يتخذ حصار النظام السوري لبلدات وادي بردى ومدينة التل ومعضمية الشام نكهة خاصة، يرى كثيرون أنها تعكس أهدافه في تغيير خرائط ديمغرافية في عدد من المناطق السورية، وهو ما لم يعد سراً أو عبارة عن تحليلات، بعد ما يحصل في الزبداني وأحياء دمشقية كالمزة، بالتعاون العلني مع النظام الإيراني. وبعد تجريب كافة وسائل القصف والقتل والتدمير، يكمن تعويل سلطات الأسد، اليوم، في تحميل مسؤولية تدهور الوضع المعيشي في وادي بردى ومدينة التل ومعضمية الشام، للفصائل المسلحة المعارضة، لعلّ ذلك يفقدها حاضنتها الشعبية ويساهم في دفع الناس إلى هجر أراضيها واللجوء إما إلى خارج سورية أو مناطق الشمال منها. وعن حيثيات الحصار المطبق، يقول الناشط الإعلامي في منطقة وادي بردى، الملقب بـ”أبو شوكت”، لـ”العربي الجديد”، إن “النظام سبق أن خرق الهدنة بينه وبين بلدات وادي بردى عدة مرات سابقا لساعات أو لأيام قليلة، لكنه ومنذ أكثر من أسبوعين يفرض حصاراً مطبقاً على أهالي المنطقة، أغلق إثرها جميع الطرقات بوجههم كما تمنع قواته الجميع من الدخول والخروج من وإلى المنطقة، سواء كانوا عائلات أو موظفين في القطاعين العام والخاص أو طلبة مدارس وجامعات”.
وتعتبر حالة بلدة هريرة الأسوأ على الإطلاق، بسبب قطع القوات النظامية عنها المياه، وهي بالأصل فقيرة بمياه الشرب وتعتمد على نقل المياه إليها بالصهاريج كونها تقع على مرتفع الجبل الشرقي للزبداني، بالطبع إضافة إلى المواد الغذائية والطبية، وهو ما يهدّد، بحسب أبو شوكت، حياة سكانها، خصوصاً الأطفال وكبار السن، جراء انتشار أمراض الجفاف والحمى والأمراض الجلدية.
ولفت إلى أن “النظام يطبق منذ سنوات، ورغم الهدنة التي وقعها مع الفصائل المسلحة في المنطقة، سياسة العقوبة الجماعية، فحال جميع بلدات الوادي متشابهة، وذلك من بلدة بسيمة وحتى تصل إلى عين الخضرة والفيجة وكفير الزيت والحسينية حتى نهاية راس الجبل الشرقي عند بلدة هريرة”، مقدرا عدد سكان المنطقة الحاليين بنحو “100 ألف إنسان، يضاف عليهم نحو 45 ألف نازح من مختلف المناطق السورية هربا من الأعمال العسكرية”. ويعيد ناشطون معارضون من منطقة وادي بردى أسباب تمزيق منطقتهم إلى نجاح النظام في احتواء عدد من بلدات الوادي وتحويل مسلحيها المعارضين إلى جزء من مليشيا “قوات الدفاع الوطنية” الموالية كأمثال بلدات “أشرفية الوادي” و”جديدة الشيباني”.
ورأى أبو شوكت أن “النظام يهدف بهذه السياسة إما إلى إبعاد أهالي الوادي عن مسار الثورة، ليكونوا عبيداً للنظام يخدمون بين صفوفه، وإما تهجيرهم من أرضهم وبيوتهم إلى مناطق أخرى”.
وتتميز منطقة وادي بردى بموقع جغرافي استراتيجي، حيث تصل جبال القلمون الغربية بالعاصمة دمشق، وهي قريبة من طريق دمشق ــ بيروت آخر شرايين النظام مع الخارج، إضافة إلى أنه يتحكم بمياه نبع الفيجة فيها، التي تؤمن أكثر من 60 في المائة من احتياجات دمشق من مياه الشرب.
وتفيد مصادر محلية من وادي بردى أن “جميع المحال التجارية والأفران مغلقة، وأغلب المحال التجارية نفدت بضائعها، ما فتح المجال أمام تجار الأزمات بالشراكة مع المتنفذين في النظام، باستغلال الأمر وإخراج ما احتكروه من بضائع ورفعٍ في الأسعار، في حين يعمل أبناء المنطقة على إعادة جزء من الخدمات المنقطعة عن الوادي كالاتصالات والكهرباء، وترحيل القمامة. كما تعمل الهيئة الطبية في وادي بردى بكافة عياداتها واختصاصاتها بالطاقة القصوى على مدار الساعة من إسعافات أولية وضمادات وإجراء عمليات جراحية، في ظل معاناته من نقص الإمكانات الطبية.
أما معضمية الشام التي تفرض عليها الفرقة الرابعة حصارا خانقا للشهر السابع على التوالي، رغم أنها وقعت على هدنة معها منذ أكثر من عامين، فمعاناة أكثر من 44 ألف إنسان تعاش بشكل يومي فيها. وقال الناشط الإعلامي في معضمية الشام، أبو كنان الدمشقي، لـ”العربي الجديد”، إن “ساكني المعضمية لا يزالون منذ نحو سبعة أشهر يقبعون تحت الحصار، ومنع دخول وخروج المدنيين، باستثناء الموظفين والطلاب، الذين تطاولهم الكثير من الإهانات والإساءات إضافة إلى خطر الاعتقال”، لافتاً إلى أنه “مع انعدام المواد الغذائية داخل البلدة، وقرب شبح الموت جوعا، قرر النظام إدخال سيارة خضار وخبز للأهالي”.
وأوضح أنه “قبل أيام، سمح بدخول 2000 ربطة خبز وسيارة خضار توزع على 44 ألف إنسان، فتقريبا تأخذ كل عائلة رغيفين ونصف الرغيف من الخبز، إضافة إلى كيلوغرامين مشكلة من البطاطا والبندورة والخيار والبصل، يجب أن تقتات بها طوال اليوم، وبسعر 450 ليرة سورية”.
وبين أن “القوات النظامية ما زالت تمنع خروج ودخول المدنين، باستثناء الموظفين والطلاب وخلال أوقات الدوام الرسمي فقط”، مضيفا أنه “سمح كذلك للموظفين بإدخال 5000 ليرة، بعد أن كان يمنعهم من إدخال أي مبلغ مالي إلى داخل البلدة”.
ويحذر ناشطون معارضون من كارثة إنسانية في مدينة التل، في حال استمرار الحصار المفروض عليها، حيث يزيد عدد النازحين فيها على المليون ونصف مليون نازح من مدن القلمون والغوطة الشرقية والغربية وجنوب دمشق، إضافة إلى أهاليها.
ويرى محللون أن النظام يسعى إلى الضغط على جميع سكان المناطق المناهضة له في دمشق وريفها بشتى الوسائل، من الترهيب إلى التجويع، دافعا بهم إلى مغادرة مناطقهم، بهدف إخلاء المنطقة التي يصرّ على الاحتفاظ بها من ضمن ما يسمّى “سورية المفيدة” من أية مجموعات معارضة له، على غرار ما حاول ولا يزال يفعله في الزبداني، من خلال سعيه لاستبدال سكان المنطقة بأهل قريتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب. العربي الجديد |
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.