img

اغتيال الشيخ وحيد البلعوس دعسة زائدة أقدمت عليها أجهزة أمن النظام السوري ولها تداعيات كبيرة على علاقته بالمكون الدرزي المتركز جنوب البلاد، لكنها لا تصل إلى الدرجة التي قد تحدث قطيعة نهائية في علاقة الطرفين، والمقدّر أن تنتهي الأزمة بينهما بصياغة عقد جديد للعلاقة يمنح الدروز بعض التسهيلات وهامشاً أكبر في إدارة أنفسهم.
على عكس ما يتصور الكثير من المتحمسين الذين راهنوا على انضمام السويداء للتمرد على حكم الأسد، فإن تفحص الواقع في شكل عقلاني يثبت أن القضية أعقد من ذلك بكثير وأنها تخضع لاعتبارات كثيرة يندمج فيها الحل السوري النهائي وتشابكات الأزمة السورية الإقليمية والدولية بإضافة إلى تعقيدات الخريطة السورية المذهبية والسياسية.
على الأرض تبدو السويداء مرتبطة بدرجة كبيرة بنظام الأسد لدرجة يستحيل الانفكاك عنه، حتى أن السويداء نفسها لا تستطيع فعل هذا الأمر في الظروف الراهنة وحاجتها للنظام تبدو أكبر من حاجة الأخير لها رغم أنها تؤمن له وظائف إستراتيجية مهمة لحماية خاصرة دمشق من الجنوب ووظائف دعائية تنطوي قي إطار مزاعمه بحماية الأقليات ووحدتها ضد ما يسميه “الإرهاب التكفيري”.
في تفاصيل تلك العلاقة المعقّدة، يتكشّف أن كل المنظومة القتالية التي تأسست في السويداء، والمقدّرة بحوالى عشرة آلاف مقاتل، تأسّست بغرض محاربة الطرف الأخر وجرى دمجها ضمن فعالية وجهود منظومة الأسد، وتأسست عقيدتها القتالية على مبدأ حماية السويداء من الجماعات المعارضة” التكفيرية”، وهي تشكيلات أشرف النظام على تدريبها وتسليحها وبناء هيكليتها، وبالتالي فإن أمر الانفصام عنه أشبه بالمستحيل، بل إن الضغط في هذا الاتجاه من شأنه إحداث انقسام داخل المكون الدرزي قد يفضي إلى حرب أهلية داخلية، وذلك لوجود تيارات ترى في التصادم مع النظام تناقضاً ثانوياّ لا يصل إلى حد التناقض الجوهري مع الكثير من تشكيلات المعارضة الإسلامية.
من جهة ثانية، تبدو السويداء أكثر محافظات سورية ارتباطاً بالنظام الذي يؤمن لها كل الخدمات ويوظف شريحة كبيرة من أبنائها داخل أطر الدولة ويؤمن تالياً أسباب معيشتهم، فالمحافظة لا تحتوي على مشاريع استثمارية مهمة ولا تملك أراضي زراعية كافية لتحقيق شيء من الاكتفاء الغذائي الذاتي، حتى أن مصادر مياه شربها تأتي من درعا، ولا يوجد بدائل جاهزة لتأمين هذه الحاجات في هذه المرحلة.
اللأهم من كل ذلك سلهمت السنوات الماضية برفع مستوى التعقيد في العلاقات بين السويداء وجيرانها في محافظتي درعا والقنيطرة وحتى الريف الدمشقي، صحيح أن الأمور بقيت مضبوطة بدرجة كبيرة، لكن من دون وجود قنوات تواصل بين الطرفين إضافة إلى انعدام المشتركات بينهما، وهذا الأمر يصعّب بدرجة كبيرة حصول نقلة نوعية في علاقات السويداء، من علاقة مع النظام، حتى ولو كانت حذرة ومتوترة في الفترة الأخيرة لكنها تمتلك أطر وقنوات تواصل ومصالح متبادلة، إلى علاقة مع طرف عملت سنوات خمس على زيادة الريبة والشك بل والقناعة أنه يشكل خطراً وجودياً على المجتمع الدرزي.
تشكّل هذه الاعتبارات أساس حسابات الدروز في الخيارات التي سيتبنونها لحل أزمتهم مع النظام، ونظراً لقلة البدائل المتاحة سيرجحون البقاء على شكل معين من العلاقة مع النظام حتى نضوج بدائل أخرى، وأهم هذه البدائل تأكدهم من ذهاب سورية نهائياً الى التقسيم حينذاك قد يذهب الدروز إلى خيار الدولة الدرزية تحت مظلة إقليمية ودولية، وبخاصة أن بعض الترتيبات لهذه الدولة قد بدأت تتمظهر على شكل علم الحدود الخمسة وبنية قتالية يتم التجهيز لها لحماية هذا الخيار، مع العلم أن ذلك أيضاً لن يتحقق من دون توافق إقليمي شامل ذلك أن هذه الدولة سيكون لها تأثيرات إقليمية نظراً لتوزع الدروز على كامل منطقة بلاد الشام وسكنهم في مناطق متجاورة ومتواصلة بين سورية ولبنان وفلسطين.
لا يستطيع دروز سورية الثورة على نظام الأسد كما يشتهي وليد جنبلاط وكما يرغب معارضو نظام الأسد السوريون، هذا الأمر فات أوانه ولم يعد ممكناً تحقّقه، الوقائع على الأرض تبدو طاردة بقوة لمثل هذا الاحتمال، الدروز اليوم أمامهم خيار واحد إجباري التنسيق مع نظام الأسد تحت غطاء البقاء تحت ولاية الدولة السورية، إلى حين نضوج بدائل أخرى لم يأت وقتها بعد، على الأقل في هذه المرحلة.

الحياة

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top