عندما يعقد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري محادثات السلام من أجل سورية يوم الجمعة في نيويورك، من المفترض أن يكون محور الاجتماع يدور حول مصير الرئيس بشار الأسد، وخاصة بعد توحيد مواقفهم حول المجازر المروعة التي ارتكبها الأسد، والموثقة وفق تقارير، وقد صرح عدة مسؤولون أمريكيون بأن مسألة تقديم الأسد للعدالة هي موضوع النقاش الحالي.
إلا أنه قد يرى بعض الحلفاء الغربيون تقديم مسالة إنهاء المذبحة السورية على محاسبة الأسد، بالرغم من تأييدهم لضرورة محاكمة الأخير لدى المحكمة الجنائية، حيث قال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند من خلال مقابلة أجريت معه مؤخراً: "أنا لم أتخلَ عن الفكرة، إذا كان هناك عدالة في العالم، فإن بشار الأسد سينتهي في لاهاي، سواء كان ذلك سيحدث أم لا فهذه مسألة أخرى، المسألة الأخلاقية الآن هي إيقاف القتل".
ويعترف العديد من المسؤولين الغربيين بشكل سري لضرورة تسليم السلطة مع مغادرة الأسد دمشق دون محاسبة، ويعني ذلك السماح له بالتقاعد في ظل حياة مريحة وخاصة تحت إجراءات أمنية مشددة في روسيا أو إيران (داعميه الرئيسيين).
وفي الوقت نفسه حذر نشطاء حقوق الإنسان تجنب التفكير في هذا الأمر، حيث قال ستيفن راب والذي شغل منصب سفير أوباما المتجول لقضايا جرائم الحرب: " إنه خيار زائف، فكرة أن تتمكن من المضي قدماً (بتسوية السلام) دون مساءلة هو أمر مستحيل".
ويضيف راب بأن إحضار الأسد ودائرته إلى العدالة سيكون صعباً للغاية، وربما غير قابل للتصديق على المدى القريب. من غير المرجح أن يقبل الرئيس السوري اتفاقاً من شأنه أن يضعه أمام محكمة دولية. وبينما تكتسب "الدولة الإسلامية" السلطة وتثير اهتمام الغرب، فإن الأسد يزيد من سطوته.
وفي الأسابيع الأخيرة، يبدو أن الولايات المتحدة قد خففت من موقفها أيضاً من متى يتطلب على الأسد أن يسلم السلطة. بالرغم من تصريحات أوباما المتكررة بضرورة تنحي الأسد، ولكن بعد اللقاء الثنائي ما بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الأمريكي جون كيري في موسكو يوم الأربعاء، حدث عكس ذلك، صرح كيري: "أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى ما يسمى بتغيير النظام، وأن السوريون هم من سيقررون مستقبل بلادهم". وقد نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بأن تصريحات كيري قد مثلت تغييراً في موقفها اتجاه الأسد إذ قال: "لم يتخل أحد في الأمة عن فكرة وجوب رحيل الأسد".
وقد اعترف مسؤول سابق في إدارة أوباما بأنه من الصعب التخلص منه كما هو يجب في الوقت الحالي. وحتى في حال إدراجه تحت لائحة الاتهام فستكون الفرصة أقل"، وفي المقابل أخبر المسؤولون العرب نظرائهم الغربيين، بأنهم لا يعتبرون وجود الأسد ضرورة، وفي حال وافق على الرحيل فسيجدون له مكاناً أمناً.
حيث أجتمع دبلوماسيون من أكثر من اثني عشر دولة داعمة للفصائل المسلحة في الحرب الأهلية السورية في نيويورك يوم الجمعة بعد أن عُقد اجتماعيين سابقين تمهيداً لذلك في فيينا، من أجل البدء بجولة محادثات السلام الرامية إلى إنهاء الصراع الذي أودى بحياة أكثر من 250,000 شخص والذي مكن “الدولة الإسلامية" من الصعود.
وقد جاء هذا الاجتماع بعد إصدار مراقبي حقوق الإنسان تقارير جديدة توثق الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد، حيث يستند هذا التقرير إلى أكثر من 28000 صورة لمئات الأشخاص الذين لقوا حتفهم تحت التعذيب في سجون الأسد، وقد تم تهريب الصور من قبل مسؤول عسكري سابق لدى الحكومة السورية ويعرف باسم قيصر، ويدعو التقرير المجتمع الدولي إلى ملاحقة المسؤولون عن هذه الجرائم.
ومنذ بداية الانتفاضة السورية في أوائل عام 2011، قصفت قوات الأسد المناطق المدنية بشكل عشوائي واستخدمت غاز الأعصاب وغاز الكلور ضد المدنيين. حيث وجد تقرير لمنظمة العفو الدولية يتحدث يعود لعام 2013 عن استخدام النظام للبراميل المتفجرة (الممتلئة بالمتفجرات والقطع المعدنية والتي يتم اسقاطها من المروحيات) التي قد اخلفت 11000 قتيل من المدنيين في حملة من "الرعب المطلق والمعاناة التي لا تطاق".
وبالتالي هذا لا يعني بأن المسؤولين في إدارة أوباما لا يأخذون جرائم الأسد على محمل الجد، فقد حاربت سفيرة أوباما للأمم المتحدة سامانثا باور، والتي كانت سابقاً صحفية لحقوق الإنسان من أجل إحضار مجرمي الحرب إلى العدالة، وقد أدخلت الولايات المتحدة في مجلس الأمن من أجل السعي وراء محاكمة الأسد ومعاونيه قضائياً في أيار 2014، ولكن روسيا والصين قد اعترضتا مراراً على مثل هذه التدابير، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين حليف قوي للأسد، وشككت كل من موسكو وبكين بالمفاهيم الغربية للعدالة الدولية.
ويعقب مسؤولون بأن محاكمة الأسد تتطلب محكمة مستقلة أي خارج الأمم المتحدة، حيث تشرف عليها المحكمة الجنائية الدولية في لاهي. وربما كانت أفضل محاكمة لهذه للجنائية الدولية هي إدانة الديكتاتور السابق الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش على جرائم الحرب التي ارتكبها في منطقة البلقان في التسعينات. ثم ألقي القبض عليه من قبل السلطات الصربية في عام 2001 وذلك بعد أن ترك السلطة، ثم نقل إلى لاهاي، حيث أدانته المحكمة الجنائية الدولية في عام 2005. (وتوفي في السجن في العام الذي تلاه).
وقد تمت الإشادة بإدانة ميلوسيفيتش باعتبارها أهم محاكمة دولية منذ محاكمة زعماء النازية في نورمبرج، واحتفل بها المدافعون عن حقوق الإنسان باعتبارها رادع ضد جرائم الحرب المستقبلية التي قد يرتكبها رؤساء الدول. ولكن يرجع الفضل جزئياً إلى المقاومة الروسية والصينية، لعدم تنظيم لاهاي لأي محاكمات كبرى منذ ذلك الحين.
حتى مع محاولة كيري للتوسط بين الأسد والثوار السوريين المعتدلين، فإن المسؤولين في مكتب وزارة الخارجية للعدالة الجنائية العالمية يعملون وراء الكواليس لتجميع ملف الأدلة التي يمكن استخدامها ضد الأسد في محاكمته. ولكن إذا كان الأسد مهماً بالنسبة لروسيا أو إيران، فإن المسؤولين يقولون إن احتمالات تسليمه إلى المحاكمة منخفضة.
وقال راب أن هذه المشكلة ستواجه في وقت لاحق. وفي المدى القريب، يجب على كيري ضمان أن أي اتفاق سلام في سورية يتضمن لغة واضحة لتأسيس "عملية العدالة"، حيث قال: "هذا لا يعني بالضرورة أن العدالة ستصل مباشرة إلى القمة، وهذا لا يعني أن على الناس الخروج من المرحلة والمغادرة وربما يتابعون في وقت لاحق".
وأضاف: "ولكن لا يمكن أن يحصلوا على اتفاق يقر بحصولهم على بطاقة خروج من السجن مجانية وبموقع دائم الحصانة".
في آب من عام 2013، قال أوباما أثناء استعداده لتنفيذ ضربات جوية ضد سورية، أن على نظام الأسد أن يتحمل مسؤولية استخدامه للأسلحة الكيميائية. حيث قال: "إذا لم نفرض نوعاً من المساءلة في مواجهة هذا العمل الشنيع، ما الذي يمكن أن يقال عن عزمنا على الوقوف في وجه الآخرين الذين ينتهكون القواعد الدولية الأساسية؟".
لكن أوباما ألغى الضربات الجوية بعد أن واجه مقاومة سياسية وتوصل إلى اتفاق مع روسيا لإزالة ترسانة الأسد الكيميائية، ومنذ ذلك الحين، واصل نظام الأسد مهاجمة المدنيين بغاز الكلور.
ووجهة نظر مواجهة الأسد للعدالة – أو حتى اجباره على ترك السلطة – ليست نظرة إجماعيه في السياسة الأمريكية، ففي النقاش الجمهوري يوم الثلاثاء، انتقد سيناتور تكساس تيد كروز أوباما لإصراره على رحيل الأسد، حيث قال: "إذا كنا سنسقط الأسد، فستكون النتيجة أن تستولي داعش على سورية، وستسوء مصالح الأمن القومي الأمريكي".
على الجانب الآخر، حتى بعض منتقدي سياسة أوباما تجاه سورية الذين يشعرون بأن الولايات المتحدة لم تفعل ما يكفي لإزاحة الأسد، يجادلون بأن محاكمته قد لا تكون منطقية.
وقال روبرت فورد، سفير أوباما السابق إلى دمشق: "أنا لا أعتقد أنني سأوقف أي شخص يدافع عن حقوق الإنسان في سورية، ولكنني سأقول إنه إذا كان سينهي الحرب قبل ستة أشهر وسينقذ 15,000 شخص، فأعتقد أنني سأنظر في الأمر". ميشيل كرولي
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.