img

رفض أوباما مواجهة الأسد ودعم المعارضة السورية وأطلق العنان للأحداث التي أدت إلى صعود تنظيم داعش.
في أواخر يوليو الماضي، ألقى بشار الأسد أول خطاب علني له، وأقرّ بأنّ نظامه كان مستنزفًا وتنازل عن العديد من الأراضي إلى “الإرهابيين”، في إشارة الى أي شخص انضم إلى الثورة السورية.
وجاءت تلك الاعترافات العلانية من الأسد في وقت شعر فيه رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالقلق بشأن احتمال انهيار نظام الأسد.
خلق ضعف الأسد شعورًا بضرورة التحرك السريع من جانب القوى الإقليمية التي تتفاوض سرًا من أجل تسوية سياسية للصراع. وكانت الولايات المتحدة صاحبة الموقف الأكثر غرابة بشأن الأسد.
منذ بداية الانتفاضة السورية في عام 2011، دعت إدارة أوباما علنًا الأسد إلى التنحي، بينما تقوم بأمور سرية لاستبعاد هذا الاحتمال ودعم نظام الأسد.
الأسد والأسلحة الكيميائية
بين أغسطس عام 2011، عندما طالب الرئيس أوباما لأول مرة بتنحي الأسد، وأغسطس عام 2014، عندما تدخلت الولايات المتحدة لقصف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، استخدم الأسد الأسلحة الكيمائية ضد الآلاف من المدنيين.
هدّد أوباما بالضربات الجوية لمعاقبة النظام، ولكن السر الكامن وراء هذا التهديد هو بقاء الأسد في السلطة. كما اعترف مسؤولون في إدارة أوباما أنه لا يريد للمعارضة السورية أن تسود.
عندما وافق الأسد على التخلي عن الأسلحة الكيميائية تحت إشراف جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تمّ الترويج لهذا الاتفاق باعتباره نجاح دبلوماسي كبير.
وكانت المشكلة الوحيدة أنّ الأسد لم يتبع هذا المسار. لقد روّع عملاء المخابرات السورية المفتشين وحصروا ما يمكنهم رؤيته، ومن ثم حافظ الأسد ليس فقط على مخزونات غاز الكلور، ولكن أيضًا على غاز السارين وغاز الأعصاب. وفي هذا العام، اُتهمت قوات الأسد بشنّ هجمات عديدة باستخدام غاز الكلور ضد المدنيين.
لقد أخبرني روبرت فورد، السفير السابق للولايات المتحدة في سوريا قبل استقالته، أنّ إدارة أوباما “كانت تعلم أن الأسد يستخدم الأسلحة الكيميائية، ولن يتخلى عن كل شيء“.
إذا كان أوباما يعرف ذلك، لماذا لم يمنع وصول تلك الغازات القاتلة إلى الأسد؟ الإجابة المزعجة هي أنّ الولايات المتحدة -المؤيد القوي لعدم انتشار الأسلحة النووية، والتي كانت تطالب برحيل الأسد- لا تريد صراعًا مع الأسد. كان أوباما يتفادى المخاطر حتى لا يتجاوز الخط الأحمر الذي وضعه لنفسه.
تفكير حالم
كانت حجة إدارة أوباما ضد التدخل في سوريا أنّ الوضع كان معقدًا للغاية بالنسبة للولايات المتحدة. وقال أوباما إنّ المعارضة “غير منظمة، ومجهزة ومدربة بشكل سيئ“. وذكر أنّ المعارضة المعتدلة تتكون من “المزارعين أو أطباء الأسنان“، وغيرهم من الأشخاص الذين يفتقرون إلى الخبرة القتالية، وأنه “تفكير حالم” أن نعتقد بأنّ مشاركة الولايات المتحدة من الممكن أن تؤدي إلى انتقال سلمي للسلطة.
كل من هذه النقاط تحتوي على حقائق جزئية، وتحتوي أيضًا على خرافات لخدمة مصالح ذاتية. لقد كانت المعارضة السورية غير منظمة وغير مجهزة لأنها لم تكن مدعومة من الخارج مثل تنظيم القاعدة. ويتألف جزء كبير من المعارضة المعتدلة من المدنيين الذين يطلقون الرصاص لأول مرة في حياتهم، وتتكون أيضًا من آلاف المنشقين عن الجيش السوري والمدنيين الذين كان يتم تجنيدهم.
إذا كانت المطالبة بدعم استباقي للمعتدلين هي “تفكير حالم”، فإنّ هذا ربما كان بمثابة المفاجأة لوزيرة الخارجية ووزير الدفاع ورئيس أركان الجيش، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية اليوم، الذين نصحوا أوباما بتسليح المعارضة السورية قبل فوات الأوان.
عندما تبع أوباما النصائح بعد ذلك بعامين، تم تدريب عدد محدود فقط من المتمردين المعتدلين في برنامج فاشل ومثير للسخرية. وبحلول عام 2014، أصبح الفراغ السياسي السوري ممتلئًا بالأعلام السوداء.
الأسد وداعش
في النموذج القومي العربي الحقيقي، يصوّر الأسد نفسه بأنه الرجل الوحيد الذي يقف بين الغرب وتنظيم القاعدة. هذه الصورة -أو السراب- نجحت في كسب تأييد العديد من “الواقعيين” في الغرب، على الرغم من أنها تقلب الحقيقة رأسًا على عقب.كان الأسد هو السبب في أنّ السوريين من جميع الخلفيات خرجوا إلى الشوارع وهو السبب أيضًا في تدفق الآلاف من المقاتلين إلى سوريا سنويًا.
العديد من الجماعات المسلحة التي انتشرت في جميع أنحاء البلاد كانت تقاتل من أجل التخلص من الأسد. حتى العلويين تم إقصائهم في نهاية المطاف؛ لأنّ أطفالهم ضحوا بحياتهم بشكل غير متناسب لحماية عائلة الأسد.
لقد أدى رفض أوباما مواجهة الأسد ودعم المعارضة إلى إثارة بشار الأسد مجموعة من الأحداث التي أدت إلى صعود تنظيم داعش. كما أخرج الأسد المتشددين الإسلاميين من السجون لإغراق المعارضة بمقاتلين متعصبين دينيًا.  وقامت ميليشياته الطائفية، والشبيحة، بتهجير السُنة من قُراهم، ورميهم في أحضان الجماعات الجهادية للحماية.
انتشرت الكثير من التقارير تفيد بأنّ الأسد اشترى النفط من داعش، وتجاهلهم في ساحة المعركة، حتى أنّ وزارة الخارجية الأمريكية اتهمته بأنه السلاح الجوي لداعش. ولذلك؛ فإنّ الظروف التي أدت إلى قيام دولة داعش الإرهابية تمّ دعمها من خلال الاستراتيجية العسكرية للأسد وافتقار أوباما لأي استراتيجية بشأن سوريا.
سوريا أخرى
لقد تشكّلت سياسة أوباما الخارجية من خلال غزو سلفه للعراق، ولذلك كان الخيار الذي قدّمه للجمهور هو عدم فعل أي شيء في سوريا وإلّا ستكون هناك “عراق آخر”.
ولكن عدم اهتمامه بالشأن السوري أدى إلى ظهور “سوريا أخرى”، مع أكثر من 250 ألف قتيل، وأربعة ملايين لاجئ، وأكثر من نصف السكّان الآخرين مشردين.
نزف الحرب ليس الجثث فقط، ولكنه الذكريات أيضًا. إنها تحول الماضي إلى مجموعة من الأنقاض الرمادية بين هوة واسعة من الفراغ.
لقد اشتعلت الانتفاضة السورية من قِبل الأطفال الذين رسموا شعارات مناهضة للأسد على جدران مدرستهم.
ولكن بعد ذلك تم إلقاء القبض عليهم وتعذيبهم. إخوانهم المواطنين، الذين فقدوا براءتهم منذ فترة طويلة، نزلوا في الشوارع للمطالبة باسترداد كرامتهم.
وهتف المتظاهرون “واحد، واحد، واحد، الشعب السوري واحد“. وألقوا الزهور على سيارة السفير فورد عندما ذهب إلى مسيرتهم الحاشدة. كانوا يعتقدون أنّ الأمريكان يقفوا بجانبهم. ولكن لم يتم العثور على الولايات المتحدة بعد ذلك.
التاريخ لن يرحم أولئك الذين أدت أعمالهم وتقاعسهم إلى دمار الشعب السوري. وعلى الرغم من هذا الجيل قد ضاع بين قذارة مخيم اللاجئين والرعب من القصف اليومي، إلّا أنّ جيل المستقبل سيتذكر النهاية المهينة لآبائهم وأمهاتهم.
ترجمة: صحيفة التقرير

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top