المواد المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع...
تاريخ النشر : 17.09.2015
غيرت الأحداث الأخيرة في سورية وموقف "حزب الله" الداعم لنظام الأسد بذريعة الدفاع عن الشيعة، وقراهم، وأضرحتهم، الديناميكيات بين سنّة وشيعة لبنان، فتغير خطاب حزب الله مع القيادات السنّية في الداخل وفي المنطقة، على رغم التزام الموقف الرسمي اللبناني بالنأي عن النفس، حيث قيل للحاضنة الشعبية الشيعية إن العدو اليوم هو التكفيريون السّنّة وأنّ المعركة المقدسة تحدث اليوم في سورية، وببطء لكن بثبات جُر المجتمع إلى الكراهية الطائفية والغضب.
الحرب المقدسة
في بداية الثمانينات، بنى "حزب الله" خطاباً يوطد روايته السياسية والتاريخية بهدف صياغة الذاكرة الجمعية الشيعيّة تدريجياً. فقد وظف "حزب الله" ذكرى معركة كربلاء التي تمثل جذور الانشقاق التاريخي بين السّنّة والشيعة؛ واقترنت مقاومة إسرائيل في خطاب "حزب الله"، بمقاومة الحسين وعائلته ليزيد. ولا تزال تروى حكايات "النصر الإلهي" الشيعي؛ بإشارة منه إلى عن أرواح الحسين وعائلته التي تساند مقاتلي "حزب الله" في معاركهم ضد الجنود الإسرائيليين وقد تمّ دمجها في الذاكرة الجمعية عن كربلاء.
قادة "حزب الله" يستخدمون العديد من هذه الرموز لربط قتالهم في سورية بمهمة مقدسة. هذه المرة، ليست فقط الدفاع عن الشيعة في سورية، أو عن اللبنانيين على الحدود اللبنانية، أو حتى عن المزارات الشيعيّة؛ فالمهمة الحقيقة التي يسوقها "حزب الله" لمجتمعه هي إنقاذ الوجود الشيعي تماماً كما فعل الحسين بن علي في عام 680 وتمهيد الطريق لظهور المهدي "المنتظر"، إمام الشيعة الثاني عشر.
إلا أن الخسائر التي تلقاها "حزب الله" في سورية، إضافة إلى الأجل غير المسمى للنصر الموعود، جعل من الصعب جداً على الطائفة الشيعيّة أن تبقى مختبئة في شرنقة ذاكرة جمعية من الانتصارات الإلهية والنداءات المقدسة.
بيد أن هذا الجانب بات مفقوداً الآن، لا النصر ولا الانتصار، فلا يوجد إلا جثث أبنائهم الأحباء تعود من سورية في نعوشها. علاوة على أن الاقتصاد لم يعد كما كان، ولم تعد الأموال تتدفق من إيران كسابق عهدها، مع طموحات إيران الإقليمية ودعم ميليشياتها في المنطقة.
خطة بديلة لإيران
قررت إيران الانتقال إلى الخطة باء، وهي باختصار حماية الممر الذي يربط الساحل السوري بسلسلة جبال لبنان الشرقية، أي بحزب الله، وهي تدرك أن السيطرة على هذه المناطق سيؤمن لها ممراً استراتيجياً تحتاج إليه لحماية مصالحها في سورية. إلا أنه يبدو أن هذه الخطة صعبة المنال وخاصة وأنها تتطلب الكثير من المقاتلين للدفاع عنها، واليوم تقوم إيران بتجنيد مقاتلين من الهزارة (وهي أقلية فارسية في أفغانستان) كانوا معتقلين في سجونها بتهمة تهريب المخدرات.
يبدو مؤخراً من تقارير صحفية أن "حزب الله" بدأ بالفعل محادثات مع مجموعات مقاتلة في القلمون، وهذه الخطوة تعني أمرين اثنين: الأول أن حزب الله قلق حول الحفاظ على سيطرته على الممر المذكور، والثاني أنه يفضل تأمين الانتصارات التي حققها قبل أن يوضع الحل السياسي على الطاولة الدولية.
إيران والمجتمع الدولي
ربطت إيران على الدوام أمنها القومي بوكلائها في سورية والعراق ولبنان. وقد أنفقت مليارات الدولارات لدعم هؤلاء الوكلاء، حتى وهي تحت العقوبات. ولا يجب أن ننسى أن إيران زودت "حزب الله" بمبلغ سنوي يصل إلى 200 مليون دولار وهي تحت العقوبات. وصحيح أن هذه الميزانية خفضت بنسبة 40 % في العام الحالي 2015 بسبب الأزمة الاقتصادية الإيرانية التي تسبب بها انخفاض أسعار النفط، إلا أن التخفيض أثر على الخدمات الاجتماعية لـ"حزب الله" وليس على موازنته العسكرية.
حسمت إيران أمرها على الأرجح في مسألة الانضمام إلى الأسرة الدولية، ولسوف تفعل أي شيء لكي تبقى هناك. لكنها بالمقابل، تريد إيران بجميع اتجاهاتها السياسية "حزب الله" أن لا تضيع مليارات الدولارات التي أنفقتها حتى الآن، بل سيستمر "حزب الله" قابضاً على مؤسسات الدولة والقرارات السياسية والأمنية والعسكرية في لبنان، ما لم يوقفه أحد!
باختصار، يمكن للاتفاق أن يغير إيران داخلياً، قليلاً أو على المدى الطويل. لكن لا شيء في الاتفاق نفسه ولا في المناقشات التي تمت حوله يوحي بأن "حزب الله" والميليشيات الإيرانية الأخرى في المنطقة سوف تعود إلى بلادها.
تاريخ النشر من المصدر : يوليو / تموز 2015
المصدر : مبادرة الاصلاح العربي
الرابط:
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.