img

طفل صغير يرتدي قميصا أحمر, ملقى على وجهه على الشواطئ التركية, مأساة. أكثر من 200000 قتيل في سوريا, و4 ملايين هربوا من البلاد وأصبحوا لاجئين و7.6 نازح من ديارهم هم مجرد أرقام لا غير. ولكنهم يمثلون حالة فشل جماعية ذات أبعاد هائلة.
لأربعة أعوام, دخلت إدارة أوباما, فيما أطلق عليه فريدريك هوف, المستشار الخاص السابق في سوريا “ادعاء الغضب”. أربعة أعوام من الاحتجاج الشفوي الشديد, والاجتماعات الطارئة والدعوة إلى التفاوض, وكلها عبارة عن دراما مقززة بدلا من العمل المفيد والحقيقي. يتحدث الناس ويتحدثون ليخفو أصوات ضمائرهم. في عام 2013 حاضر أوباما في مجلس الأمن الدولي ولامه على “عدم إظهاره أي ميل للتحرك والعمل”. إنه إسقاط نفسي على الساحة العالمية.
هناك دائما واقعية أوباما المملة. “ليس من عمل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أن تحل جميع مشاكل الشرق الأوسط. علينا أن نكون متواضعين في اعتقادنا أن بإمكاننا معالجة كل الشرور في العالم”.
ولكننا لا نتعامل هنا مع كل المشاكل ومع كل الشرور؛ بدلا من مجموعة متقطعة من الظروف الفريدة, فإن أكبر فشل إنساني في حقبة أوباما يمثل أكبر فشل استراتيجي في نفس الوقت.
في نقطة ما, أن تكون متواضعا هو نفس أن تكون لا مباليا بالفظائع التي ترتكب. مروحيات الرئيس بشار الأسد مستمرة في إلقاء البراميل المتفجرة المملوءة بالشظايا المعدنية والكلور. في الهجمات الأخيرة على مدينة مارع, استخدمت قوات داعش غازا شبيها بغاز الخردل يترك آثارا وتقرحات على الجلد و نشرت خلال أيام قليلة حوالي 50 انتحاري. لقد شهدنا الحصار والتجويع, والخطف وقطع الرؤوس, ومقتل أكثر من 10000 طفل.
غيرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قوانين بلادها الخاصة باللجوء لترحب بكل لاجئ سوري يصل إلى ألمانيا. ليصل الأمر بالسوريين ليطلقوا عليها “أمنا ميركل, أم المنبوذين”. أتساءل ما الذي يطلقونه على رئيس الولايات المتحدة.
خلال فترات متفرقة في الأسابيع الأربعة السابقة, حتى الأعمال الصغيرة نسبيا كان من شأنها أن تخفف من حجم الإصابات بين المدنيين في سوريا. ما مدى صعوبة تدمير مروحية تلقي بالبراميل المتفجرة على الأحياء السكنية؟ هناك العديد من الخيارات التي تقل بكثير عن التدخل الرئيسي التي يمكن أن تؤدي إلى تقليص قوة النظام التدميرية و\أو تعزيز قدرات القوات الأكثر تحملا للمسئولية. وكل هذه الخيارات استبعدت تماما.
لم يكن ذلك مجرد مشكلة إنسانية بعيدة عن محور مصالح الولايات المتحدة. لقد كانت أزمة في قلب الشرق الأوسط أدت إلى خلق فراغ في السيادة وجذبت وعززت بعضا من أسوأ الأشخاص في العالم. اتخذ قرار التقاعس عن العمل بطريقة واعية وعن سبق إصرار وترصد من جانب أوباما والبيت الأبيض. وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع ليون بانيتا ومدير السي آي أيه دافيد بيتراوس جميعهم أيدوا تسليح وكلاء مفضلين ومختارين. الأصدقاء السنة والحلفاء في المنطقة طلبوا, ثم توسلوا لقيادة الأمم المتحدة. ولكن كل طلباتهم وتوسلاتهم إما رفضت أو تم تجاهلها.
في هذه العملية, أصبحت سوريا مقبرة لمصداقية الولايات المتحدة. “الأسلحة الكيماوية” و” الخط الأحمر” , “تيار الحرب ينحسر” “لا تكونوا أغبياء”. هذه هي الخطوط العالمية. قال أوباما حول الدولة الإسلامية :” هناك قياس نستخدمه هنا في بعض الأحيان وأعتقد أنه دقيق, وكأن فريق جي في ارتدى زي فريق الليكرز, ولكن ذلك لا يجعل منهم كوبي برانت”. والآن يبدو أن هدف “تفتيت وتدمير الدولة الإسلامية” لا يمكن تحقيقه مع الاستراتيجية والموارد الحالية. قال أوباما في 2011 بأن “الوقت حان ليتنحى الرئيس الأسد”. ولكن يبدو أن الأسد سوف يدوم أكثر من أوباما في السلطة.
ما الذي يفسر تغاضي أوباما عن الإذلال والفظاعات الجماعية التي ترتكب في سوريا؟ النظام السوري هو وكيل لإيران, يحصل على المليارات من الدولارات كل عام منها. ولا يريد أوباما أي احتمال للتدخل مع وجود الاتفاق النووي مع إيران. وقد كان كما قال هوف “مترددا في الإساءة للإيرانيين في هذه المرحلة الحرجة” ولهذا فإن التنازل عن سوريا كمنطقة نفوذ إيرانية يمثل تكلفة إضافية لإرث الاتفاق النووي الذي توصل إليه أوباما.
ناهيك عن أن إيران سوف تحصل الآن على عشرات المليارات من الأصول المجمدة لتعزيز جيش الأسد في الميدان. وبغض النظر عن أن فظاعات الأسد أصبحت أكبر عامل للتجنيد لصالح الدولة الإسلامية والمتطرفين السنة الآخرين. فإن كل هذه الأمور من شأنها أن تطيل أمد الحرب دون أن يكون هناك طرف منتصر, وأن تشكل حاضنا لجميع التهديدات الإقليمية والعالمية – وأن تلقي بجثة طفل صغير يرتدي قميصا أحمرا على الشواطئ البعيدة.

ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top