المواد المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع...

الكاتب: 
رشيد يلوح


ربما نستغرب العنوان في خلطه بين المعاصرة والقدم، بين السياسة والعقيدة؛ لكن قراءة سريعة في المشهد السياسي الإيراني وما يحدث في سورية من حرب عقائدية/ سياسية أدواتها ميليشيات شيعية بقيادة إيران إلى جانب نظام الأسد في حملته الوحشية ضد الشعب السوري الثائر على الظلم والاستبداد، يبين أن تطور الفكر السياسي في إيران كان مرتبطاً بعمق بعقيدة الإمام المهدي، والذي يبدو أنه امتداد لنقاش مذهبي صاحَبَ تطور الفكر السياسي للشيعة الاثني عشرية، ولكي نفهم السياسات لابد أن نعود إلى نظرياتها الأيديولوجية التي ترتكز إليها.
ومن اللافت للنظر أن لعقيدة الإمام المهدي دور كبير في قيام نظام الجمهورية "الإسلامية" الإيرانية؛ كخطاب أحمدي نجاد المهدوي الذي كان وسيلة اعتمدها لتحقيق برنامجه داخلياً وخارجياً، ومن ثم ارتباط هذا الخطاب بالحراك الذي شهدته إيران منذ انطلاقة الثورات العربية.
فمنذ بداية مارس / آذار 2011 وإيران تشهد نقاشاً في شأن خروج الإمام المهدي وما يتصل به من قضايا مذهبية وفكرية، وذلك عقب توزيع مؤسسة "مبشران ظهور" مئات الآلاف من نسخ قرص مضغوط بعنوان: "الخروج قريب جداً"، يتنبأ فيه أن العالم على مشارف وقت خروج الإمام الثاني عشر المهدي بن الحسن العسكري (وهو من الأئمة المعصومين الذين يعتقد الشيعة الاثني عشرية بتعيينهم من قبل الله، وأن هذا الإمام اختفى في سرداب سامراء بعد وفاة والده الإمام العسكري سنة 260 ه)، وأن هناك دلالات على هذا الخروج وهو بروز القادة الممهدين لخروجه، ومن هؤلاء مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي الذي اُعتبر القائد الخرساني، ومساعده القائد العسكري شعيب بن صالح المتجسد في محمود أحمدي نجاد، أما نصر الله الأمين العام لحزب الله فهو السيد اليماني، والعاهل الأردني  الملك عبد الله بن الحسين هو السفياني، والعاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز هو آخر ملوك الحجاز الذي سيكون موته دليلاً على بداية خروج المهدي المنتظر. أما النفس الزكية التي ورد ذكرها في روايات العقيدة المهدوية التي ستُقتل في العراق قبل الخروج فهو باقر الحكيم الذي قُتل في انفجار عام 2003.
استمر النقاش الشيعي في شأن الولاية والحكم على مرّ القرون، وفي نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين، شارك مجموعة من الفقهاء والمراجع في ما عرفته إيران من تحولات، خاصة ما تعلق بالمطلب الدستوري وما يتصل بشروط الدولة الحديثة. ومن الصحيح بمكان القول بأن النقاش شهد جموداً في بداية العصر البهلوي منذ سنة 1924 م إلى سنة 1963م، والذي برز فيه فقهاء، كآية الله حائري، الذين رفضوا ربط الفقيه بالسياسة.
إلى أن جاء روح الله الخميني الذي أتى بنظرية "ولاية الفقيه"، حيث أكد على ضرورة الإمامة في عصر الغيبة كما فعل النراقي من قبله، حيث قدم هذه النظرية على أنها الحل الأمثل لقضية انتظار الإمام الغائب، فهي لا تشترط العصمة ولا النص ولا السلالة العلوية الحسينية في الإمام، وتكتفي بالفقه والعدل. ويرى باحثون أن الخميني جعل من هذه النظرية وسيلة لإخراج المذهب الشيعي الاثني عشري من عزلته، وأرضية مناسبة لقيام نظام الجمهورية "الإسلامية" الإيرانية.
وبعد أن انتصرت ثورة الخميني عام 1979 وضع الولي الفقيه دستوراً وطبقه، حيث جاء في الأصل الخامس من الدستور الإيراني: "في زمن غيبة حضرة ولي العصر (عجل الله فرجه)، تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في الجمهورية الإسلامية بعهدة فقيه عادل وتقي، مطلع بزمانه، شجاع، مدير ومدبر". وبعد 8 سنوات نقل مرشد الثورة "ولاية الفقيه" من وضعها المقيد في الدستور إلى شكل مطلق مشابه لصلاحيات الرسول صلى الله عليه وسلم، والأئمة بحسب المعتقد الاثني عشري، وهو دمج لولاية الفقيه مع النيابة العامة عن الإمام المهدي.
أعطى مفهوم "ولاية الفقيه" المطلقة للنظام الإيراني هوية مهدوية عالمية، لأنه ربط بشكل مباشر بين مشروع الجمهورية وإرادة الإمام المهدي وأهدافه الشاملة، إذ ستتوجه في ما بعد كل جهود الدولة وبرامجها وإمكانيات البلاد وثرواتها نحو التمهيد لخروج الإمام.
وقد بيّن المرشد الخميني التوجه العالمي لمفهوم المهدوية في الكثير من رسائله وخطبه وأحاديثه، ومنها: "عليكم أن تدركوا بحق أن أعمالكم تحت المراقبة... إن صحائف أعمالنا تُعرض مرتين في الأسبوع على إمام العصر (عجل الله فرجه الشريف)، فلنكن صريحين على ألا يصدر مني ومنكم ومن جميع محبيّ الإمام عمل سلبي يوجب استياء إمام زماننا". (صحيفة الإمام)
إن تأكيد الخميني على وظيفة نظام الجمهورية المتمثلة في التمهيد لثورة الإمام الغائب ولحكومته الإسلامية العالمية، هيأ الظروف بعد وفاته لظهور تيار سياسي وفكري يرى أن مشروع الثورة "الإسلامية" هو حقيقة مقدسة وجاهزة لأداء واجبات الاتصال بالمهدي.
ثم جاء أحمدي نجاد ومنذ توليه منصب الرئاسة في أغسطس/ آب 2005، لم يفتأ يُذكر في مناسبات شتى بأن حكومته تعمل بتوجيه من الإمام المهدي. ومن خلال إيمانه بنظرية "ولاية الفقيه" الممهدة للإمام الغائب، يعتقد أن الوظيفة الوحيدة للجمهورية هي التمهيد لإقامة الحكومة العالمية. وقد تأسس الخطاب المهدوي عنده على عقيدة مذهبية سياسية تؤكد الدور التمهيدي الذي يؤديه نظام الجمهورية لحدث خروج المهدي.
وقد واجه زعماء التيار الإصلاحي ومثقفوه وكثير من فقهاء ومختصين في شؤون المهدوية الخطاب المهدوي عند أحمدي نجاد بصرامة بالغة، وقيل عنه إنه يوظف عقيدة خروج المهدي المنتظر لتغطية فشله الاقتصادي. حيث قال وزير الثقافة الإيراني الأسبق عطا الله مهاجراني: "إن نجاد يستخدم الإمام الشيعي الثاني عشر للتغطية على فشله في كبح جماح التضخم في إيران".
وبعد الثورات العربية صدرت أصوات تدعي أن هذه الإنجازات ليست إلا ثمرات الثورة "الإسلامية" ونتائجها، وعلامات على قرب خروج الإمام الغائب.

استقبلت إيران الثورات العربية إذن بترحيب كبير، معتبرة أن انتشارها إلى معظم البلدان العربية تبشيراً بمرحلة جديدة من تاريخ العالم، وتحققاً لموعود الخميني بانتصار الثورة على أعدائها وقيام حكومة الإمام المهدي عالمياً.
فالثورة التونسية من بركات الثورة "الإسلامية" الإيرانية، وتحقق لموعود الخميني، كما أوضح شيخ مصطفى باقري إمام جمعة بناب (أذربيجان شمال إيران) ... والكثير غيرها من التصريحات.
لكن هذا الحدث فتح مجدداً وبشكل أعمق جدالاً مذهبياً وسياسياً في شأن المهدوية وتوظيفها للأغراض الانتخابية والحزبية. فاتجهت أصابع الاتهام إلى نجاد الذي ما فتئ يُشدد على فكرة مساندة الإمام المهدي لحكومته، كما تركزت الشكوك بقوة في شأن محيطه الرئاسي خاصة صهره (ومدير مكتبه السابق) اسفنديار رحيم مشائي؛ مشائي هذا عُرف بتصريحاته المثيرة للجدل مثل قوله إن الشعب الإسرائيلي صديق للشعب الإيراني، وانتقد المنهج الرسمي في دعوة الناس للإسلام، ودعوته إلى اعتماد مدرسة الإسلام الإيراني التي تمزج بين عناصر القومية الفارسية وتعاليم المذهب الشيعي الاثني عشري، وادعائه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم إيراني الأصل...!
أوجد هذا التوجه وضعاً حساساً وملتبساً برز بقوة في الداخل الإيراني، وفي الخارج مع تطورات الثورة العربية وتحولات المنطقة، مما دفع بشخصيات النظام الإيراني ورموزه إلى دق ناقوس الخطر، والمطالبة بمحاصرة التيار الذي يبدو أنه سيطر على موقع رئاسة الجمهورية.
ختاماً، وعليه، قد نفهم اليوم جزءاً يسيراً لما يحدث على أرض سورية من تهجير وقتل واغتصاب وتغيير ديموغرافي واحتلال إيراني سافر لأجزاء من سورية، إذا ما حاولنا الولوج إلى ما وراء السياسة الإيرانية والفكر الذي ستند إليه رجالات الجمهورية الإيرانية. إن الثورة السورية –فيما يعتقد أنصار ولاية الفقيه-ما هي إلا تبشير بقرب حدث خروج المهدي المنتظر!
المصدر : المركز العربي للابجاث ودراسة السياسات
الرابط: 

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top