ميسرة بكور
من الأيام الأولى لقيام الثورة السورية السلمية بدأت السلطة الحاكمة في دمشق أو ما يسمى “بالنظام السوري” بتصوير الحراك الجماهيري بأنه مؤامرة كونية على سورية.
وأطلق على المتظاهرين الذين تحولوا في ما بعد لثوار يحملون السلاح دفاعاً عن أرضهم وعرضهم وأموالهم صفات مثل “جراثيم. مرتزقة. خونة. تكفيريين”، وإنهم عصابات مسلحة مرتبطة بمشاريع خارجية هدفها إسقاط محور الصمود والتصدي.. والممانعة.. وكثير من هذة العبارات الإنشائية الهجينة التي أصبحت مدعاة للسخرية. وكان لا بد من إقناع الشارع الموالي لنظام الأسد بالدرجة الأولى ومن بعده الجماهير السورية بهذة النظرية، فانبرى إعلام الأسد وحلفائه ومواليه ومحازبيه والمحطات الروسية والإيرانية أو الممولة إيرانياً يكيلون أنواع الشتائم والاتهامات لهذه الثورة، حتى أن مرشد الثورة الايرانية وصف الثورة السورية أنها مؤامرة، وأن سوريا تواجه مؤامرة كونية على صمودها وعلى شعبها… فانكفأوا يحيكون الأخبار والقصص وفردوا الخرائط واستعانوا بالخبراء العسكريين والمحللين الاستراتيجين لإقناع السوريين على أنها مؤامرة يجسدها الأمير بندر بن سلطان وسعد الحريري وحلم أردوغان العثماني وإسرائيل، والتمويل القطري من يقف خلفها وأن ما يبثه الثوار من مقاطع فيديو أنها تصور في استوديوهات قطرية باستخدام مجسمات لمناطق سورية.
وبتناقض عجيب. حيث إن العالم كله يعرف حجم الاختلافات والتناقضات بين سياسات هذة الدول “حتى وصلت الأمور بينهم إلى مرحلة القطيعة” وكذا الأمر بالنسبة لمشروع أردوغان ومعظم دول الخليج العربي وإسرائيل، ولأداء هذه المهمة القذرة قام نظام الأسد بتجييش شرائح واسعة من الشارع السوري الموالي له من أجل ترسيخ روايته لمجريات الأحداث في سورية، مستخدماً الفن والفنانين والمطربات والراقصات وبائعات الهوى، في انحدار أخلاقي وقيمي مذهل لكنه ليس غريباً عن نظام البعث، مؤسسات الدولة تنسق مع الأمن في هدف وحيد، هو تمزيق البلاد والتلاعب بمستقبلها خدمة لأهداف غير وطنية بل تشويه الثورة السورية وتلطيخها بعار الخيانة والتبعية.
عطل نظام البعث العمل في معظم مؤسسات الدولة. بالأخص مؤسسات الحزب القائد للدولة والمجتمع. والأحزاب المنضوية تحت رايته من الجبهة الوطنية التقدمية. وكل الاتحادات “الاتحاد النسائي. اتحاد الفلاحين. نقابات العمال. اتحاد شبيبة الثورة. اتحاد الطلبة الذي أصبح يعد أنفاس الطلاب في الجامعات وتحولت مراكزه لمقار اعتقال تسوم الطلبة سوء العذاب. بدل من السهر على مصالحهم”.
وعلى الصعيد الرسمي، انصرف كبار المسؤولين في الحزب والدولة للاجتماعات واللقاءات الجماهيرية. مع كوادرهم لتعرية المؤامرة المزعومة وأسبابها التي تكمن في النيل من محور الممانعة. واستبدل ما يسمى بالجبهة الوطنية بهيئة التنسيق بادعاء أنها معارضة في الداخل تعمل دون أن يعترضها أحد. كان لهذه القيادات عمل واحد هو إثبات هذة المؤامرة وتحشيد الشارع إلى جانب نظام الأسد، ومن أجل إثبات صحة ما يروون ويحيكون من روايات. قاموا بافتعال بعض الحوادث التي ينبذها المجتمع السوري بطبعه. وبأدبيات تعايشه السلمي والتاريخي عبر العصور فبدأ بالعزف على الوتر الطائفي علنياً لتحشيد الأقليات إلى جانبه بعد أن كان سرياً وضمن فئة من طائفته العلوية، ونتذكر جميعاً حديث بثينة شعبان مستشارة الأسد في بداية الثورة “عن الطائفيين” وتولى أمن الأسد وآلته الاعلامية في الترويج للموضوع الطائفي حيث تم استحضار عبارات طائفية لم يكن أحد قد سمع بها من قبل مثل “المسيحي إلى بيروت. والعلوي على التابوت” والتي ظهرت فقط مرة واحدة في تظاهرة في اللاذقية التي تعتبر مركزه الأقوى والأكبر في الساحل السوري.
نشير هنا إلى أنه كلما تعرض نظام البعث الى حراك مناهض لحكمة استخدم مثل هذه العبارات فبعد أحداث الثمانينيات في حماه، تم استخدام عبارات طائفية من قبل شبيحة النظام منها على سبيل المثال “حط العنب على التفاح دين محمد ولى وراح” إذا هذا كان ديدنهم عبر العصور وهي صنيعتهم وهي دليل على عجز النظام وفشله في تكوين حاضنة سورية شعبية له رغم أربعين عام من حكمه بهذه الشعارات الطائفية المقيتة تم تحشيد المترددين من طائفة النظام. وجعل بعض الطوائف تتريث في اعلان موقف صريح من الثورة السورية.
ومن فبركات الاجهزة الامنية كذلك. ارسال مجموعات مسلحة تدعي الحراك الثوري لتطلق النار في الهواء تارة خلف المظاهرات او داخلها. فتبادر الكتائب الامنية بإطلاق النار على المتظاهرين بشكل مباشر تحت ذريعة الدفاع عن النفس. والبعض منهم كان يطلق النار خوفاً على انفسهم. ولم يتضح لهم الامر إلا بعد ان سفك الكثير من الدماء “من مصدر أمني” ومع ذلك اثبت نظام الاسد فشله وآلته الاعلامية بهذة الخطوات. حيث انضم عديد من فئات المجتمع السوري للحراك السلمي “الاسماعليين في مدينة السلمية. والمسيحين في القصير وأحياء حمص. وبعض قرى الدروز وو” لأنهم كانوا جميعاً يعلمون انها اكاذيب حيكت في اقبية المخابرات.
بالطبع ان معظم السوريين يعرفون انها ثورة ضد الظلم والتهميش والاقصاء والفساد المتمثل بحكم عائلة الاسد ولم يصدقوا كل هذا الكم من الافتراء والضخ الإعلامي ببساطة شديدة لأنهم هم من فجر الثورة وابناؤهم هم من يقودها لكن جزء من السوريين المرتبطين طائفياً بنظام الأسد او المتنفذين في اجهزة الامن والجيش وبعض التجار الذين بنوا ثرواتهم على حساب قوت الشعب وتزاوجهم مع السلطة وشكلوا طبقة تعلوا على جراح السوريين ولايعنيهم الا تكديس الاموال والاستئثار بالسلطة وشهوتها، دون رادع من ضمير او اخلاق.
ومع تطور الحراك السلمي للثورة السورية في معظم المناطق السورية وعجز اجهزة الامن من ايقاف تمدد الثورة وتسليط مزيد من الضوء عليها من قبل الاعلام ومراكز الدراسات والابحاث السياسية واجهزة المخابرات العالمية قام نظام بشار الاسد واجهزة مخابراته باخراج مظاهرات قام بها بعض المرتبطين به في بعض احياء وازقة المدن الثائرة او الموالية له تدعو النظام وتستجديه في انزال الجيش الى المدن والقضاء على الارهابيين فكان ذلك وبدأت مجازر جيش النظام الطائفي بذبح مدن وقرى سوريا وتقطيع اوصالها ومحاصرتها وقام بعملية قذرة حيث قام بتوزيع اعانات هزيله ويقوم مستلم الاعانه بالتوقيع على انه توقيع باستلام الاعانة وتبين انه توقيع عل طلب دخول الجيش الى مدينة حماة.
للأسف كان نزول الجيش الى الشوارع والمدن وترك جبهات القتال مع العدو المفترض اسرائيل كان هذا من اجل حماية كرسي الاسد وحكم عائلته. ولم يكن من اجل الوطن وليس من اجل حماية المواطنين من قطعان الشبيحة. ولما عجز جيش الاسد عن قمع الثورة السورية بل على العكس ازداد عدد الثوار وانشق الشرفاء عن هذا الجيش الفاسد. فما كان من بشار الاسد الا وان استجلب مرتزقه مأجورين من حزب الله وكل شذاذ الافاق وقطاع الطرق من ايران والعراق وافغانستان والعصابات الروسية. وجعل سورية وشعبها العظيم رهينة للنهب والسرقة والتدمير على يد عصاباته المجرمة بعد ان طال امد الثورة الى مايقارب الاربع سنوات. وفقدان الطائفة العلوية ما يقارب من نصف شبابها او يزيد بقليل. وفرار البعض الاخر وقيام كبار المسؤولين في الدولة والطائفة الى تهريب اموالهم وابنائهم الى اوربا. وشعور البقية الباقية من الطائفيين في التململ من قتل ابنائهم وهزائم جيش الاسد وعدم مبالاة الاسد بقتلاهم واسراهم خرجت بعض الاحتجاجات باصوات خافتة تولى الامن قمعها. ومثال ذلك عند خسائرهم واذلالهم من قبل تنظيم الدولة في الفرقة السابعة عشر ومطار الطبقة في الرقة وحقل الشاعر النفطي بحمص. مما عمق جراح الطائفة وزاد في تململها تجسد هذا بفرار العديد من شبان الطائفة من خدمة العلم. وسحب بعض الاسر لابنائهم من صفوف جيش الدفاع الوطني بعد ان اثخن الثوار فيهم وعمق من جراحهم ولأن هذا النظام لا يفهم الا لغة البطش والعنف ويعتمد في حكمه على القوة المفرطة. كان لابد من ان يأدب المتمردين والحلفاء السابقين فكان لا بد من ايصال رسالته لهم ((لنداوي جراحكن)) حيث تولت مؤسسة الوعد الصادق احد اذرع نظام الاسد لتشويه الثورة السورية التسويق لشعار الحذاء العسكري مكتوب عليه لنداوي جراحكِن. في رساله مفادها انه من يعترض او يحتج او يتمرد هذا دواءه عندنا، وفي عبارة اوضح يقول الاسد لمحازبيه ومواليه: طز فيكم وبجراحكم المهم الكرسي.
الرساله الثانية من استخدام هذا الشعار لبقية شرائح المجتمع السوري الثائر او المتردد. هي رسالة تهديد ووعيد بمزيد من العنف والتدمير والسحق. من العادات والعرف العام عند جميع دول العالم أن تكريم الجيش على تضحياته يكون برفع القبعة العسكرية وهي التي تعلو الرأس وبالتالي تدل على الشموخ والانفة بينما استخدام نظام البعث لشعار الحذاء العسكري هو اعتراف منه على انهم ليسوا اكثر من عصابة لاتستطيع العيش الا بمنطق الغابة، اختاروا ان يكون شعار حربهم على الشعب السوري ما هو اسفل القدم أي الحذاء، استبدلوا الاعلى “العقل” بالأدنا “الحذاء” هذا باختصار ايها السادة مفهوم الحذاء العسكري وهو يلخص لكم عقلية العصابة الحاكمة في دمشق.
المركز الصحفي السوري
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.