تعاني أغلب المؤسسات الحكومية في محافظة السويداء مما يسميه مواطنون يسكنون فيها بـ “الانفلات الأمني”، ويعتبر أوضح نموذج على ذلك السجن المركزي في المحافظة التي تخضع لتشديد أمني في محيطها وداخل مدنها.
صفقات وتجارة لا شرعية تجري في أروق السجن، بدءاً من تجارة الأطعمة الفاسدة وصولاً إلى ترويج أنواع من الأدوية (المجانية) ثم العقاقير المخدرة.. أحد المفرج عنهم من هذا السجن يسمي ما يجري فيه بالفظاعات.
الياس هو الاسم الحركي الذي فضل المتحدث إطلاقه على نفسه، وهو طالب جامعي من أبناء محافظة #ريف_دمشق، اعتقلته سلطات النظام مطلع عام 2015، وذلك على خلفية مشاركته في المظاهرات وتنسيقها، حيث أمضى نحو عامين في السجون، تنقل خلالها بين عدة أفرع وانتهى به المطاف في سجن السويداء المركزي.
يقول الياس إن الفساد والسرقة وتجارة المخدرات وتصفية السجناء وغيرها من الجرائم كانت هي العنوان الأبرز لمن عايش فترة الاعتقال داخل سجن السويداء، وعلى الرغم من أن هذه الممارسات قد تبدو متواضعة أمام ما عرف عن ممارسات النظام السوري في السجون، من تصفية السجناء إلى التفنن في ألوان التعذيب، إلا أن الغريب – برأي الياس- أن تمتد هذه الممارسات إلى سجن مدني من المفترض أنه يخضع لرقابة منظمات حقوقية وإنسانية، محلية ودولية.
يتألف سجن السويداء المركزي من برجين بارتفاع 4 طوابق، وكل برج له باحة تنفس خاصة به، وجناح خاص بالأحداث (-18) وجناح خاص بالسيدات بالإضافة إلى “مستقلة” داخلية (غرفة كبيرة لمعاقبة المخالفين تصل لحد 3 أشهر) وذلك بعد تحويلهم إليها من المنفردات، وأيضا ًمستقلة خارجية خاصة بـ “الإسلاميين” المعتقلين من قبل بداية الثورة.
كما يوجد بوفيه واحد لكل برج “يشرف عليهما بشكل أساسي سجين اسمه نمير الأسد، إضافة إلى عدة أشخاص ذوي نفوذ من أمثال اسماعيل وردة و خالد النمول وفضل أبو جبل” وفق المصدر.
نمير الأسد معتقل بتهمة الإتجار بالمخدرات، ويعتبر من أصحاب النفوذ، ويشرف بالتعاون مع بعض ضباط السجن على تجارة المخدرات ضمن السجن، ويشكل شبكة داخلية لهذا الغرض بالتعاون أيضاً مع بعض المعتقلين بتهم الإتجار في المخدرات، كما تشرف شبكته بالتعاون والتنسيق مع ضباط السجن على ابتزاز السجناء وتلفيق تهم جديدة بغرض الحصول على الأموال منهم.
أما فيما يخص الضباط المسؤولين فيبلغ عددهم نحو 13 ضابطا يشكلون “عصابة” حسب تعبير الياس “همها الأساسي جني الأموال وتعذيب المعتقلين والتنكيل بهم”، ويذكر المصدر أسماء الضباط وأهمهم “العميد زياد بكرو (مدير السجن)، الرائد بشار حبيب (نائب مدير السجن) وقد كان مطرودا من الخدمة بسبب مقتل شخصين على يديه تحت التعذيب بفرع الأمن الجنائي في دمشق (باب مصلى)، إلا أنه أعيد إلى عمله في سجن السويداء مع بداية الثورة.
يناوب ضابطان في كل يوم في السجن، ويذكر “الياس” أن “النفوذ الأكبر ينحصر بشكل أساسي في مدير السجن ونائبه والملازم أول طارق أبو اسماعيل ومحمد المحمد، حيث ينفردون بصة الأسد في سرقاتهم، كما أن باقي الضباط يستفيدون بشكل كبير من سلطاتهم المطلقة داخل السجن من خلال ابتزاز المعتقلين وتلقي رشى منهم مقابل تحسين الخدمات، كما يقوم بعض الضباط بإدانة السجناء بالفائدة، فيما يقوم آخرون بتجارة المخدرات والخمور مع الموقوفين”.
يقوم الضباط المناوبون باستغلال أي مشاجرة بسيطة بين السجناء من خلال تخويف المعتقلين بتحويلهم إلى التحقيق، ومن هنا يتم أخذ الرشى منهم وفق المصدر.
يلفت الياس إلى أن أي مشكلة يتم حلها لقاء أخذ المال، كما أن الرشى هي العنصر المحرك لجميع قرارات وتصرفات ضباط السجن. وتعمد إدارة السجن التي يرأسها العميد زياد بكرو إلى “توزيع وجبات لا تكفي معدة عصفور، بكميات محدودة ونوعية رديئة مخالفة لما هو مخصص لهم، وعلى سبيل المثال لكل شخص يومياً ربع رغيف خبز فقط، وهذا شيء متعمد بهدف دفع السجناء لشراء طعامهم من الندوة (البوفيه) والمستثمرة من قبل أحد السجناء ذوي النفوذ واسمه محمد خيري يلقب بـ (آغا) والتي يعود ريعها إلى العميد، حيث تقدر أرباح البوفيه مايقرب من 600 ألف ليرة شهرياً، ثلثا هذا المبلغ يذهب للعميد، فيما يتم توزيع الباقي على الضباط حسب النفوذ والمحسوبية، وذلك مقابل ميزات يحصل عليها خيري لدى العميد”.
المشكلة لا تتوقف هنا، إذ “يقدم مستثمر البوفيه على شراء أطعمة فاسدة منتهية الصلاحية ومعدة للإتلاف وذلك لانخفاض سعر جملتها، ليتم بعدها بيعها للسجناء المضطرين بأسعار مرتفعة” وفق المصدر.
يروي الياس “يقوم المورد الأساسي المتعاقد مع السجن ويدعى فادي الصباغ بتولي هذه المهمة، من خلال تعاقده مع عدد من المحال والتجار في السويداء، لشراء مالديهم من بضاعة فاسدة بأسعار زهيدة، وكل هذا يجري بعلم وموافقة العميد”.
وأشار الياس إلى أن إدارة البوفيه “كانت تسعى لإخفاء تاريخ صلاحية الأغذية عن السجناء، من خلال بيع الأطعمة والمعلبات بالفرط عبر تفريغ محتوياتها بأكياس نايلونية شفافة، إلا أن بعض السلع كالعصائر والماجي لايمكن بيعها بمعزل عن أغلفتها، ومن خلالها تم اكتشاف انتهاء صلاحية هذه السلع من قبل السجناء، ورغم هذا فهم مضطرون لشرائها وذلك لانعدام البديل”.
يروي الخارج مؤخراً من أروقة هذا السجن إنهم كانوا يواجهون أزمة مياه “تفوق تلك التي في المناطق المحاصرة، حيث تتقصد إدارة السجن قطع المياه وتعطيل مضخات المياه عن طوابق السجن، وذلك لإجبار السجناء على شراء مياه الشرب والاغتسال، بالمقابل سمح مدير السجن لأحد السجناء باستثمار ورشة لغسيل ملابس السجناء المضطرين لإرسال ملابسهم إليها نتيجة انقطاع المياه، وبدوره يسمح بضخ المياه إلى هذه الورشة فقط، لقاء مبالغ مالية، كما أن معظم أرباح هذه الورشة تعود إلى مدير السجن وحاشيته”.
يفيد “الياس” في شهادته على ما يعانيه المعتقلون داخل سجن السويداء المركزي، موضحا أن الأطعمة الفاسدة والطبابة سيئة، إضافة إلى مياه الشرب الملوثة نتيجة الخزانات الصدئة وقلة النظافة، ما أدى إلى تفشي وظهور أمراض كان يعتقد أنها انقرضت وعلى رأسها اليرقان والتهاب الكبد والأمعاء والتسمم، بالمقابل لايتوفر في السجن أدنى درجات الوقاية والعناية من قبل المستوصف الطبي في السجن.
ويذكر “الياس” عددا من زملائه الذين قضوا نتيجة قلة العناية الطبية ومنهم “محمد هزاع السباعي” من مدينة حمص (متهم بالإرهاب) و”إبراهيم البله” (معضمية الشام) و”وليد عبده”، وذلك في أواخر شهر تشرين الأول/اكتوبر من عام 2016، حيث وافتهم المنية بعد نقلهم إلى سجن عدرا بدل إسعافهم إلى المشفى.
في سياق الطبابة يذكر الياس عدة أمثلة عن سعي إدارة السجن إلى استغلال أي ثغرة تمكنهم من جني الأموال، فالدواء والكشفية والعلاج كله بالمال، فمسؤول الطبابة في السجن هو ضابط طبيب برتبة نقيب، وهو بدوره “تعاقد مع طبيب أسنان وبات يعمل كطبيب عام في السجن، ويتقاسمان مع مدير السجن الأرباح العائدة من الكشفيات وبيع الدواء الذي من المفترض أن يوزع بالمجان على محتاجيه من السجناء”.
ولا يقتصر الأمر على هذا النحو فحسب وفق المصدر؛ فلهذا الطبيب “مهام إجرامية من تصفيات للسجناء وذلك بأوامر من العميد أو مسؤول التحقيق الملازم محمد محمد”.
وفي هذا الصدد ذكر الياس حادثة كان شاهداً عليها في تصفية أحد السجناء ويدعى عصام قدورة من مدينة دوما، فقد “كان قدوره يعاني من مرض عضال في رأسه ويداوم على تناول وصفة طبية لمنع تدهور حالته الصحية، حيث أقدم طبيب الأسنان وبأوامر من مسؤول التحقيق على إيقاف هذه الوصفة، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية، ثم قام الطبيب المسؤول في السجن بإعطائه جرعة عن طريق الحقن في الفخذ لايعرف ماهي، وبدل إسعافه إلى أحد المشافي تم وضعه في منفردة حيث تأزمت حالته، ليأتي هنا دور أحد جلادي السجن وهو الشرطي مراد أبو دقة الذي قام بضربه بشكل مبرح داخل المنفردة، وماهي إلا ساعات حتى أعلن نبأ وفاة قدورة، وقبيل حضور الطبيب الشرعي لكتابة تقرير الوفاة، قام الملازم محمد محمد بتهديد السجناء من مغبة البوح بأسباب الوفاة، قائلاً إن قدورة هو من أقدم على الانتحار عبر لطمه رأسه بحائط السجن”.
حول سؤال عن كيفية تجنب إدارة السجن المدني لحملات الرقابة التي تشرف عليها المنظمات الحقوقية واللجان التفتيشية التابعة لوزارة الداخلية، على اعتبار أن هذا السجن مدني ومن السجون المعلنة، وذلك بخلاف تلك السرية في أقبية أفرع المخابرات، والتي شهدت حملات إبادة ، يقول الياس “إن معظم هذه الجولات الرقابية هي شكلية، ويتم إخطار إدارة السجن بها بشكل مسبق وبناء عليه تتخذ الإجراءات من قبل مسؤولي السجن، مثل تحسين جودة الطعام وزيادة كمياته وكذلك مياه الشرب في يوم التفتيش، كما يتم العناية بالنظافة وجلب وانتقاء أشخاص في غالب الأحيان من خارج السجن للقيام بدور الممثل أمام هذه اللجان، بعد تلقينهم بشكل مسبق ما يجب عليهم التحدث به في حال وجه إليهم أي سؤال من قبل هذه اللجان، كما يتم تهديد بقية السجناء من مغبة الإدلاء بأي شهادة حق تتحدث عن مرارة واقعهم، وأما فيما يخص لجان التفتيش الرسمية وبالاخص التابعة لوزارة الداخلية فالأمر يكون أكثر سهولة، وذلك عبر توزيع الرشى والهدايا عليهم لإسكاتهم، والأمثلة في هذا الصدد كثيرة لا مجال لحصرها”.
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.