بقلم النقيب رشيد حوراني
المركز الصحفي السوري
عمّت جميع المناطق السورية ثورة مباركة أخذت فيها محافظة حمص موقع الريادة فسميت عاصمة الثورة ، وكان فيها ظهور تشكيل قوي نظم نفسه خطوة إثر خطوة سُمي لاحقاً بالجيش الحر، أسس كتائبه العسكريون المنشقون عن النظام المجرم ، وما لبث بعد أن استقر الأمر له وحقق نجاحات عسكرية وتنظيماً متيناً مؤسساتياً كاد أن يطيح بالنظام إلا وبدأ الإعلان عن قيام تشكيلات أخرى لا تتوافق معه وأعلنت انشقاقها عن المؤسسة لأسباب أيديولوجية مما أثر سلبا على العمل العسكري ، وقد دعمت أطراف خارجية بعض هذه التشكيلات بغية إحداث توازن في الصراع غير المعلن ما بين هذه الأطراف نفسها مما أحدث شرخاً كبيراً بين الثوار انتهى بطي صفحة المؤسسات العسكرية الثورية ذات القرار الوطني ، وانتقال غالب القرار للأطراف الداعمة على تنوعها . هذا قابله في الجهة الأخرى توحد كامل ما بين الدعم الروسي والصيني للنظام والتدخل الإيراني النافذ والذي أصبح مباشراً ويأخذ بالتوسع في سوريا عامة وحمص خاصة.
يقول مطلعون على النهج الإيراني، أنه كما كانت طهران ومن خلفها موسكو وراء اقتراح سياسة «الجوع أو الركوع» في حمص والتي كتبتها بوضوح عناصر حواجز النظام المحاصرة لحي الوعر على لوحات كبيرة عند مداخل الحي ، فإنها كانت وراء فكرة الاتفاقيات المحلية لوقف إطلاق النار ، ويدل على هذا مقترح فتح مكتب للوسيط الإيراني لمعالجة أي خرق للاتفاق الذي يسعى إليه النظام في حمص ، هذا المكتب الذي يقوم عليه ( الإيراني ) والمرفوض من قبل الثوار ما لبث أن ازداد نشاط الإيرانيين القائمين عليه فقاموا بمهام الدولة ومسؤولي النظام في المحافظة ، وأصبح (الإيراني) مفاوضاً مع الهيئات الأممية التي تُعنى بحقوق الانسان وتقديم الإغاثة للمنكوبين من أهالي حمص ، كما عمل على تقوية أبناء الطائفة الشيعية على قلتهم في محافظة حمص المنتشرين في قرى معدودة في ريف المحافظة كقريتي المزرعة والرقة اللتين تحدان حي الوعر، وكذلك قرى أم العمد وأم التين والحميدية ، ليتوج رعايته ودعمه لهم بتشكيل قوة عسكرية موحدة ذات طابع طائفي شيعي بحت سمي ( لواء الإمام الرضا) وتُعد الأقوى من بين الميليشيات المساندة للنظام . كما عمل (الإيراني) على إطلاق يد المؤسسات الإيرانية ذات الطابع الإنشائي والمعماري للعمل في المدينة وريفها واحتلال العقارات والأراضي الزراعية التي تخدم مشروعه الصفوي ، كما حرص (الإيراني) على نشر التشيع في أرياف حمص ،ومدينة تدمر وباديتها كونها تقع في طريق إمداد لواء الرضا الشيعي عن طريق الكتيبة الإيرانية المتمركزة بالقرب من جبل زغرين في ريف حماة الشرقي ، كما حول مطار الضبعة الذي يقع في الريف الجنوبي للمدينة إلى مزرعة للحشيش هو وكل ما حوله من الأراضي الزراعية لتمويل عمليات الإرهاب التي تنفذها ميليشيات حزب الله ونظام الخامنئي ، وتمادى (الإيراني) بتجاوزاته لتشمل الوصاية على وسائل إعلام النظام ، وتوجيهها بما يتناسب مع مشروعه وفق سياسة قناتي العالم والمنار .
ناشدت مراراً بلا فائدة القوى العسكرية العاملة في حمص كل الجهات الداعمة للثورة ( مؤسسات ، هيئات ، تنظيمات ، أحزاب ، دول .. إلى آخره ) تقديم الدعم اللازم للحفاظ على مكتسبات الثورة فيها ، في وقت يقدم فيه ثوارها الغالي والرخيص للصمود والاستمرار، ولم يقتصر نسيان حمص على هيئات المعارضة التي فشلت أصلا في التعبير عن الثورة وتأمين دعمها بشكل فعال بل تعدى الأمر إلى ما يسمى (دول أصدقاء الشعب السوري) الذين رفضوا وما يزالون تقديم الدعم لحمص بحجة أن معظم كتائبها لونهم مغاير للون ( الأخضر ) المسموح دعمه ، وذلك لاعتناقها ما يسمونه التطرف الفكري ، وبسبب أن التوزيع الديمغرافي من الممكن أن يؤدي حال تقديم الدعم العسكري إلى جرائم حرب طائفية ، حتى أن مركزي الأعمال القتالية في الجنوب ( الموك) وفي الشمال ( الموم) المنشأين لتوزيع الدعم الدولي العسكري للثورة السورية ضما فصائل من مختلف المناطق السورية باستثناء حمص ، بل أن جهات أرادت دعم حمص فطلبت إخراج مقاتليها منها لتنفيذ معسكرات في الشمال السوري أو لإرسالهم إلى دورات تدريبية خارجية على السلاح الفردي بعد أربع سنوات مرت على الحرب ، وهم يعلمون أن النظام قد يتسامح بل يساعد بشكل غير مباشر في إخراج مقاتلي حمص لكنه قطعاً حريص بكل السبل على منع عودتهم إليها . وهكذا تُركت حمص لمد إيراني بغيض وزحف صفوي واضح الملامح دون أن يقدم لها المساعدة حتى هؤلاء الذين يتخوفون من هذا المد الخبيث، والذي لم يجد زمرة من ثوار حمص مناص من أن يفاوضه بشكل مباشر للحفاظ على حياة المدنيين برغم كل القرارات الدولية المانعة لسياسة التجويع ( كما حصل في حصار المدينة).
أما الموقف الأمريكي الذي يعد بخلاف مواقف الدول الغربية الأخرى عاملا حاسما من شأنه أن يغير اتجاهات الأحداث في سوريا فإنه يكرر مخاوفه حول الإرهاب ويعتبره عدو مشترك بين دمشق وواشنطن ، و يتذرع بالإحجام عن تقديم الدعم الفعال بواقع المعارضة السورية ، لذلك فإن الشكوك تساور غالبية الثوار حول نظرة الولايات المتحدة الامريكية إلى المسألة السورية ، خاصة بعدما صرح به الرئيس الأمريكي أوباما عن أمله بدور لإيران في المنطقة بعد الاتفاق النووي ، وكأن أوباما بسياسته هذه في الشرق الأوسط يعمل على تنفيذ ما أوصت به وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كونداليزا رايس عند سؤالها في أحد المؤتمرات الصحفية : ماذا تفعلين لو أصبحت رئيسة للولايات المتحدة ؟ فأجابت : أعمل على تغيير حلفاء أمريكا في أماكن نفوذها .
عانت حمص من شح الدعم المقدم للثوار منذ أكثر من سنتين ، ويتعجب أهلها في المناطق الشاسعة التي تخلصت من سيطرة النظام مقدار التنكر والإهمال للمرابطين على الجبهات في وجه النظام من قبل الجهات الداعمة للثورة السورية عن قصد أو دون قصد ، حيث أن ثبات تلك الجبهات في مدينة حمص هو انتصار بحد ذاته لكنه بحاجة دائمة لمقومات ، وينطبق هذا الحال على حي الوعر المحاصر في المدينة الذي يعتبر النظام قصفه وتشديد الحصار عليه عاملا لرفع الروح المعنوية لمواليه عندما تلاحقه الهزائم .علما أن معضلة قلة الدعم لحمص هي معضلة قديمة جديدة حيث كان يطرح منذ بداية تشكيل الأركان ( المستقيلة ) أن يتم توجيه الدعم إلى الشمال السوري ( حلب وإدلب ) ثم الزحف منه إلى باقي الجبهات كالطريقة الليبية بإسقاط نظام القذافي ،وهو الأمر الذي رفضه قادة حمص العسكريون كونه سيؤدي إلى انهيار المناطق المحررة والتي أصبحت جبهات تماسية مع قوات النظام تستنزف الذخيرة على مدار اليوم ( وهذا ما أدى إلى سقوط مناطق كالريف الغربي لحمص) ، وما توقف المعركتين الكبيرتين اللتين أُعلنتا لفك الحصار عن حمص إلا بسبب انقطاع الدعم العسكري في معركة الجسد الواحد (النقص في م/د ) ، وبسبب اقترابها من الخطوط الحمراء المتمثلة بالقرى الإسماعيلية والشيعية والنصيرية في معركة قادمون.
لكن السؤال هل يبقى حال عاصمة الثورة كما هو أمام الانتصارات التي تحققت في الجبهات الجنوبية والشمالية والتي لم تستفد منها -على عِظمها – حمص إلا معنوياً ؟
فجبهات الجنوب بعيدة جغرافيا عن جبهة حمص، ويكاد التنسيق أن يكون معدوما بين الجبهتين ، كما أن جبهة الشمال وبعد ما تم إنجازه من انتصارات مشرفة فان تطوير العمل سيكون باتجاه ( حلب – الساحل – حماة ) بقيادة قوى أغلبها لا تتلقى دعما دوليا من ( الموك أو الموم ) وبالتالي لديها مساحة كبيرة من القرار العسكري الحر ، هذه القوى إن نجحت بتطوير عملياتها باتجاه حماة فإنها ستجد عائقا آيديولوجيا وآخر ديموغرافيا يحول دون تنفيذ مرادها، ويتمثل من الناحية الأيديولوجية بسيطرة تنظيم الدولة على ريف حماة الشرقي الذي لن يسمح لغيره من القوى بتنفيذ مشروعها ، أما ديموغرافيا فسيجد أمامه القرى الإسماعيلية والنصيرية والمسيحية التي سيعمل النظام المجرم إلى تحويلها كخط دفاع أول له ليتاجر بمسألة الأقليات من جديد .
كما أن هناك في النظام نفسه من يجد أن توجيه قوى الفتوحات باتجاه المنطقة الوسطى ( حماة وحمص ) سيكون إيجابياً من ناحية إيقاف تطور العمل العسكري باتجاه الساحل ( الحاضن الشعبي لنخبة مجرمي النظام ) ، وستكون المعارك هناك صعبة جداً بسبب الطبيعة الجغرافية وتعدد الصدامات المُحتملة وطول خطوط الإمداد .
وبالتالي يكون المخرج لهذه الحالة المستعصية لحمص بدعم تشكيلاتها المتمركزة والمرابطة في مناطقها المحررة كي تتمكن هي من تنفيذ أعمال عسكرية دفاعية تثبت جبهاتها ، وأعمال عسكرية هجومية تخرجها من التطويق الذي يخنقها يوما بعد يوم . كما يجب على أبنائها الداعمين أن يزيدوا مقدار ما يبذلونه لأهلهم فيها لأنها أحوج ما تكون له اليوم، لا سيما أن النظام يحاول إرضاء ( الخامنئي ) بزيادة نفوذ (الإيراني) فيها بعد سلسلة الهزائم التي مني بها في الشمال .
ويبقى من آمال حمص أن كثير من قادة فتوحات الشمال حمصي المنبت والهوى ، وكثير من الأيادي التي حملت بنادق النصر في الشمال هي أيادي حمصية ، وكثير من دموع الفرح التي انهمرت في الشمال كانت من عيون حمصية ترنو لنصر من الله وفتح قريب.
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.