المواد المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع...



تبنى مجلس الأمن الدولي في السابع من شهر آب / أغسطس 2015 بالإجماع مشروع قرار 2235 والذي يؤسس آلية تحقيق واضحة في هجمات كيماوية وَقَعت في سورية مهمتها تحديد ومحاسبة الأشخاص والجهات المتورطة في هذه الهجمات.
وقد كتب القرار بلغة واضحة جداً لا تقبل التأويل أو اللبس، وهو مصاغ لتحقيق أهداف واضحة، وبتوافق تام بين الأمريكان والروس على محتواه، فهو يعلن في الفقرة العاملة الرابعة، وبكل جلاء، عن "تصميم مجلس الأمن على تحديد المسؤولين عن هذه الأفعال (مستخدمي السلاح الكيماوي)، ويعيد التأكيد على أن أياً من هؤلاء الأشخاص، أو الكيانات، أو المجموعات، أو الحكومات، والمسؤولة عن استخدام المواد الكيماوية كأسلحة، بما في ذلك غاز الكلور، أو أي مادة كيماوية سميّة أخرى، تتوجب محاسبتهم"؛ مما يجعل النظام المستهدف الأساس من القرار، خصوصاً وقد أشارت تقارير سابقة للأمم المتحدة إلى استخدام النظام غاز الكلور السام ضد مدنيين في سورية.
بالمقابل تجاوز نص القرار تحديد آليات محاسبة المسؤولين عن الهجمات وركز على التحقيق وتحديد المسؤولين، مما يستدعي إصدار قرار لاحق من مجلس الأمن لتحديد كيفية المحاسبة، إما عبر إنشاء محكمة دولية خاصة بالموضوع، أو عبر إحالة الملف إلى محكمة الجنايات الدولية؛ وبناءً عليه، فإن القرار يبدو وكأنه أقرب إلى اعتماد ورقة ضغط دولية على النظام تدفعه لتقديم تنازلات معينة لتأمين عملية الانتقال السياسي التي يطلبها الجميع.
ملاحظات حول الجانب العملي من القرار
القرار قصير وتقني، حيث يطلب بصيغة الأمر القانونية في الفقرة العاملة الخامسة من الأمين العام للأمم المتحدة بالتعاون مع رئيس منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية، أن يقدم لمجلس الأمن وخلال 20 يوماً "توصيات تتضمن القواعد المرجعية لإنشاء آلية تحقيق مشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية، مهمتها تحديد، الأشخاص، أو الكيانات، أو الحكومات التي ارتكبت، أو نظمت، أو دعمت، أو انخرطت بأي شكل آخر في استخدام السلاح الكيماوي في سورية، بما في ذلك غاز الكلور أو أي مواد كيماوية سميّة أخرى". بطريقة أخرى يطلب القرار إنشاء فريق تحقيق مشترك تكون مهمته تحديد أي طرف أمرَ أو ساهمَ أو غطى أو ساعد في عملية استخدام الأسلحة الكيماوية (ضد مدنيين أو عسكريين لا فرق) بهدف محاسبتهم لاحقاً، طبعاً دون إيضاح كيف ستتم المحاسبة، وإن كان قد التزم بها، وفق منطوق القرار.
ويعطي القرار في فقرته العاملة السابعة، صلاحيات واسعة لآلية التحقيق التي ستشكل، ويطلب من "الحكومة السورية" وجميع الأطراف في سورية التعاون الكامل معها، ويؤكد على حقها "بالوصول إلى أي موقع أو شخص أو مواد، داخل الجمهورية العربية السورية تعتقد آلية التحقيق أنه من المهم لها لإنجاز تحقيقاتها، وكذلك عندما تكون لديها قناعة مبررة مبنية على تقييمها الخاص للظروف والحقائق المعروفة في حينه، بما في ذلك المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، وأن هذا التعاون يتضمن أيضاً القدرة على التحقق من أية معلومات أو أدلة إضافية لم تتمكن لجنة تقصي الحقائق من الحصول عليها سابقاً، وتتصل بولاية آلية التحقيق المشتركة كما هو محدد في الفقرة العاملة 5"، مما يعني أن للآلية التحقيق الولاية للوصول والتحقق من أي موقع أو شخص أو مستندات أو وثائق أو أي نوع آخر من الأدلة، تعتقد أنه يفيد في إتمام التحقيقات، وهي ولاية واسعة وغير مقيدة، ومن المتوقع أن تقوم اللجنة باتباع مسارين واضحين للتحقيق، على الشكل التالي:
  • تحديد سلسلة القيادة، أي من يتخذ القرار باستخدام السلاح الكيماوي، ومن يعطي الأوامر بتنفيذ الهجوم، ومن يقوم بالتنفيذ.
  • تحديد وجود متدخلين ومشاركين في اتخاذ القرار، بما في ذلك احتمال وجود محرضي، مما يعني التحقق من دور أجهزة الأمن في رصد وتقديم المعلومات التي أدت إلى اتخاذ القرار باستخدام السلاح الكيماوي.
الخلفيات السياسية للقرار
شكل القرار مفاجأة لبعض الدوائر حيث لم يعلن سابقاً عن وجود مفاوضات بهذا الصدد، كما أن التعاون الروسي اللافت في هذا السياق يستحق التوقف عنده، ويمكن تفسيره برغبة الروس بامتلاك ورقة تهديد ضد النظام، تساعدهم في دفعه للامتثال لدعوات التفاوض، ويبرز في هذا الصدد الإحباط الروسي الذي نجم عن فشل مفاوضات موسكو 1 و2.
أما الإدارة الأمريكية فتجتهد في تفسير موقفها في طريقة تعاملهم السابقة مع الملف بحرصها على محاسبة المرتكبين، وبعدم اكتفائها بنزع السلاح الكيماوي. إلّا أن استمرار قوات النظام في استهداف المدنيين وتصاعد حدة استخدام سلاح الجو في قصف التجمعات المعارضة له، يضع جدّية مجلس الأمن الدولي موقع الشك والريبة.
لا يزال السؤال المشروع الذي يردده الشعب السوري منذ بدء الثورة "متى ستتحمل الدول الكبيرة مسؤوليتها في لجم جنون النظام" رسم الإجابة عند أمريكا وروسيا، فيما يبدو أن مجزرة دوما الأخيرة التي أوقعت أكثر من 100 شهيد جواباً كافياً له.
تاريخ النشر من المصدر : 18.05.2015
المصدر : مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
الرابط: 

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top