نازحون سوريون ـ أرشيف
الثلاثاء 11 أغسطس / آب 2015
رغداء زيدان - خاص السورية نت
لم يكن نزوح السوريين عن مناطق سكنهم جراء الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من أربع سنوات بالأمر السهل، فعلى الرغم مما رافقه من فقد للسكن وللأحباب وحتى للخصوصية والاستقلالية، حيث اضطرت كثير من الأسر النازحة لمشاركة غيرها في سكن واحد، مع ما في هذا من ضيق في المكان وفقدان للهدوء والراحة، إلا أن بعض الأمور الإيجابية عايشها النازحون رغم مرارة الواقع.
إلا أن النزوح بحد ذاته أسهم في تعريف السوريين على بعضهم بعضاً بصورة أكبر، ونقل النازحون معهم عاداتهم وتقاليدهم وحتى آكلاتهم ولباسهم.
تقول "مريم" من ريف دمشق، وهي إحدى السوريات اللواتي استضفن نازحات في بيتهن: "استضفت أسرة كريمة قدمت لبلدتنا من إحدى قرى حمص، بعد أن هاجم النظام وحزب الله قريتهم واضطرهم للنزوح هرباً بأولادهم، ولحسن الحظ فقد كان لعائلتي بيت خالٍ سكنوا فيه".
وتضيف: "صرت وهم كالأهل، فقد تبادلنا الزيارات، وكنا نشتكي همومنا لبعضنا، ونساعد بعضنا، ورغم أني كنت حريصة على تقديم ما أستطيع لهم إلا أنهم كانوا طيبين، مضيافين، قابلوا المعروف بمثله، وتطورت العلاقات بيننا حتى قامت الأم عندهم بطلب ابنتي للزواج من ابنها، وهو أمر لم يكتب الله تمامه لأسباب كثيرة".
من جهته يقول "أبو محمد" وهو أحد النازحين لإحدى بلدات ريف دمشق: "لم نكن نتصور كسوريين أن هناك اختلافاً بين مناطقنا، فلسورية جوها الخاص، وعادات أهلها المتشابهة، لكن النزوح عرفنا على خصوصية الأماكن المختلفة، وصرنا نعرف أن لكل بلدة وقرية في سورية خصوصيتها التي تميزها".
ويتابع: "أهالي سورية طيبون، وهذه المحنة التي مرت على سورية أظهرت طيب الناس، كما أنها أظهرت سيئات ذوي النفوس الضعيفة، لكن النزوح جعلنا نعرف أن سورية بلد الخير، والناس الطيبين".
ويصف "أبو محمد" كيف تمتنت علاقته بأهل القرية التي لجأ إليها، وقال: "لقد قررت البقاء هنا، بعد أن قصف بيتي في ضيعتي، وخسرت كل شيء، وبدأت أعمل في بعض الأعمال البسيطة هنا لأحصل على قوت يومي، وصار عندي صداقات كثيرة في البلدة التي لجأت إليها، حتى أن أم أحد أصدقائي أصرت على تزويجي من بنات البلدة، بعد أن وجدتني وحيداً لا أنيس لي، وبالفعل تقدمت لطلب بنت أحد معارفها، وكفلتني عندهم، وقد قبلوا تزويجي ابنتهم، ولم يكلفوني تكاليف باهظة، وكانت زوجتي ولله الحمد زوجة صالحة من بيئة صالحة".
وعلى عكس "أبو محمد" لم يكن "أبو مالك" موقفاً في نزوحه، فقد خرج من بلدته في أحد قرى حمص ولجأ إلى بلدة في ريف دمشق فيها أقرباء له، وقد استطاع أن يحمل معه بعض نقوده، لكنه تعرض لعملية سرقة، حيث سرق منه مبلغ من المال هو بحاجة إليه، ويقول: "لجأت لهذه البلدة لوجود أقارب لي هنا، رحبوا بي، لكني طلبت سكناً مستقلاً وبيتاً أستأجره، حتى لا أثقل عليهم، خصوصاً أن معي زوجتي وأولادي وزوجاتهم وكذلك أولادهم، ووجدت بيتاً بأجرة معقولة، ولم أقبل بأخذ مساعدات من الناس، مما جعل أحد ضعاف النفوس ينزل للبيت ونحن خارجه ويسرق من مالي ما وجده أمامه، دون أن يراعي حالتي ومصيبتي بفقد بيتي وتجارتي".
وبالمقابل تتحدث "مروة" عن الأسرة النازحة التي استضافتها في بيتها، لمدة شهر، وقد أسكنتهم على فرشها كما تقول، إلا أنها جاءت يوماً لتجد أن تلك الأسرة قد سرقت من منزلها ما خف وزنه وغلا ثمنه كما يُقال، ولم يقدروا أنها فتحت لهم بيتها ووثقت بهم.
وتعلق على ذلك قائلة: "لقد جعلوني أفقد الثقة بكل غريب، ورحت أحذر جيراني، طالبة منهم الانتباه والحذر من النازحين، وهو ما جعل بعضهم يمتنع عن فتح بيته للغرباء".
لجأ كثير من السوريين لأماكن أخرى أو لمحافظات أخرى غير المحافظات التي كانوا يسكنون بها، وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن هناك 6.5 مليون نازح داخلياً في سورية، بعضهم نزح أكثر من مرة، حاملاً معه آلامه وآماله، وتعرض بعضهم للاستغلال، كما كان بعضهم مستغلين لغيرهم، لكن المأساة السورية أظهرت طيب الشعب السوري، وقدرته على التحمل والتضامن، ومازال هذا الشعب بانتظار الفرج، آملاً بأن يعود كل غريب إلى دياره ولو بعد حين.
المصدر:
خاص - السورية نت

0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.