خلافا لما ردده كثيرون من أتباع النظام السوري لا أرى إطلاقا أي لمسة “إنتصار” في حديث رئيس تدمرت بلاده وتشرد شعبه وإنسلخت عنه محافظات بأكملها ويحتفل منتصرا بدعوى الإنسحاب من مناطق للحفاظ على أخرى “أكثر أهمية” فقط لأن “الجيش متعب”.
قبل أشهر فقط إستمعت كمشاهد عربي محروق على سوريا لخطاب رئاسي عرمرمي مماثل يعلن نهاية الحرب التي تشنها عدة دول على الشعب السوري على اساس ان سوريا تواجه اليوم “مشكلات أمنية” وليست “عسكرية” حسب منطوق الخطاب . لا زلت ابحث بهوس عن عبارة واحدة في خطاب العصابة- عفوا الرئاسة السورية أستمع فيها للزعيم وهو يعرب عن أسفه لسقوط القتلى والشهداء أو مشاعر الإستياء من تدمير المنازل ودفن اهلها أحياء . لا زلت أمني النفس بكلمة صريحة واحدة وجريئة في تشخيص النظام لما حصل في سوريا التي نحبها تتضمن مفردة يعترف فيها النظام ولو بإرتكاب بعض الأخطاء…فقط نظام بشار الأسد الدموي لم ولن يخطئ.. أي إنتصار بائس يتحدث عنه القوم في دمشق بعد نحو مليون قتيل وجريح وتشريد نحو خمسة ملايين سوري؟ أي إنتصار سقيم ينتهي بخطاب استعراضي إنشائي يبتسم فيه الرئيس امام السحيجة والمصفقين والكاميرات على اساس ان الإنتصار يتمثل في نجاة الكرسي والعائلة، أما سوريا فلتذهب إلى الجحيم هي وتاريخها وشعبها. لست من المتسرعين في نفي حصول مؤامرة على سوريا لكن لا احد من أنصار بشاعات النظام السوري يريد ان يسأل معنا عن مسؤولية ولو أخلاقية لمن “سمح للدب بإقتحام الكرم” ووفر أسباب المؤامرة من البداية ويصر على كبرياء الإجرام ولا يريد ان ينتبه لمستوى الحريق الذي إلتهم المدينة. خطاب الجيش المتعب المشحون عاطفيا في إستهلاكيات الرئاسة السورية يمهد بتقديري المتواضع لمرحلة جديدة فقصة الجيش المتعب والكادر البشري والإنسحاب من مناطق لحساب الحفاظ على مناطق أخرى أكثر أهمية.. لمن بصورة محددة؟.. لا أحد يدري..هذه كلها قصص عبارة عن “ذرائع” بتقديري الشخصي لتسويق مسوغات الإنتقال للمرحلة التالية في تقسيم وتحاصص سوريا فالنظام السوري يتجه نحو التخلي عن نصف الأرض ونصف الشعب والعودة لجذره الأصلي عبر التقوقع في دولة ساحلية طائفية منغلقة تشبه إسرائيل وتدعمها قوى إقليمية لها طموح في المنطقة. بشار الأسد وبمضمون خطابه الأخير بدأ يعد “ساندويشته” الخاصة التي يلعق بها كالذئب تماما دماء الشعب السوري الموجوع والمصاب. هنا ندخل في باب المعلومات وليس فقط التحليل فالعالمون ببواطن الأمور يتحدثون عن خطاب الجيش المتعب الأخير بإعتباره مقدمة حقيقية لما يلي: الإنغلاق حول منطقة جغرافية تمتد لـ 60 كيلومترا حول دمشق من الجهات الأربع والتخلي عن الجنوب والشرق والإحتفاظ باللاذقية والجزء الأكبر من حمص والبقاء في حيز جغرافي مؤثر وفعال في معادلة لبنان عبر مخلب القط ممثلا بحزب الله. التمكن من هذه الساندويتشة يعني التضحية بجزء من شمال البلاد وكل محيط حوران ودرعا وترك السويداء كورقة للتفاض على اساس حماية الأقليات. والحديث عن الجيش المتعب قد يكون رسالة للإدارة الأمريكية التي إستخدمت قواعد إنهاك الجيش وليس إسقاطه فبشار هنا يغازل الأمريكيين ويقول”تعبنا ..إلحقونا لأن البديل عنا الإرهاب”. النتيجة تكتيكيا في الذهن المريض للتفكير الطائفي في مؤسسة النظام بعد التمكن من الدولة “العلوية” والحرص على البقاء في جغرافيا أهل الشام وتجارها هو تحويل الشمال فعلا لمشكلة “تركية” والجنوب لمشكلة “أردنية” والشرق لمشكلة الجميع . التمكن من إنتاج الساندويتشة تطلب مبكرا تأمين القلمون وإعادة إنتاج المشهد في بعض أجزاء تدمر. بمعنى آخر يتهم النظام السوري كل العالم بالتآمر لتقسيم سوريا لكنه يبادر قبل الآخرين لتكريس هذا الإنقسام ويتخلى طوعا وبلغة بشعة وغير أخلاقية عن الشعب السوري في عدة مناطق ليس صدفة انها المناطق والمدن التي نزل أهلها للشوارع للمطالبة بوقفة ضد الفساد وببعض الإصلاح . رقص السوريون ستة أشهر بالشوارع مطالبين بالإصلاح قبل قصفهم بالبراميل المتفجرة ولأول مرة أستمع شخصيا لرئيس دولة يتحدث عن تعب الجيش وحاجته لتقسيم البلاد حتى يرتاح الجيش مع الإحتفاظ بأسطوانة المؤامرة المزعومة التي لا يمكن تحميل إلا النظام السوري نفسه وبكل الأحوال مسؤوليتها. سمعت خبراء مطلعين يتحدثون عن تقسيم سوريا ومفاوضات ينشطها الرئيس الأسد نفسه وجماعته مع الفرقاء الإقليميين والدوليين فيما أبلغني رئيس وزراء الأردن الصديق الدكتور عبدالله النسور بان التقارير الميدانية تتحدث عن تحشيد كبير للقوات الإيرانية في وسط سوريا في مشهد يبدو انه يمهد لسيناريو الساندويتشة.
بسام البدارين – القدس العربي
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.