جنود روس متواجدون في سورية
الخميس 10 سبتمبر / أيلول 2015
مراد القوتلي - خاص السورية نت
تعزز روسيا من تواجدها العسكري على الأراضي السورية وتشير حجم التقارير وتصريحات المسؤولين والدبلوماسيين الغربيين إلى بدء مرحلة جديدة في التدخل الروسي بالقضية السورية، سيما وأن صور العديد من الجنود الروس المنتشرين في سورية وجدت طريقها إلى وسائل الإعلام، فضلاً عن إعراب دول عدة عن قلقها من التحركات الروسية الأخيرة في سورية.
تحدثت تقارير صحفية عدة عن مشاركة جنود روس في القتال بسورية إلى جانب قوات النظام، وهو ما نفته روسيا ونظام الأسد، لكن الجانبان أكدا وجود خبراء روس على الأراضي السورية، إذ قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية "ماريا زاخاروفا" إن "الخبراء يقدمون المساعدات فيما يتعلق بإمدادات الأسلحة الروسية إلى سورية"، مضيفةً أن "مهمة الخبراء العسكريين تتمثل في تدريب العسكريين السوريين على استخدام المعدات الروسية".
ولا يمكن الإنكار أن تعزيز التواجد الروسي في سورية سيؤدي إلى دعم نظام الأسد بشكل أو بآخر، كما سيمنحه ومؤيديه بعض الراحة في أن دولة كروسيا تعمل لمساعدتهم، لكن ذلك لا يخفي من ناحية أخرى وجود صراع في النفوذ مع إيران التي باتت تتحكم بمفاصل جوهرية في سورية.
وتستغل روسيا وإيران الضعف في نظام الأسد وانحسار المساحات التي يسيطر عليها في البلاد، إلى جانب زيادة الاستنزاف البشري في صفوف قواته وحاجته إلى من يسانده في وجه تقدم المعارضة، كما أن البلدين يستشعران بأن ترك الأسد لوحده يعني سقوطه خلال فترة وجيزة وهو ما لا تريده الدولتان حتى الآن ولكل منها تبريرها.
وتخشى روسيا من أن تمسك إيران بالمزيد من الخيوط في سورية ما يجعلها صاحبة النفوذ الأكبر والأكثر قدرة على تحقيق مصالحها عبر الملف السوري، ولهذه الخشية أسباب عدة، منها توصل إيران مع الدول الكبرى إلى اتفاق تاريخي بخصوص ملفها النووي، وما تبع ذلك من تقارب أمريكي – إيراني قد ينعكس على أداء طهران في سورية، في وقت تتسع فيه الخلافات ظاهرياً بين موسكو وواشنطن. وبذلك شعرت روسيا في أنها خرجت من الاتفاق الدولي بلا مكاسب حقيقية لها.
يشير رئيس حزب الجمهورية السوري المعارض، محمد صبرا، في تصريحات لـ"السورية نت" إلى أن هنالك صراعاً خفياً بين روسيا وإيران بعد الاتفاق النووي، وقال إن "روسيا تخشى من ترتيبات سياسية إيرانية أمريكية تخرجها من المنطقة بشكل نهائي، لكن صراع المصالح الإيرانية الروسية ليس بالحدة التي يمكن أن نقول عنه أنه تناقض بالمصالح بين الدولتين، فما زالت إيران تستمد كثيراً من عناصر قوتها من علاقتها بروسيا".
وفيما كان ينظر إلى روسيا من قبل الدول الفاعلة بالقضية السورية على أنها دولة صاحبة نفوذ كبير في سورية ويمكن الاعتماد عليها كـ"طرف فاعل" في أية مفاوضات بين النظام والمعارضة، بدا أن المجتمع الدولي يميل أكثر إلى قبول إيران والإقرار بأن وجودها ضروري في حل القضية السورية، وبذلك لن تستأثر لوحدها في ترأس الجهود الدبلوماسية بخصوص سورية، كما أن قدرة روسيا على استخدام الملف السوري كورقة ضغط مقابل ملفات أخرى ستقل قياساً إلى توجه الدول الكبرى نحو إيران للبحث عن حل في سورية.
وظهر التحول في الموقف الأوروبي من اعتبار إيران جزءاً من الحل لا المشكلة، مع التصريح الذي أدلت به المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" نهاية الشهر الماضي من أن "بلادها ترحب بمشاركة إيران في أية مفاوضات تهدف إلى إنهاء النزاع في سورية منذ أربع سنوات"، وهو ما اعتبره محللون أنه يعكس تغيراً في السلوك الأوروبي إزاء إيران منذ توقيعها الاتفاق النووي.
التواجد العسكري
ولا يخفى على روسيا كما واشنطن، أن إيران تسيطر على عشرات الميليشيات التي تقاتل في سورية ضمن المناطق الممتدة من ريف دمشق جنوباً حتى اللاذقية شمالاً، وتعزز النفوذ العسكري الإيراني مؤخراً في سورية مع تحقيق المعارضة تقدماً في شمال البلاد. وتفتقد روسيا إلى مثل هذه السيطرة والأذرع التابعة لها في سورية – على الرغم من تواجد قاعدة عسكرية لها بطرطوس - لذلك تشعر روسيا بالقلق إزاء قدرة إيران عبر ضباطها وخبرائها والميليشيات التابعة لها في إحداث تغير بالمشهد السوري.
ولذلك فإن احتمال زج روسيا مقاتليها إلى جانب نظام الأسد خطوة نحو خلق توازن في القوى مع إيران داخل سورية من ناحية، ومن ناحية أخرى المشاركة في إنقاذ الأسد التي بالتأكيد لن تكون بلا مقابل. وفي هذا السياق يقول صبرا: "التحرك الروسي الأخير هو تعبير عن قناعة روسية بانهيار شامل للبنية العسكرية للنظام، فالروس يدركون جيداً أن جيش النظام لم يعد قادراً على إنجاز أي عمل عسكري سوى عمليات القصف بالطائرات، ولذلك قررت روسيا زيادة عدد عناصرها المقاتلة في سورية".
ويبدو أن النشاط الروسي في مناطق الساحل (طرطوس على وجه الخصوص) هدفه تمكين التواجد في أكثر المناطق أهمية للنظام إلى جانب اللاذقية، إذ تشير التقارير الصحفية إلى أن موسكو تزيد من تواجدها العسكري في المدينتين الساحليتين على وجه الخصوص، في حين يبدو واضحاً أن إيران تستأثر بدمشق وحمص.
ويرى صبرا أن "الخطير في الموضوع أن هذه العناصر (الروسية) تتمركز في منطقة الساحل بشكل رئيس وهذا على المدى البعيد يشكل خطورة كبيرة على وحدة سورية لأنه يأتي في سياق صراع مشاريع إقليمية بدأت تأخذ ملامحها من خلال محاولة كل قوة إقليمية بتأمين منطقة نفوذ لها في سورية عبر تدخلها المباشر".
ومن ناحية ثانية، كرست المفاوضات الأخيرة حول الزبداني بين حركة "أحرار الشام" الإسلامية من جهة، والإيرانيين من جهة أخرى، نوعاً آخر من النفوذ الإيراني في سورية، إذ بدت طهران قادرة على لعب دور النظام في سورية والتصرف بشكل يوحي أنها صاحبة القرار النهائي عن السوريين، فيما يبدو أن مفاتيح الحل في سورية تكمن في يد الإيرانيين، لكن في المقابل وعلى مدار السنوات الأربع الماضية لم تلعب روسيا هذا الدور في سورية.
وتشير بعض التحليلات إلى أن موسكو تريد من خلال تعزيز تدخلها العسكري في سورية واللعب على وتر تقوية جيش نظام الأسد أن تبعد الأخير رويداً رويداً عن إيران، ونقل مفاتيح الحل من طهران إلى موسكو، لكن هذا الأمر ليس بهذه السهولة.
ويثار تساؤل هنا، ما هي النتائج التي قد تترتب على صراع النفوذ الإيراني الروسي داخل سورية وسعي كل منهما لتوسيع رقعة تواجده فيها، ويشير صبرا في تصريحه لـ"السورية نت" أن المخاوف الآن تكمن في أن زيادة التواجد الروسي في سورية ليس مرده دعم ومساندة نظام مجرم قاتل وحسب، "بل إننا نرى في الخطوة الروسية خطرا على وحدة الكيان السوري، ربما يكون الوجود الروسي تشجيعا لبعض عناصر السلطة بالذهاب بمشروع يقسم سورية إلى مناطق، بحيث يكون الوجود الروسي ضامنا لوجود كانتون في المنطقة الساحلية يضم فيه محافظتي حمص وحماة ودمشق إن كان ذلك ممكناً".
ويضيف: "هذه هي الخطورة الحقيقية في الوجود الروسي الآن، هذا الوجود سيزيد المشهد السوري تعقيداً فضلا ًعن استمرار نزيف الدم، يجب رفض الوجود الروسي بشكل حازم من منطلق الحفاظ على وحدة سورية وهنا لابد من خلق مناخ إقليمي ضاغط باتجاه هذا الوجود الروسي".
المصدر:
خاص - السورية نت
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.