لم تعد الحسبة حِكرا على تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق الخاضعة لسيطرته في سوريا، بل بات لها فرع في غوطة دمشق الشرقية، ولكن تحت راية فرع تابع لأشد أعداء التنظيم وهو جيش الإسلام.
وتتركز الحسبة حتى الآن بمدينة دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية ومعقل جيش الإسلام الأبرز، وأنشأت بعد معركتين شنهما جيش الإسلام على خصومه الداخليين.
وكان جيش الإسلام قد أطلق في شهر يوليو/تموز 2014 مع فصائل أخرى عملية عسكرية للقضاء على تنظيم الدولة، وعاد في نهاية العام نفسه ليشن هجوما منفردا ضد فصيل جيش الأمة، الذي تشكل من مجموعة ألوية تتبنى مبدأ الجيش السوري الحر، وكانت تهمة جيش الأمة هي: الفساد.
وبحسب ناشطين فإن التطورات مهّدت لجيش الإسلام لبدء توسيع رقعة سيطرته الاجتماعية والفكرية إضافة إلى العسكرية، فأنشأ مؤسسة الحسبة التي تعنى بمهمة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” من خلال حث الناس على أداء الصلاة في المسجد، ومراقبة مقاهي الإنترنت، ومنع وضع الصور على جدران المحال التجارية، وغيرها.
وللمؤسسة شق نسائي مهمته مراقبة الأعراس النسائية، وإغلاق مقاهي الإنترنت النسائية، ومراقبة حجاب المرأة واحتشامها.
وأدت تلك الخطوات لتقسيم الشارع بين مؤيد ومعارض، في ظل حصار مطبق على الغوطة، بين من يرى المؤسسة جزءا من الشعائر الإسلامية الصحيحة تقويما لأداء الناس، وبين من يراها مدعاة للسخرية والتهكم، وبين من يشبه أسلوبها بأسلوب تنظيم الدولة الإسلامية الذي يتهمه جيش الإسلام بالغلو والتطرف.
وترى ناشطة حقوقية تعمل في مؤسسة تعنى بشؤون الأطفال وتقيم في مدينة دوما -فضلت عدم الكشف عن اسمها- أنه ليس من المناسب فرض مؤسسة مماثلة على الناس في وقت تمر فيه الغوطة بحصار ومخاض سياسي وعسكري.
وأضافت أن أسلوب القوة بفرض القناعات الفكرية ومناهج العيش الاجتماعية غير عادل، وتفضل أن يكون ذلك عن طريق الدعوة السلمية والموعظة الحسنة. وأوضحت أن من حق الأفراد تصدير ما يؤمنون به من عادات وقيم لبقية الناس، “لكن ليس عن طريق القوة أو شراء الولاءات المزيفة بحفنة مال وفي ظل حصار يفتك بسكان الغوطة، ورأت أن أسلوب فرض الأفكار يبني من جديد جدارا من الخوف كان قد هدم منذ أربعة أعوام.
مراقبة الأسواق
وتستغرب الناشطة كيف يقدم العسكريون بشكل عام على فرض الأفكار والمعتقدات والعادات على الناس، وقد كانوا شركاءهم بصرخات الحرية الأولى، ورفاق السلاح أيضا في مشوار تحرير الغوطة.
ويقول الناشط يوسف البستاني الناطق باسم اتحاد تنسيقيات الثورة إنه كان على رأس مهام الحسبة عندما جاء بها الإسلام: مراقبة الأسواق والحد من التلاعب بالكيل والميزان والأسعار والغبن وغيره، بينما حسبتنا سارعت لمراقبة الناس بأفعالهم ومراقبة الأعراس واللباس، وتلك أمور تافهة لا يلقي أحد لها بالا في ظل وضع الغوطة المأسوي.
ولم تعط الحسبة اهتماما لأمور الأسواق والأسعار الفاحشة، فهي برأي البستاني أبعد ما تكون عن خدمة الناس، “فلو عملت تلك الحسبة على خفض الأسعار ومراقبة الغش لكان الجميع لها من الشاكرين”.
ويختتم حديثه للجزيرة نت قائلا إن سلطة الحسبة تستمد من جيش الإسلام وليس من القضاء الموحد، وهو ما يرفضه تماما.
الموعظة الحسنة
وأما الناطق باسم جيش الإسلام، إسلام علوش، فقال للجزيرة نت إن هدف الحسبة الأول والرئيس “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، والغوطة -بحسب وصفه- تسير نحو مأسسة الحياة المدنية بعد فقدان الإدارات الناظمة لتلك الحياة، فكان لزاما تأسيسها. وينفي علوش أن تكون الحسبة تابعة لجيش الإسلام فقط -بحسب ما يدعي البعض- فهي وليدة اجتماع تشاوري لمشايخ الغوطة وبتوجيه من القيادة الموحدة، حيث سميت هذه المؤسسة مديرية الدعوة والإصلاح الاجتماعي.
ومهام المديرية نصيحة المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة، وعملها هو إنكار المنكرات التي لا يختلف عليها أحد، وليس الخوض في التفاصيل.
وبرده على سؤال الجزيرة نت حول اتهام بعض الناس للحسبة بأنها مؤسسة استفزازية في مجتمع محافظ ومحاصر، قال علوش “إنها إصلاحية، وكان لها دور فاعل في ضبط الغش في الأسواق وموازين الباعة”. المصدر : الجزيرة |
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.