تسعى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، إلى لفت الأنظار عن المعضلة الكبرى التي تمنع التوصل إلى حل للملف السوري، عبر اختزالهما للمشكلة بوقف إطلاق النار في سورية، وإيصال المساعدات للمتضررين جراء سياسات النظام، وتنحية مطالب المعارضة الأساسية بضرورة رحيل الأسد عن السلطة، لا سيما وأن دولاً غربية عدة أكدت مراراً على فقدانه الشرعية لتسببه بمقتل ما لا يقل عن 300 ألف شخص.
إضعاف المطالب
وبدا أنه منذ نهاية فبراير/ شباط تاريخ الاتفاق الروسي – الأمريكي لوقف إطلاق النار في سورية، أن الدولتين العظمتين تريدا اختزال الملف السوري بمنع النظام عن إمطار المدنيين بالبراميل والصواريخ، والسماح بإدخال بعض المواد الغذائية والطبية لآلاف المحاصرين من قبل قوات النظام إلا أنهما فشلتا أيضاً في تحقيق هذا الأمر.
وفي ذات الوقت تكثف روسيا من مساعيها لتشكيل حكومة وحدة وطنية من النظام والمعارضة يبقى الأسد فيها على رأس السلطة، وهو ما يرفضه تماماً وفد "الهيئة العليا للمفاوضات" الممثل للمعارضة السورية في مفاوضات جنيف.
ويشير البيان الذي صدر، أمس الثلاثاء، عن المجموعة الدولية لدعم سورية، وعلى رأسها أمريكا وروسيا، أن كلا البلدين يمضيا في تطبيق جهودهما التي تفضي إلى جعل مسألة رحيل الأسد قضية ثانوية.
وقف إطلاق النار
وبشكل أساسي ركز بيان المجموعة التي ضمت 17 دولة بينها إيران، على محاولة إنعاش وقف إطلاق النار "الهش"، سيما وأن موسكو وواشنطن حاولتا إعادة إحيائه مرة أخرى، من خلال اتفاقهما في 29 أبريل/ نيسان الماضي، على التوصل إلى "تهدئة" شملت في البداية ريف اللاذقية، وضواحي دمشق، ومن ثم ضمت إليها حلب بعد سلسلة من المجازر المروعة التي ارتكبتها قوات النظام فيها. وهو ما دفع مراقبون للقول إن الاتفاق الثاني يؤكد فشل الاتفاق الأول.
ووفقاً للبيان الصادر عن لقاء المجموعة الدولية، أمس، تم التركيز بشكل أساسي على ضرورة المحافظة على "اتفاق وقف إطلاق النار"، وبدت فقرات البيان ضعيفة في محتواها، إذ وردت فيها عبارات سبق وأن أثبت تطبيقها على الأرض السورية فشلاً، كـ "حث أعضاء المجموعة الدولية على الامتثال من كافة الأطراف لشرط وقف الأعمال العدائية".
وسبق أن طالبت دول عدة بتطبيق هذا البند، إلا أن النظام ارتكب منذ الاتفاق الأول لوقف إطلاق النار مئات الخروقات التي وثقتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إلى جانب خروقات أخرى ارتبكتها القوات الروسية المساندة له.
غياب الإدانة
ويبدو أن روسيا استطاعت فرض أجندتها على بيان المجموعة الدولية، إذ لم يشر البيان صراحة إلى المجازر التي ارتكبتها قوات النظام، لا سيما باستهدافها المشافي في حلب، وقتلها آخر طبيب للأطفال بمناطق المعارضة.
واعتبر أن جميع الأطراف في سورية متساوية بالانتهاكات، إذ "أعربت المجموعة الدولية عن قلقها البالغ إزاء تزايد عدد الضحايا المدنيين في الأسابيع الأخيرة، موضحتا أن الهجمات على المدنيين، بما في ذلك الهجمات على المرافق الطبية، من قبل أي طرف، أمر غير مقبول تماما"، وفقاً للبيان.
في السياق ذاته، استطاعت واشنطن وموسكو، الإيحاء بأن المشكلة الكبرى في الملف السوري، تكمن في ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين إليها.
وركز البيان في جزئه الثاني على ضرورة أن يحظى المنكوبون في سورية على المساعدات، وعلى الرغم من امتناع النظام بشكل واضح لتنفيذ القرارات الدولية بهذا الصدد، إلا أن الدول الكبرى أعادت دعوته بالسماح للمنظمات الدولية بإيصال المساعدات بما فيها المواد الطبية للمواقع المحاصرة، دون أن يحمل البيان أي صغة تهديدية في حال الرفض.
موقف المعارضة
يبدو أن قوى المعارضة السورية خصوصاً وفد "الهيئة العليا" مدرك للمسار الذي تنوي روسيا وأمريكا المضي به بالملف السوري، وبدا ذلك واضحاً منذ بدء مفاوضات جنيف 3، إذ أصرت المعارضة على أن مطالبها لا تختزل في إدخال المساعدات الإنسانية، ووقف القصف، واعتبرت أن هذه القضايا الإنسانية خارج نطاق التفاوض، وأن المباحثات لا بد أن تصب في خانة تشكيل هيئة حكم انتقالي تنهي بقاء الأسد في السلطة.
وبدا أيضاً أن وفد "الهيئة العليا" مدرك لفشل الدول الكبرى حتى في جعل رحيل الأسد مسألة ثانوية، مقابل إدخال المساعدات، ووقف القصف، إذ قال الناطق باسم الهيئة، رياض نعسان آغا، في تصريح لصحيفة الشرق الأوسط: "إذا كانت الدول العظمى لا تستطيع إدخال مساعدات إلى المحاصرين، فكيف للمبعوث الأممي (ستيفان) دي ميستورا أن يقرر إذا كانت هناك جولة جديدة من المفاوضات؟".
وفي رفض ضمني للعودة إلى طاولة المفاوضات، اعتبر آغا "الحل بعد مؤتمر فيينا بات أسوأ مما كان قبله، فالشعب السوري كان يراهن على بارقة أمل من هذا المؤتمر علّه يتقدم خطوة إلى الأمام، فإذا به يعود عشر خطوات إلى الوراء".
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.