شهدت الأسابيع القليلة الماضية جهودًا دبلوماسية مكثفة بين كل من إيران، والمملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة، وروسيا، في ما يبدو كأنه تضافرٌ في الجهود؛ لكسر الجمود الذي يغلف الصراع السوري. وقد استمرت الحرب الأهلية متعددة الأوجه في البلاد على مدى أربع سنوات حتى الآن، مخلفةً أكثر من ربع مليون قتيل، بجانب تشريد ما يزيد على 10 ملايين شخص، في ما ينظر إليه على أنه أسوأ أزمة لاجئين في العالم على مدى نصف قرن من الزمن.
وكانت بعض هذه الاجتماعات الأخيرة بشأن سوريا نادرة أو غير مسبوقة:
– في الدوحة، أجريت محادثات ثلاثية بشأن سوريا بين وزراء خارجية الولايات المتحدة، وروسيا، والسعودية.
– كانت هناك زيارة نادرة لسلطنة عمان من قبِل وزير الخارجية السوري، الذي ذهب أيضًا إلى طهران؛ للقاء كبار المسؤولين الإيرانيين، والروس.
– في الرياض، كانت هناك تقارير عن اجتماع على مستوى منخفض، ولكن غير مسبوق، بين مسؤولي استخبارات سوريين، وسعوديين.
– وصل زوار أكثر أهمية إلى موسكو، مثل وزير الخارجية السعودي، وأعضاء من المعارضة السورية.
– أجرى وزير الخارجية الإيراني جولة عبر الشرق الأوسط، وعواصم جنوب آسيا، للترويج لخطة السلام الجديدة، التي تقول طهران إنها سوف تأخذها إلى الأمم المتحدة لاحقًا.
وليس هناك ما يشير بعد إلى أن أيًا من تلك الجهود سوف تحقق انفراجة في الصراع السوري. ولكن بالنسبة لكبار الدبلوماسيين الذين يركزون على الأزمة السورية، لا يبدو أنه كان هناك وقت للعطلة هذا الصيف.
زخم جديد
في المقام الأول، وفر الاتفاق النووي الذي توصلت إليه القوى العالمية مؤخرًا مع إيران زخمًا دبلوماسيًا جديدًا، وأدى إلى أنواع مختلفة من التنافس الدولي. ومع توفر الفرصة للخروج من العزلة، تحاول إيران تأكيد نفسها على أنها الدولة الشيعية الرائدة في منطقة الشرق الأوسط، ومُحاوِرًا أساسيًا في أي اتفاق سلام سوري.
وقد أثار هذا بدوره مخاوف المنافسة السنية الرئيسة لإيران؛ إذ تشعر المملكة العربية السعودية بالقلق من بروز إيران وتوثيق علاقاتها مع واشنطن. وبالتالي، يحاول السعوديون التواصل مع روسيا كثقل موازن، كي يظهروا للأمريكيين أنهم لم يعودوا قادرين على التعامل مع الولاء السعودي كأمر مفروغ منه، ولتحدي مطالبة إيران بالسيادة الإقليمية.
ويشعر الروس بالقلق من المحور الأمريكي-الإيراني الجديد أيضًا. ويبحث الرئيس بوتين دائمًا عن طرق لتعليم الأمركيين أنهم ليسوا اللاعبين الوحيدين في المنطقة. وبالتالي، تحاول موسكو أن تأخذ عباءة الوسيط الدولي الرئيس عندما يتعلق الأمر بسوريا من خلال التواصل مع السعوديين، وفي الوقت نفسه، تعزيز العلاقات مع إيران، ومحاولة إقناع المعارضة السورية بالتحدث إلى دمشق.
ويريد الأمريكيون أن يروا ما إذا كان بإمكان الاتفاق النووي الإيراني أن يحقق انفراجة فيما يتعلق بمعضلة سوريا، وتعزيز العلاقات الأخرى مع كل من طهران وموسكو، على حد سواء.
ويقول دبلوماسيون غربيون إنه، وبالرغم من الخلافات المريرة بشأن أوكرانيا، كانت روسيا مفيدة إلى حد كبير بما يتعلق بالمحادثات النووية الإيرانية. وبالتالي، هل من الممكن أن تساعد الاهتمامات المشتركة بشأن سوريا الغرب في رأب الصدع مع روسيا؟
مجابهة الدولة الإسلامية
ويقودنا هذا إلى السبب الثاني لعودة الدبلوماسية إلى الأجواء، وهو صعود ما يُسمى بالدولة الإسلامية في كل من سوريا والعراق. وتعد الحاجة الملحة لمواجهة صعود هذه المجموعة شيئًا من الممكن أن تتفق عليه كل هذه القوى الكبيرة.
وتحتاج إيران لرؤية إزالة أو احتواء تهديد الدولة الإسلامية، حيث إنه يعطل وصولها إلى حلفائها في حزب الله الشيعي في لبنان. ويتحدى هذا التهديد المصالح الإيرانية في العراق أيضًا، حيث تبسط الدولة الإسلامية سيطرتها على ما يقدر بثلث أراضي البلاد. وتعد المجموعة تهديدًا وجوديًا لحليف إيران في سوريا، الرئيس بشار الأسد.
وبينما نشرت “الخلافة” مخالبها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، وشنت هجمات إرهابية في المملكة العربية السعودية، تركيا، وأوروبا الغربية، تحولت هذه المجموعة من كونها تهديدًا إقليميًا لتصبح تهديدًا عالميًا.
ويشعر الكرملين، أيضًا، بالقلق. حيث يقوم جهاديو الدولة الإسلامية بالفعل بتجنيد الأتباع في روسيا، ومن الممكن أن يشنوا حملة تفجيرات لتهديد سلامة المواطنين الروس.
انتكاسات الأسد
وعلى أرض الواقع في سوريا أيضًا، لدى كل هذه الدول سبب للقلق. لقد شاهدت إيران وروسيا نفوذ وكيلهما، الرئيس الأسد، يتآكل بشكل مطرد. ولا يزال النظام السوري يسيطر على العاصمة دمشق وبلدات في الجزء الغربي من البلاد، ولكنه عانى من سلسلة من النكسات العسكرية على يد الدولة الإسلامية، وقوات مسلحة أخرى. وفقط في الأيام القليلة الماضية، أعلن الأسد عن أن قواته في شمال غرب سوريا قامت بالانسحاب إلى خط دفاعي جديد حول موطنه العلوي.
وفي الوقت نفسه، لا بد أن الولايات المتحدة وحلفاءها الخليجيين يتناقشون فيما إذا كانت استراتيجيتهم ضد الدولة الإسلامية في سوريا والعراق تعمل أم لا. ويستمر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والذي يتمتع الآن بدعم جديد من تركيا، في استهداف التنظيم المتشدد من الجو.
ولكن الضرر الذي تستطيع الضربات الجوية إلحاقه بالمجموعة محدود. والقوات البرية بالوكالة، والتي تعارض كلاً من الأسد والدولة الإسلامية على حد سواء، ضعيفة جدًا؛ بحيث لا تستطيع صناعة الكثير من الفرق.
السيناريو الكابوس
إذن، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وشركاءها قد يرحبون بإضعاف نظام الأسد، فإن تآكل قوة هذا النظام يشكل مصدرًا للقلق أيضًا. وإذا انهارت حكومة الأسد تمامًا، فسيكون هناك احتمال مخيف بأن الفوضى ستنتشر بشكل أكبر، وهو ما قد يسمح للجهاديين بتوسيع قبضتهم لتشمل البلد بأكمله.
وهذا هو السيناريو الكابوس، الذي يجب أن يوحد من الناحية النظرية كلاً من الولايات المتحدة، والسعودية، وإيران، وروسيا. ومن شبه المؤكد أن هذا السيناريو هو ما يؤجج آخر المشاورات الدبلوماسية المحمومة بين هذه الدول.
والمشكلة عندما يتعلق الأمر بالحل السياسي في سوريا؛ هي أن الخلافات القديمة حول ما يجب القيام به حيال الرئيس الأسد لا تزال مفتوحة على مصراعيها. وتقول إيران وروسيا إنه ينبغي أن يكون شريكًا شرعيًا في المعركة ضد متطرفي الدولة الإسلامية. ولكن الغرب والمملكة العربية السعودية يصران على أنه جزء من المشكلة، وليس من الحل.
ولكن هناك بعض الإشارات إلى أن الجانبين المتضادين يقتربان من بعضهما البعض. وتواصل روسيا الإصرار على أن دعمها ليس للرئيس الأسد نفسه، ولكن لحكومة سوريا الشرعية. في حين لم تعد الولايات المتحدة، والشركاء الغربيون الآخرون، يصرون على أنه “يجب على الأسد أن يرحل” قبل أن تكون هناك تسوية سياسية.
ولكن أي “صفقة كبرى” قابلة للحياة لا تزال تبدو حلمًا بعيد المنال. وليس من يقاتلون للاستيلاء على الأراضي في الواقع طرفًا في أي من هذه الجهود الدبلوماسية حتى الآن. ولذا فإن السؤال الكبير هو: هل تستطيع الدبلوماسية البطيئة أن تسرع من حركتها بشكل كافٍ؛ لمنع سوريا من الانهيار إلى فوضى عارمة، أم لا.
موقع التقرير
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.