img

شهد شهر آب/ أغسطس تطورات مهمة في الصراع السوري؛ إذ أتاحت تركيا للولايات المتحدة استخدام قاعدة عسكرية لها لضرب تنظيم الدولة الإسلامية، بينما بدأت إيران مبادرات دبلوماسية في بيروت ودمشق، وأجرت روسيا محادثات مع دول الخليج، والولايات المتحدة.
ووراء ضباب الحرب، وتعقيدات السياسات الإقليمية، وأسرار الدبلوماسية؛ ما هي أساسيات إيقاف حمام الدم في سوريا؟
على الرغم من البيئة المتغيرة بسرعة، فإن الطريق إلى اتفاق سياسي يظل طويلاً ووعرًا، بينما تتغير أولويات اللاعبين بشكل كبير. هذه الأساسيات في اللحظة الراهنة هي:
* تنظيم الدولة قد يكون محفزًا، وعدوًا مشتركًا للقوى الغربية وروسيا وإيران.
* الاتفاقية النويية مع طهران لها ثمن جيوسياسي واضح، إذ أن إيران ستلعب دورًا كاملاً في المشهد الإقليمي.
* تركيا والسعودية قد تستمران في اللعب بألعابهما، لكنهما في النهاية عليهما ضبط طموحاتهما مع الظروف الجديدة.
تغير الأمواج في ميدان منقسم
لأكثر من أربع سنوات، وبما ينسجم مع تاريخه الطويل من الحكم الديكتاتوري؛ أظهر نظام الأسد قدرة غير محدودة على ممارسة العنف. وبالرغم من أن السلطة ظلت مع عائلة الأسد -وعدد محدود من الحلفاء العلويين بما في ذلك عائلة مخلوف التي تنحدر منها أم الأسد- فإنها تعتمد على بنية أوسع من الفصائل المتحالفة، بالإضافة إلى حزب البعث، ومؤسسات الدولة والجيش؛ للبقاء في السلطة.
القوات المسلحة السورية مُستنزفة، وخسرت أراضي كثيرة مؤخرًا، لكن الجيش لا يزال مرنًا، بفضل الدعم المستمر من روسيا، والدعم الإيراني الكبير (بما في ذلك القادة العسكريون، وآلاف المقاتلين على الأرض)، ومساعدة آلاف المقاتلين من المليشيات الشيعية الداعمة لإيران مثل حزب الله اللبناني. وكما هو متوقع، فإن النظام متماسك في منطقتين يهتم بهما أكثر من غيرهما: منطقة اللاذقية-طرطوس على الساحل؛ وهي معقل العلويين وعائلة الأسد، ودمشق؛ وهي العاصمة. وعلى النقيض، فإن النظام لم يهتم أبدًا بالأكراد، الموجودين على الحدود مع تركيا.
وفي تحول مستقبلي، بحسب هذا المنطق، فإن من المقنع أن النظام قد يقبل بحظرٍ على سلطته السياسية على ممر اللاذقية-دمشق، بينما قد تحكم عدد من الاتفاقيات الإدارية بقية البلاد. الوجود الحالي للإدارة الكردية والبعثية والقوات العسكرية في منطقة القامشلي-الحسكة مثالٌ جيد.
المتنافسون على السلطة في سوريا
السؤال هو: من هم الفاعلون الذين سيهيمنون على ميدان المعركة، بينما يتشكل هذا الانقسام الداخلي التدريجي في سوريا؟
أكراد سوريا؛ هم أحدث المتنافسين في هذه الحرب الأهلية السورية، ويشتركون الآن بقيادة تنظيمات مرتبطة بالمليشيا الكردية “حزب العمال الكردستاني” (PKK)، بما في ذلك وحدات الحماية الشعبية (PYD). تحت تهديد التطهير الكامل من تنظيم الدولة، أثبتت وحدات الحماية الشعبية أنها القوة الوحيدة القادرة على النجاح الحقيقي على الأرض، على الأقل عند تأمينها بدعم جوي من الولايات المتحدة. بالرغم من أن وحدات الحماية الشعبية امتنعت عن مهاجمة غرب نهر الفرات (لأن امتدادًا كرديًا بهذا الاتجاه تمت معارضته من أنقرة مع إذعان أمريكي)، فإن أكراد سوريا أسسوا أنفسهم كقوة سياسية، وعسكرية سيتم اعتبارها بأي اتفاق سياسي مستقبلي، بالرغم من تركيزها على مناطقها الخاصة.
وعلى النقيض، فإن المعارضة المعتدلة التي دربها التحالف الذي تقوده أمريكا في تركيا فشلت فشلاً ذريعًا، إن لم تكن نكتة تراجيدية. حتى الآن، خرّج برنامج تدريب البنتاغون ما يقارب ٦٠ مقاتلاً فقط، ضمن هدف بما يقارب ١٥ ألف مقاتل خلال ثلاثة أعوام تقريبًا، والعديد منهم اختطفوا على يد القاعدة طالما حطوا أقدامهم في سوريا. في أرض من التحالفات المتغيرة وغير المستقرة، فإن تشكيل ثوار معتدلين قد يكون مهمة مستحيلة. بالرغم من أن هذا المشروع مدعوم من تركيا والسعودية، فإنه قد يكون استثمارًا ضائعًا بالنسبة لأمريكا.
إلا أن العديد من الإسلاميين السنة، والكثير من المجموعات الثورية المضادة للأسد -ليست مدعومة بشكل ضروري من الولايات المتحدة، لكنها في الكثير من الحالات مرتبطة بالسعودية وتركيا وقطر، أو الحلفاء الأمريكيين الآخرين- تظل ذات حضور قوي في المعركة. وبعكس وحدات الحماية الشعبية وتنظيم الدولة، المقتصرين على الصحراء الشرقية السورية، فإن هذه التنظيمات تواجه نظام الأسد في المناطق الغربية الكثيفة من سوريا، بما في ذلك المدن الكبرى مثل دمشق وحلب. والكثير منها يعتمد على الفاعلين الإقليميين، ويختار الاتفاق مع هذه القوى المتفاوتة، التي تتراوح من المحافظين السنة، والتنظيمات الإسلامية المرنة التي تُقاتل تحت راية الجيش السوري الحر جنوب سوريا، ومناطق أخرى، إلى التنظيمات الإسلامية المتشددة -مثل أحرار الشام وجبهة النصرة- المرتبطة بالقاعدة.
اللعبة الإقليمية
خلال السنوات الأربع من الصراع، دعمت روسيا بشكل ثابت النظام السوري بالذخيرة، والقطع الاحتياطية، مما ساهم في بقائه حتى الآن. منذ بدء حكم حزب البعث عام ١٩٦٣، كانت هناك علاقة سياسية قوية، وتحالف عسكري بين الدولتين. موسكو بلا شك حريصة على إبقاء تلك العلاقة، لكنها قلقة من دخول الجهاديين الشيشان مع تنظيم الدولة، والقاعدة، مما قد يترك تبعات جادة في بلادها.
الحليف الأكثر مبادرة للنظام السوري قد يكون إيران. هناك الكثير من التفكير بخطة وزير الشؤون الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للوضع في سوريا، لكن هذا يتم بحذر؛ لسبب بسيط: طهران ستتمسك بالحفاظ على قيادة “الهلال الشيعي” الذي يربط طهران، وبغداد ودمشق، وحزب الله في لبنان، والبقاء بتسليم الأسلحة والصواريخ لحزب الله عبر مطارات دمشق. إذن، مهما كانت التوقعات، فإن طهران ستظل بحاجة لحليف في دمشق، إن لم يكن الأسد نفسه. إيران عادت الآن للمسرح الدولي بعد توقيع الصفقة النووية، لكنها عادت بصخب، برغبة بأن تلعب أوراقها الخاصة.
الولايات المتحدة، بدورها، حصلت على استخدام لثلاث قواعد عسكرية جوية. من وجهة نظر عسكرية ضيقة، هذه تمثل انتقالة كبيرة نحو فعالية متزايدة (تقلل الرحلات لشمال سوريا، احتمالية الطيران فوق الأراضي المحتلة، وتسريع أوقات الالتفاف للطائرات)، وقللت الكلفة (بسبب المسافات الأقصر، وتقليل ملء الوقود في الجو)، ورفع الأمن (مهمات الإنقاذ والبحث من الأراضي المحتلة). طيران التحالف الذي يعمل من تركيا قد يكون قادرًا على منع تنظيم الدولة من الوصول لبوابته الرئيسة خارج العالم: جنوب شرق تركيا. ولكن، بقدر ما يمثل ذلك من أهمية، فإن هذا لا يضمن أن تنظيم الدولة سيُهزم.
إلا أن أنقرة تظل، وحدها، مركزة على حزب العمال الكردستاني، الذي كان يقاتل الحكومة التركية منذ نهايات السبعينات. الحملة التركية الجوية الجديدة استهدفت مواقع الأكراد أكثر من تنظيم الدولة. جزءٌ من هذا؛ بسبب عدم تساهل القيادة التركية مع القوات الكردية للحصول على أراضي شمال سوريا، بعد انتصار وحدات الحماية الشعبية في كوباني هذا الربيع، واتحاد اثنين من الأحزاب الثلاثة التركية، لكن تلعب السياسة المحلية وحدها دورًا في ذلك.
المكاسب الانتخابية في تركيا في ٧ حزيران/ يونيو ٢٠١٥ من حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، الذي تقول الحكومة إنه مرتبط بحزب العمال الكردستاني، جعل الأكراد العائق الأكبر لسعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظام رئاسي تنفيذي. ومما يثير القلق، يبدو أن الرئيس الآن يترك حساباته الانتخابية الخاصة تقود السياسة الخارجية التركية. دفاعها عن نفسها ضد الإرهاب هدف تشريعي لتركيا، لكن عندما استبدلت القيادة التركية فجأة سنوات من الكبح وعملية السلام الكردية بحملة عسكرية كاملة، فإن هذا يجلب مخاطر عالية للبلاد ككل، ويتناول مفهومًا من عدم التساهل من قبل حلفاء أنقرة.
ملامح التسوية بعيدة المنال
في هذا السياق الإقليمي، إصرار تركيا والسعودية المستمر على مغادرة الأسد للسلطة أصبح شيئًا من مشهد معزول، إذ أنشأ توترًا جديدًا بين أنقرة وطهران، وبينما تدعي أمريكا والحكومات الأوروبية التزامها بإزالة الأسد، فإن أولويتها الأولى هي احتواء، وتقويض تنظيم الدولة.
هنا، الخط الأخير مستقيم تقريبًا: لا اتفاقية طويلة على مستقبل سوريا ستتم دون موافقة روسية وإيرانية، ولا يتم هذا دون الحفاظ على مناطق واسعة من البنية العسكرية والإدارية السورية، إن لم يكن بإبقاء الأسد نفسه على المدى القصير. كل الفاعلين، بما في ذلك الأوروبيون، سيكون عليهم ضبط سياساتهم الابتدائية إذا أرادوا الوصول لاتفاقية حول مستقبل سوريا. السؤال هو فيما إذا كانوا يستطيعون الوصول مع الحلفاء السوريين والإقليميين باستراتيجية كهذه، وفيما إذا كانت إيران تستطيع أن تصبح المحاور الموثوق في سياسات المنطقة.
التقرير

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top