تزداد يوما بعد يوم قناعة الرئيس السوري بشار الأسد بخطورة تسليم أوراقه كاملة إلى روسيا، وعلى ضوئها بدأ مشوار العودة إلى الحليف الإيراني الذي لا يرى أي حل في سوريا دونه.
وظهرت بوادر الابتعاد عن روسيا في ما قاله الرئيس بشار الأسد في برقية موجهة إلى نظيره فلاديمير بوتين إن بلاده لن تقبل بأقل من “الانتصار النهائي” على مقاتلي المعارضة في مدينة حلب الشمالية وفي جميع أنحاء البلاد، بعد يوم من إعلان روسيا والولايات المتحدة تمديد الهدنة في حلب في مسعى منهما لوقف إطلاق دائم لاحقا وبنفس الوقت خلق الأجواء المناسبة لبدء المفاوضات.
وفي البرقية، شكر الأسد موسكو على دعمها العسكري، وأعرب في رسالته عن “أخلص التهاني للرئيس بوتين وللشعب الروسي الصديق”، وأكد أن “مواقف روسيا النبيلة (وفق وصفه) ومساعدتها المشكورة للشعب السوري” للوقوف في وجه ما أسماه بـ”الإرهاب” “تعتبر استمرارا طبيعيا لما عرف عن الشعب الروسي من الوقوف في وجه الظلم والعدوان والانتصار لقضايا الشعوب العادلة”، حسب تعبيره.
وتابع “مدينة حلب اليوم، كما جميع المدن السورية، تعانق ستالينغراد البطلة وتعاهدها أنها رغم شراسة الأعداء وقساوة العدوان ورغم حجم التضحيات والآلام، فإن مدن وقرى سوريا وشعبها وجيشها الأبي لن يقبلوا بأقل من دحر هذا العدوان وتحقيق الانتصار النهائي عليه لما فيه خير سوريا والمنطقة والعالم”، حسب وكالة الأنباء السورية “سانا”.
وجاءت الرسالة بعد يوم من إعلان الجيش السوري أنه سيلتزم “بنظام التهدئة في حلب”، ويعتقد خبراء عسكريون أن الجيش قد يلتزم فعلا بالهدنة في حلب ولكن بشكل مؤقت وذلك بالتنسيق مع إيران التي ترى أن الانتصار في حلب هو مقدمة لفرض حل سياسي يناسبها وبنفس الوقت يناسب الأسد.
وتشهد مدينة حلب بأحيائها الشرقية الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة والغربية الواقعة تحت سيطرة قوات النظام، هدوءا، ولم تسجل أي غارات جوية، كما لم تسمع أصوات رصاص وقذائف في أول يوم للهدنة التي يفترض أن تستمر لمدة يومين.
ولضمان عدم خرقها، تراقب روسيا الهدنة الهشة في سوريا حيث يجلس عشرة جنود روس بجوار هواتف وشاشات كومبيوتر في قاعدة حميميم الجوية السورية قرب اللاذقية لتسجيل أي انتهاك لوقف إطلاق النار الذي فرضته موسكو باتفاق مع واشنطن.
وتقوم روسيا بهذا العمل بالتنسيق مع مركز أميركي يتولى المسؤولية ذاتها ومقره العاصمة الأردنية عمان.
واتسمت العلاقة بين الرئيس بشار الأسد وموسكو بالتذبذب، حيث اقتصر الدعم الروسي له في بداية الأزمة (اندلعت في العام 2011) على منع تمرير قرارات داخل مجلس الأمن تدينه، ولكن في سبتمبر 2015 سجل تطور لافت حين أعلنت روسيا التدخل العسكري في هذا البلد واستقدمت أحدث أسلحتها,
وتبين في ما بعد أن الهدف من هذا التدخل هو منع الانهيار الكامل للنظام الذي يعاني وقتها خسائر ميدانية “قاتلة”، لتهيئة الأجواء لعملية سياسية تفضي بشكل تدريجي إلى انتقال السلطة من الرئيس بشار الأسد إلى حكم علماني يقطع الطريق أمام الإسلاميين. وعلى ضوء ذلك بدأ الأسد في الاستدارة مجددا صوب إيران.
وتحرص طهران دوما على تأكيد التزامها بالأسد، فقد أكد كبير مستشاري علي خامنئي والقائد السابق للحرس الثوري الإيراني، الجنرال يحيى رحيم صفوي، مؤخرا، أن المرحلة المقبلة ستكون موجهة نحو تعزيز دعم حلفاء طهران في المنطقة.
وتشارك إيران الأسد تخوفه من أن الحل الذي ترعاه موسكو حليفتهما وواشنطن قد يؤدي بشكل تدريجي إلى رحيل الأخير وبالتالي زوال النفوذ الإيراني في سوريا أو إضعافه بشكل كبير.
وهذا القلق المشترك يجعلهما (أي طهران والأسد) حريصين على الانتصار في حلب كبوابة لخلق واقع ميداني جديد يجعل المعارضة (وتحديدا التي تحظى بدعم خليجي) خارج معادلة الحل المقبل.
بالمقابل يرى محللون سوريون مقربون من النظام أن رسالة الأسد لبوتين ليست أكثر من “إعادة اعتبار” في مواجهة تصريحات روسية كثيرة قللت من “مكانة الأسد”، مثل آخر تصريح من وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عندما قال “الأسد ليس حليفا لنا. نعم نحن ندعمه في الحرب ضد الإرهاب وفي الحفاظ على الدولة السورية، ولكنه ليس حليفا بنفس القدر الذي تعتبر فيه تركيا حليفة للولايات المتحدة”.
ويعتقد المحللون أن هكذا رسالة مزدوجة التعبير بين شكر لبوتين كي لا يغضب من إشارة الأسد إلى ضرورة النصر وأيضا محاولة استخدامها في الإعلام السوري المحلي لتعيد الهيبة إليه “كشخص قوي” يسعى للانتصار في كل سوريا في وقت تسعى روسيا والولايات المتحدة للضغط عليه لتقديم تنازلات في العملية السياسية.
ويؤكد المحللون أن الأسد مازال بحاجة إلى روسيا وليس قادرا على الانقلاب التام على بوتين الآن، بل يحاول الاعتماد أكثر على إيران فهي الضامن الوحيد لبقاء نظامه بأغلب رجالاته والأهم هو بقاؤه شخصيا على رأس السلطة.
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.