يشعر المتابع للتطورات في المنطقة خلال الشهرين الأخيرين أنها تعيش على صفيح سياسي ساخن فاقت حرارته حرارة هذا الصيف الحارق وألهب حمى المبادرات الدولية لحل قضايا المنطقة وعلى رأسها الأزمة السورية.
بالأمس كان العالم منشغلاً بالتوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي وما أن أعلن عن ” اتفاقية فيينا” لإنهاء اثنتي عشرة سنة من المفاوضات بين إيران ومجموعة (5+1) حتى بدأت تنهال علينا المبادرات الاقليمية والدولية وكأننا أمام سباق ماراثوني، وما يثير الاستغراب أن جزء كبير من هذا السباق بين حليفين رئيسيين لنظام بشار الأسد وهما روسيا وإيران.
وعلى ما يبدو أنَّ الهدف من المبادرات الروسية هو تشكيل تحالف ضد الإرهاب بعد استشعرت موسكو بقرب خطر تنظيم الدولة من حدودها في حين أن الهدف من المبادرة الإيرانية المعدلة هو قطع الطريق على أي اتصال بين النظام والمملكة العربية السعودية برعاية روسية وإعادة إيران لاعباً إقليمياً قوياً في المنطقة وعلى وجه الخصوص في سوريا.
ورغم كثرة المبادرات التي طرحت خلال السنة الأخيرة ابتداءً من مبادرة المبعوث الدولي ” ستيفان دي مستورا” والمبادرة الإيرانية الأولى ومؤتمري موسكو ومؤتمري القاهرة ومؤتمر كازاخستان إلا أنها لم ترقَ إلى مستوى ما يطرح الآن من حلول للأزمة السورية.
ولعل ما يميز المبادرات أو الجهود المبذولة اليوم عن سابقاتها حدوث بعض المتغيرات الدولية والإقليمية أهمها:
- إنَّ بعض هذه المبادرات يتم إعداده خارج المطابخ السياسية الموالية للنظام بشكل كامل فدخول المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا على خط هذه المبادرات قد يمنحها زخماً سياسياً على خلاف سابقاتها.
- المتغيرات الأخيرة التي طرأت على الموقف التركي واصرار الأتراك على إقامة منطقة آمنة في شمال سورية وتشكيلهم رأس الحرب في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
- شعور روسيا بالقلق من تزايد نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية وقربه من الحدود الروسية وتزايد أعداد المقاتلين الذين يحملون جنسيات دول الاتحاد السوفييتي السابق في صفوف تنظيم الدولة والخشية من تسلل هؤلاء إلى آسيا الوسطى والقوقاز ، الأمر الذي دفع الرئيس الروسي ” بوتين ” إلى طرح مشروع تشكيل تحالف واسع يضم قوات برية من الجيش السوري والعراقي والقوات الكردية في العراق وسوريا، إضافة إلى قوات سعودية وتركية وأردنية وتزويد هذه القوات بتفويض قانوني ودولي من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع وهو ما تعمل عليه موسكو حالياً ومن المتوقع أن يُطرح المشروع للمناقشة خلال افتتاح الدور الــ / 70 / للجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر القادم. إلا أن العزلة الدولية التي تعاني منها روسيا ربما ستسهم في فشل هذا المسعى الذي يهدف بالأساس إلى الأخذ بيد ” الأسد ” للخروج مما هو عليه خاصة بعد التهديدات الأمريكية باستهداف قوات النظام في حال تعرضها للقوات السورية الجديدة وهي القوات التي دربتها الولايات المتحدة في تركيا والأردن وقطر.
- الحراك الدبلوماسي الإقليمي والدولي وشبه الاتفاق الدولي على إعادة تعويم النظام والانفتاح عليه، وعلى رأس ذلك اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الأمريكية ” جون كيري” ونظيره التركي “ مولود جاويش أوغلو ” في ماليزيا، واللقاء الثلاثي الذي انعقد في الدوحة قبل أيام وضم وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والمملكة العربية السعودية وتمخض عن اتفاق بدعم الاستراتيجية الأمريكية – التركية الجديدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية وتكثيف الغارات على مواقعه في سوريا والعراق.
- الانفتاح الروسي تجاه الائتلاف الوطني بعد تجاهله سياسياً خاصة خلال مؤتمري موسكو (1) وموسكو (2) وهذا إقرار بأهمية دور الائتلاف كممثل شرعي للمعارضة في المرحلة القادمة.
- الانفتاح الدبلوماسي العربي والاقليمي تجاه النظام الذي جعله يعيش حالة من النشوة لم يشعر بها منذ أكثر من ثلاث سنوات تقريباً من المقاطعة السياسية والدبلوماسية وكأن أسوار مقاطعته، وسياسات عزله بدأت تنهار أمامه الواحدة تلو الأخرى وعلى رأس ذلك التغير الكبير في موقف جامعة الدول العربية وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين تونس والنظام وزيارة وزير خارجية النظام لسلطنة عُمان والتمهيد لعودة مندوب سوريا الدائم لدى جامعة الدول العربية قريباً وزيارة مفتي النظام ” أحمد بدر الدين حسون ” إلى الجزائر.
- تزايد التنسيق الأمني بين أجهزة استخبارات النظام والمخابرات الغربية وعلى رأسها الاستخبارات الأمريكية وبعض الدول الأوروبية بحجة تبادل المعلومات حول الأهداف والعناصر الإرهابية وزيارة اللواء “علي مملوك” رئيس مكتب الأمن الوطني إلى الرياض ولقائه ولي ولي العهد السعودي الأمير ” محمد بن سلمان” .
- لكن رغم كل هذه التطورات لا نعتقد شخصياً أنَّ الظروف باتت مؤاتية تماماً لفرض الحل السياسي في سوريا على المدى المنظور على الأقل والأسباب كثيرة أهمها غياب الثقة بتجاوب النظام وتبنيه الحل السياسي، إضافة إلى تدخل أطراف دولية في الشأن السوري ورفضها أي حل على حساب أجنداتها الفئوية والطائفية وسعيها الحثيث لتقوية نفوذها وتحويله إلى أمر واقع. فضلاً عن الدمار الذي حل بالبلاد ومقتل نحو نصف مليون سوري وتهجير الملايين وتدمير كافة البنى التحتية على امتداد الأراضي السورية.
- لذلك نرى أن جميع هذه المبادرات لا تصب في مصلحة الشعب السوري كونها مرهونة بمصالح الدول التي أطلقتها وعلى الأخص المبادرة الإيرانية الأخيرة التي تهدف بالدرجة الأولى إلى الاعتراف بنتائج ” اتفاقية فيينا” الأخيرة وتصوير الدور الإيراني ما بعد الاتفاقية المذكورة وكأنه يخرج عن سياق الأجندة الإيرانية في المنطقة التي نعرفها جميعنا وايهام الرأي العام الإقليمي والعالمي على أن الدور الإيراني بات دوراً بناءً من شأنه أن يساهم في حل الأزمات وإحلال السلام في المنطقة.
- وفي خضم هذه التطورات السياسية المتسارعة يمكن القول إنَّ أي حل سياسي لا يبنى على بيان جنيف (1) ويفضي في نهاية المطاف إلى رحيل ” بشار الأسد” وزمرته واقرار نظام للعدالة الانتقالية يتضمن محاسبة كافة المتورطين في قتل مئات الآلاف من السوريين وتدمير البلاد، وإعادة إعمار ما تم تدميره وتحقيق مطالب الشعب السوري التي خرج لأجلها لن يكتب له النجاح.
المركز الصحفي السوري
د.وسام الدين العكلة
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.