية من قبضة المحتل الصفوي وميليشياته الطائفية، بل قد تتوج قريبا بإسقاط النظام وإمساك الفصائل الإسلامية بزمام الأمور وهو ما يحاولون تفاديه، فسمحوا للجميع بان يقاتل الجميع بشرط ان لا ينتصر أي من الأطراف المتحاربة، فهمهم كان ولا يزال إستنزاف جميع الأطراف على الأرض السورية وصولا إلى إضعافها ومن ثم فرض الحل الذي يرونه مناسباً.
لقد تحاشت الدول الكبرى الإلتزام بأي قرار أو مبادرة أممية قد تنجز حلا يضع حداً للمأساة السورية فماطلت وسوفت وتلاعبت بالتصريحات والقرارات التي فرغت من مضمونها، فباعتنا الأوهام بيد ودعمت النظام المجرم باليد الأخرى وغضت الطرف عن التدخل الإيراني الطائفي السافر في سورية، وهو ما يفسر التخبط الحاصل في تصريحات دي ميستورا وباقي الجوقة الأممية فيما يخص جنيف-3 حيث يقول دي ميستورا: هذا لن يكون مؤتمراً في جنيف، ولن يكون جنيف-3، وإنما مشاورات منفصلة سنجريها مع جميع أطراف الأزمة وبشكل منفصل.
إن كلام السيد دي ميستورا هذا يتناقض مع طبيعة الحدث وتصريحات باقي الأطراف المدعوة للمؤتمر الذي خصص له وبشكل خبيث مدة مفتوحة قد تستمر حوالي الشهرين وبلا أي ضوابط تحكم سير المفاوضات، فهم سيسعون إلى تفسير المفسر كمقررات جنيف-1 وجنيف-2 وإيجاد مخرجات جديدة تتماشى مع المعطيات على الأرض وبشكل يتيح لهم إشراك كل من يرون أنه مفيد لهم في المرحلة الإنتقالية وصولا إلى تحقيق الهدف المتمثل بإقصاء الفصائل الإسلامية وكل من يعارض الحل المنوي فرضه من خلال إيجاد نظام يمكن الإعتماد عليه بعد جمع توحيد جميع الطامحين إلى أن يكونوا جزءً من منظومة الحكم الجديد في سورية.
مؤتمر ميت قبل أن يولد
لقد حكم دي ميستورا على مؤتمره بالموت سلفاً وذلك من خلال الدعوة الإستفزازية التي وجهها لإيران وهي الدولة التي تحتل وطننا سورية وتعيث فيه وبباقي دول المنطقة العربية خراباً، إذ كيف يمكن لشعب عانى الأمرين على يد الفرس أن يقبل بوجودها في حفلة مجون يرقصون فيها على أشلاء ودماء شعبنا ويقررون مصيره بعد أكثر من 4 أعوام من القتل والتهجير، فهل يمكن لشعب رفض وجود إيران في جنيف 2 وهي في أوج جبروتها أن يقبل بوجودها بعد أن بدأ أبناؤه يسطرون الإنتصارات والفتوحات على الأرض الشامية.
مما لا شك فيه أن السيد دي ميستورا لم يكن ليوجه الدعوة لإيران لولا بعض التيارات التي يستند على مواقفها كهيئة التنسيق وأخواتها من تيارات المعارضة المدجنة إضافة إلى الإتلاف الوطني وتيار معاذ الخطيب الذي أكد من واشنطن قبل أسابيع على ترحيبه بمشاركة إيران في أي مفاوضات وعلى ضرورة التمسك بالدعوة إلى حل سياسي تفاوضي لتسوية الصراع الدائر حاليا في سوريا مشيرا إلى وجود عدة مقترحات لحل الأزمة السورية من بينها تشكيل مجلس رئاسي ذي صلاحيات كاملة، ويتكون من اثنين من العسكريين أحدهما من النظام السوري والثاني من المعارضة، وثلاثة مدنيين من بينهم واحد من النظام السوري.
لقد كشفت مبادرة السيد دي ميستورا عن السباق المحموم الذي تقوم به العديد من التيارات السياسية والدينية السورية للفوز بنصيب من الكعكة المسمومة المغمسة بدماء أكثر من مليون سوري ودون مراعاة للحد الأدنى من الشروط الواجب توفرها في هذه المبادرة فوافقت جميع التيارات المدعوة على المشاركة في المؤتمر رغم وجود إيران بل إن العديد منها قد شكل بالفعل وفده إلى جنيف، حتى قبل أن يعرفوا حقيقة ما هم ذاهبون اليه وما إذا كانت الدعوة لحضور لقاءات تشاورية أم أنها مؤتمر تآمر لتفريغ إنتصارات مجاهدينا من مضمونها.
إن جملة شروط وعوامل رئيسية هي ما يحكم بنجح او فشل أي مؤتمر يتصدى لإيجاد حل للأزمة السورية وهي:
لا يمكن لنظام الأسد ان يكون جزء من الحل بحال من الأحوال.
لا يمكن إشراك إيران في أي حل يكافئها على جرائمها بحق شعبنا.
لا يمكن إستثناء أي مكون من مكونات ثورتنا وطنيا كان ام إسلاميا.
لا يمكن فرض تمثيل شرعي لثورتنا دون عقد مؤتمر جامع ينتج تمثيلا منتخبا.
لقد آن للجميع أن يعي حقيقة أن حل الأزمة السورية يقتضي بالضرورة إزاحة نظام الأسد وسحب إيران لميليشياتها الطائفية العابرة للحدود والتوقف الجميع عن فرض نوع وشكل الحكم الذي يتعين وجوده في سورية، وعليهم بدل ذلك ان يساعدونا على إنتاج قيادة شرعية معترف بها لا أن يجمعوا لنا حثالة القوم لينصبوهم علينا حكاما جدد، فثورتنا ليست كأي ثورة، إنها ملحمة ستغير وجه التاريخ والمنطقة وإلى الأبد.
المصدر . زمان الوصل
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.