المواد المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع ...
الكاتب : مايكل آيزنشتات
تاريخ النشر : 26.11.2015
أحد أكثر المشاهد مأساوية في الحرب الدائرة في سورية هو تمدد إيران في شرق البحر الأبيض المتوسط وبلاد الشام. وربما من المبكر معرفة الآثار النهائية لذلك الاحتلال، إلا أن بعض العواقب المحتملة يمكن رصدها بوضوح.
وقد وضعت طهران الأساس لفرض تأثير طويل الأمد -ليس فقط من خلال إعادة تشكيل قطاع الأمن السوري بطريقتها، بل من خلال توفير مليارات الدولارات من النقد والنفط للنظام بينما تخترق المجتمع المدني والاقتصاد السوري. وأفادت بعض التقارير أن الكيانات الإيرانية تقوم بشراء العقارات وتؤسس الشركات وتتقدم بعطاءات للحصول على العقود الحكومية وتعزز التجارة لخلق شبكة من التبعية. كما وحاولت السلطات الإيرانية أن تضع يدها على الهندسة الديموغرافية، (من دون جدوى) عبر التفاوض على وقف إطلاق النار المحلي وتبادل السكان حول الزبداني وقريتي الفوعة وكفريا الشيعيتين. باختصار، يبدو أن طهران تستخدم نفس قواعد اللعبة التي اتّبعتها لكسب النفوذ في العراق خلال العقد الأخير.
التطور النوعي لدعم إيران الأسد
عندما اندلعت ثورة آذار 2011 في سورية، سارعت طهران: 1. بتزويد نظام الأسد بمعدات لمكافحة الشغب وتكنولوجيا لمراقبة الإنترنت، فضلاً عن تقديمها المشورة حول كيفية التعامل مع المظاهرات، وذلك بناءً على نجاحها في سحق "الحركة الخضراء" التي شهدتها إيران في عام 2009.
2. ضغطت إيران على "حزب الله" للانضمام إلى القتال في عام 2012، بعدما بدأ الأسد يخسر الحرب التي أشعلها، ونشرت مقاتلين من "قوة القدس" التابعة لـ "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" لتقديم المشورة للسوريين، رغم أن بعضهم كان متورطاً في القتال تقريباً منذ البداية.
3. أشرفت طهران على نشر مقاتلين من الميليشيات الشيعية من العراق (2012) وأفغانستان (2013) وباكستان (2014) في سورية.
4. كما أعادت إيران تنظيم "شبيحة" نظام الأسد المسلحين و"اللجان الشعبية" في إطار ميليشيا تضم حوالي 100 إلى 150 ألف مقاتلٍ تُعرف باسم "قوات الدفاع الوطني"، على غرار قوات "الباسيج" شبه العسكرية الخاصة بالجمهورية الإسلامية. ويُعتقد إن ضباط "الحرس الثوري الإسلامي" يديرون عمليات "قوات الدفاع الوطني" التي جاءت لتنافس "الجيش العربي السوري"، إن لم تلقي ظلها عليه.
5. نشرت إيران المئات من أفراد "الحرس الثوري الإسلامي" لزيادة عدد القوات السورية وتلك التي نشرها "حزب الله"، وتتراوح أعدادهم حسب التقديرات ما بين المئات (500 -1000) والآلاف (1000 -5000)، مما يزيد من عدد مقاتلي "حزب الله" الذي يتراوح ما بين 4000 و5000 وعدة آلاف من الميليشيات الشيعية الأخرى.
ومنذ فبراير 2013، بدأت طهران بالاعتراف بقتلاها، حيث بلغت حوالي 140 عنصراً من "الحرس الثوري الإسلامي" في سورية، مما يشير إلى أن أعضاء هذا الحرس يشاركون بنشاط في القتال. كما لقي العديد من جنرالات "قوة القدس" مصرعهم في القتال، لكنها كانت تفضل استخدام عملاء الميليشيات الشيعية كوقود للحرب.
باختصار، استمدّت طهران فوائد متعددة من المساعدات العسكرية والمالية التي قدمتها لسورية. فمن خلال تدخلها في عام 2012، أنقذت حليفها الوحيد في المنطقة، وحافظت على جسر جوي لـ "حزب الله"، عميلها في لبنان، ورسّخت نفسها كحليف يمكن الاعتماد عليه في الأوقات الصعبة. وعندما تبيّن أن قدراتها الذاتية غير كافية، ضغطت إيران على روسيا على ما يبدو لكي تتدخل، الأمر الذي يزيد من التأكيد على التزامها بدعم حليفها. وعلى العكس من ذلك، تحوّلت سورية فعلياً من حليف لإيران و"حزب الله" إلى دولة تابعة مدينة بالفضل. يبقى أن نرى ما إذا كانت روسيا ستنضم إليهما بشكل متساوٍ أو كشريك أقدم. وعلى كل حال، هناك عدد من الآثار المحتملة طويلة المدى في المنطقة التي تترتب عن دور إيران في الحرب.
إشعال حرب سنية-شيعية
أدت الحرب المشتعلة في سورية إلى قيام طهران بحشد نسبة كبيرة من الشيعة إلى جانبها - وهم الذين يشكلون 20% من السكان في منطقة الشرق الأوسط- ولكن على حساب إقناع 75% من السكان العرب السنة بأن إيران تشكل تهديداً خطراً على هويتهم ومصالحهم. وسابقاً أدت مثل هذه المخاوف إلى توحيد دول متعارضة في المواقف، مثل تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر، في إطار محور سني، وساعدت على تحفيز التدخل في اليمن بقيادة سعودية. إن نتائج هذه التطورات ستشكّل السياسة الإقليمية والديموغرافيا لعقود قادمة.
"محور المقاومة" الموسع
أدى الوجود الإيراني الكثيف على أرض سورية بشكل ملحوظ إلى زيادة دوائر اتصالاتها، بما في ذلك قطاعات أوسع نطاقاً من "الجيش العربي السوري" و"قوات الدفاع الوطني". كما جنّدت طهران شبكة ميليشيات شيعية عابرة للحدود تشكّل بشكل فعال "الفيلق الأجنبي" لإيران الذي يحارب الشبكات السنية لتنظيمي "الدولة الإسلامية" و"القاعدة". وستوفر هذه الشبكة قاعدة دعم خارجية للسياسات الإيرانية من لبنان إلى باكستان، كما أن الأصول التي رُفع التجميد عنها وفقاً للاتفاق النووي مع "مجموعة 5+1"، قد تعزز من جهود طهران للتجنيد لهذه الشبكة والحفاظ عليها ودعمها.
تعزيز القوة العسكرية في شرق البحر المتوسط
بإمكان إيران استغلال موطئ قدمها في بلاد الشام في نهاية المطاف لإنشاء "فقاعة" تمنع الوصول على طول السواحل اللبنانية والسورية، وذلك باستخدام الفقاعة الروسية الأكثر قدرة حول طرطوس واللاذقية لحماية جهودها الخاصة. وقد يعمل الطرفان الإيراني والسوري على خلق مجمع أولي لاستطلاع الضربات في شرقي البحر الأبيض المتوسط لتهديد البنية التحتية الساحلية الإسرائيلية الهامة (محطات الطاقة والموانئ) والأصول البحرية (منصات الغاز الطبيعي)، وكذلك الشحن البحري للصواريخ الدفاعية لـ "حلف شمال لأطلسي" ("الناتو").
قاعدة صواريخ خارج إيران؟
قد تسعى طهران إلى تعزيز نطاق قوتها الصاروخية وقذائفها وقوتها الضاربة عن طريق نشر بعض منها في سورية (ولن يشكل ذلك سابقة من نوعها، إذ كانت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي قد نشرت صواريخاً في الخارج خلال الحرب الباردة). وتملك إيران مخزوناً كبيراً جداً من الصواريخ بعيدة المدى، وربما آلاف الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى. إن نشر الصواريخ الباليستية متوسطة المدى في سورية تجعل وسط أوروبا ضمن نطاق الوصول الإيراني أيضاً. وفي الوقت نفسه، قد تجدد طهران مخزونات الصواريخ المستنفذة لنظام الأسد لإعطائه قدرة انتقامية مستقلة.
جبهات جديدة ضد الأردن
قد تحاول إيران إقامة وجود لها على طول الحدود الأردنية لعدة أسباب من بينها: الضغط على عمّان لوقف دعمها للثوار في جنوب سورية، وزعزعة استقرار حليف رئيس لإسرائيل والولايات المتحدة، والعمل على تحقيق الرغبة المُعلنة للمرشد الأعلى علي خامنئي والقائمة على تسليح الفلسطينيين في الضفة الغربية (وهو احتمال صعب).
إعادة التوازن للقوات الموالية للنظام؟
تجربة روسيا مع استخدام القوات التقليدية إلى جانب الميليشيات والجنود غير النظاميين في أوكرانيا قد جعلتها أكثر ميلاً للنهج المشترك الذي تفضله سورية وإيران و"حزب الله". إلا أن الآثار طويلة الأمد للمساعدة الروسية غير واضحة بعد. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي، هل ستقسّم موسكو وطهران المهام، الأمر الذي سيخلق فعلياً مناطق نفوذ بين قوات التحالف، مع مساعدة روسيا لـ "الجيش العربي السوري" وإيران لـ "قوات الدفاع الوطني" والميليشيات الشيعية الأجنبية؟ أم هل ستصر موسكو على لعب دور بارز وتسعى إلى إعادة التوازن إلى التحالف، وربما مساعدة "الجيش العربي السوري" بالظهور مرة أخرى كأقوى قوة عسكرية في البلاد (وهو خيار قد يفضله العديد من الضباط السوريين)؟ إذا كان الأمر كذلك، ما الأثر التي ستترتب عنه على السياسة الداخلية لنظام الأسد، وعلى علاقة النظام مع إيران، وعلى مصالح طهران في سورية؟
القدرات العسكرية المعززة
حتى ولو كان تعاون إيران مع روسيا محدوداً، فإن التفاعل مع قوة عسكرية عظمى قد يسمح لها بتعلم الدروس الرئيسية واكتساب التكتيكات والتقنيات والإجراءات المتطورة. إلى جانب ذلك، زادت إيران من ميزانيتها الدفاعية بنسبة 32.5% هذا العام، كما أن خبرتها في سورية يمكن أن تؤثر على طريقة إنفاقها للجزء المخصص لشراء الأسلحة، والذي قد ينمو في السنوات المقبلة في إطار رفع العقوبات النووية عنها. هذا ويمكن للتعاون في سورية أن يحفز عمليات بيع الأسلحة الروسية المتطورة إلى طهران.
الأنشطة النووية الخارجية
في حين لا يُعرف عن مشاركة إيران وسورية في تعاون نووي في الماضي، إلا أنهما قد تفعلان ذلك في المستقبل كما فعلتا في مجال الصواريخ. بيد، إن الطابع الملح لوضع المعركة ومدى تقلبه يجعلان هذا السيناريو غير قابل للتصديق في المستقبل المنظور، أي فيما يتعلق بالمخاوف من أن يؤدي هذا التعاون إلى جلب انتباه روسيا (التي هي طرف في الاتفاق النووي) أو إسرائيل (التي هي في وضع أفضل للعمل ضد الأنشطة النووية في سورية المجاورة من إيران البعيدة).
ردود الفعل المحلية؟
حتى الآن، لم يولّد تورط إيران في سورية رد فعل شعبي في الداخل، وذلك لأن عملاء طهران هم الذين تحمّلوا الخسائر البشرية إلى حد كبير، في حين أن التكاليف المالية غير مرئية بالنسبة إلى المواطنين الإيرانيين العاديين. وإذا تردى النزاع وتصاعدت الخسائر الإيرانية، فقد يصبح التدخل عبارة عن قضية سياسية مثيرة للجدل. ومع ذلك، فإن قرب التهديد الذي يشكله تنظيم "الدولة الإسلامية" من المرجح أن يحد من هذه المعارضة.
تاريخ النشر من المصدر : 15.10.2015
المصدر : معهد واشنطن
الرابط: 

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top