تناول موقع “ميدل إيست آي” البريطاني في تقرير له ترجمته “عربي21” معاناة اللاجئين على الساحل الليبي، الذين يحلمون بحياة أفضل، ما يدفعهم إلى الهجرة إلى أوروبا بطرق غير شرعية تعرض حياتهم وعائلاتهم للخطر، هربا من حرب أو مجاعة إلى خطر الموت في عرض البحر أو في ظروف غامضة، كما حدث مع سوريين في النمسا، حيث عثر على العشرات منهم موتى داخل شاحنة للدواجن.
وعرض الموقع طبيعة صعوبة محاربة التجارة بتهريب البشر في بلد يعاني أزمة أمنية وسياسية، تحت عنوان “الساحل الليبي يغرق في الفوضى”، حيث أوضحت أنه على امتداد الساحل الليبي يحبس اللاجئون في بيوت صغيرة، ويمضي عمل المهربين دون رقيب أو حسيب.
ونقل الموقع عن عيسى، حارس الساحل المسؤول في جرابولي، حيث يجلس وحيدا تحت أشعة الشمس في منتصف النهار على مقعد خشبي، ممسكا بيده جهاز استقبال وإرسال، ويرمق بنظره البحر، قوله: “في العام الماضي كان لدينا قارب نستخدمه للخروج إلى البحر، ولمحاولة وقف مغادرة العديد من القوارب التي كنا نعدّها خطيرة. أما هذه الأيام فلم يعد لدينا سوى هذه القطعة البالية. وتجدني مضطرا لاستخدام قارب الصيد المملوك لعائلتي”.
ومع ذلك يرفض عيسى الاستسلام، ويمضي في عمله متحملا عبء الموارد المتقلصة، وما يواجهه من تهديدات.
وقبل فترة، طلب منه رجلان من المهربين تجاهل مغادرتهما، وحينما رفض ذلك أشهرا في وجهه سكينا، وفق قوله.
وأضاف عيسى -الذي تجاوز الأربعين من عمره- أنه في ضوء تزايد عمليات التهريب، فإنه ليس متأكدا ما إذا كان مثل هذا الأمر لن يتكرر مرة أخرى.
وما يزيد الأمر صعوبة عليه، أن قدراته على التعامل مع مثل هذه الحالات أصبحت محدودة. فقبل أيام قليلة اكتشف عيسى قاربا، فاتصل بمسؤوليه في طرابلس طالبا العون، إلا أن السلطات قررت عدم إرسال قارب الجر الوحيد المتوفر لديهم، كما يقول.
وقال عيسى للموقع، وهو يشير إلى مجموعة من الأشجار بالقرب من الشاطئ: “انظروا إلى تلك النقطة، هذه هي أفضل نقطة للانطلاق بالقوارب إلى البحر، فهذه الشواطئ محاطة بالغابات الكثيفة، وبإمكان المهربين تجميع اللاجئين هناك استعدادا للمغادرة”.
اختار عيسى بدلا من القيام بما هو مكلف به، توثيق المشاهد التي تجري من حوله، نظرا لشح الإمكانيات المتوفرة لديه.
ويحتوي هاتفه النقال على معرض للصور والمقاطع المرعبة التي أخذها لحطام القوارب، وللفظائع التي شهدها خلال السنوات القليلة الأخيرة. ويظهر عيسى في أحد مقاطع الفيديو بينما هو منهمك في عملية إنقاذ، محاولا ربط جسد امرأة غرقت بحبل، حتى يتمكن من نقل جثتها إلى الشاطئ.
وأشار عيسى إلى أن كل ما يهم المهربين هو المغادرة إلى البحر، وكل ما يريدونه هو أن يدفع اللاجئون ثمن التذكرة، ولا يهمهم إذا ماتوا على بعد 20 ميلا (32 كيلومترا) من الساحل، بعد المغادرة. “لقد خرجت الأوضاع عن السيطرة، بل هناك الآن بعض المليشيات التي تنظم مغادرات اللاجئين حتى يحصلوا على المال الذين يمولون به حروبهم”.
وأكد السكان في هذه المدينة الساحلية على بعد ما يقرب من خمسين كيلومترا إلى الشرق من العاصمة أن الجميع على المستويات كافة منخرطون الآن في تجارة تهريب البشر، وفق ما نقله الموقع البريطاني.
وبعد أربعة أعوام من الثورة، التي أطاحت بحكم الديكتاتور معمر القذافي، يجد كثير من الليبيين أنفسهم يعيشون في خضم حرب أهلية، تمخضت عن تقسيم البلاد بشكل كامل. فهناك في جانب الحكومة التي يترأسها عبد الله الثني التي تتخذ من طبرق في الشرق مقرا لها، وتحظى بدعم الجنرال خليفة حفتر.
وفي الجانب الآخر، هناك حكومة خليفة الغويل، ومقرها طرابلس، التي تعُدّ حكومة طبرق فاقدة للشرعية. وما يزيد الأمور تعقيدا وجود ما يقرب من 149 قبيلة، وما يقرب من 230 مجموعة مليشيا مسلحة تسيطر على أجزاء واسعة من ليبيا، ناهيك عن الوجود المتنامي لتنظيم الدولة في درنا وسيرت وبنغازي.
ولم تفلح كثيرا حتى الآن الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة في سبيل الإصلاح بين المعسكرين الرئيسين.
وأشار الموقع إلى أن ليبيا أصبحت بلدا ينعدم فيه الأمن، وتزدهر فيه تجارة تهريب البشر وتنتشر.
اللاجئون “بضائع” متاجري تهريب البشر
ونقل موقع “ميدل إيست آي” عن شخص لم يرغب في ذكر اسمه الحقيقي، وأطلق على نفسه اسم إبراهيم، وهو واحد من كثيرين انخرطوا في التجارة في جارابولي، ويقوم الآن بدور حلقة الوصل في السلسلة المعقدة لتجارة تهريب البشر الآخذة في الازدهار.
حيث قال إبراهيم: “هنا، في هذا المكان نخزن البضائع (ويقصد بالبضائع اللاجئين)”، على حد وصفه، مضيفا: “نجمعهم في بيوت صغيرة قريبا من البحر. نعطيهم كلمة السر التي ينبغي أن ينطقوا بها عندما يصلون، ثم حينما يحل الظلام.. نحرر القوارب، ونتركها تذهب”.
يقول إبراهيم إنه مثل كثير من مهربي البشر الآخرين يعطي المهاجرين بوصلة، ويحاول توجيههم لاتخاذ خط سير مستقيم باتجاه جزيرة لامبيدوسا على بعد ما يقرب من 220 كيلومترا إلى الشمال من ليبيا.
ويبين إبراهيم أن اللاجئين والمهاجرين لا يستطيعون قيادة القوارب، لكنه يقول: “ليس من بيننا أحد لديه الاستعداد للسفر في مثل هذه القوارب”.
في هذا العام وحده، خاطر ما يزيد عن 300 ألف لاجئ ومهاجر بحياتهم، وعبروا البحر المتوسط باتجاه أوروبا، وهذا مقارنة بما يقرب من 219 ألفا فعلوا الشيء ذاته في العام الماضي، بحسب ما صرحت به الأمم المتحدة الجمعة الماضي.
ونزل في سواحل اليونان منذ شهر حزيران/ يناير الماضي، ما يقرب من 200 ألف شخص، بينما حط ما يقرب من 110 آلاف آخرين في إيطاليا.
وبلغ عدد من قضوا نحبهم وهم يحاولون قطع هذه الرحلة ما يقرب من 2500 شخص، ولا يدخل في هذا العدد ستة وسبعون ماتوا قريبا من الساحل الليبي الجمعة الماضي، في أحدث مأساة تمنى بها المنطقة.
ونقل الموقع عن إبراهيم أن عملية التهريب تتكون من أجزاء عدة، “فأولا، يتوجب على شخص ما أن يجد مكانا يحتفظ فيه باللاجئين والمهاجرين، بينما ينتظرون دورهم. ثم على شخص ما أن يقدم لهم الغذاء ويراقبهم، ويسيطر عليهم. وبعد ذلك يتوجب على شخص ما أن يوفر القوارب والمحرك، التي تشترى في العادة من الصيادين، وذلك قبل أن تناط بشخص ما مهمة جمع المال والتأكد من أن الجميع قد دفع أجرة التهريب.
ويتوقف السعر على جنسية اللاجئ أو المهاجر. فالذين ينحدرون من أفريقيا السوداء يدفعون في العادة ما يقرب من 500 دولار أمريكي، بينما يتراوح ما يدفعه القادمون من سوريا ما بين 750 وألف دولار أمريكي للشخص الواحد.
وختم إبراهيم تصريحاته بالإشارة إلى أن هذه التجارة “نوع من المافيا، والكل منخرط فيها، وحتى الكتائب التي من المفروض أن تتحكم في المنطقة متورطة فيها”.
سلاح البحرية الليبي المشلول
ونقل موقع “ميدل إيست آي” عن المتحدث باسم سلاح البحرية الليبي، العقيد أيوب قاسم، قوله من مقره في قاعدة طرابلس البحرية، إن الوضع في غاية الصعوبة، ولا تتوفر لدى السلطات الموارد الكافية للتصدي للمشكلة.
وقال وهو يشير إلى ما تبقى من زوارق السحب التي قصفت قبل أربعة أعوام: “لقد قصف الناتو أسطولنا في عام 2011، ولم يبق لنا منه الآن شيء. لقد ساعدتنا الحكومات الأوروبية على تحرير أنفسنا من نظامنا، ولكنها لم تساعدنا إطلاقا على بناء دولة جديدة، وهذه هي النتائج: حرب أهلية وما يقرب من 1800 كيلومتر من الساحل بلا حماية ولا رقابة”.
وأضاف قاسم: “في عام 2013، وعدنا الاتحاد الأوروبي بمبلغ 26 مليون يورو (أي ما يعادل 30 مليون دولار أمريكي) كل عام لتوفير الإمكانيات المطلوبة من قبل حرس السواحل، ولكن بسبب الحرب الأهلية تدهورت الأوضاع، ولم نر شيئا من المال”.
وقال إنه بدلا من ذلك، اضطر حرس السواحل إلى الاعتماد على الصيادين المحليين الذين خرجوا إلى البحر سعيا منهم للمساعدة قدر ما يمكنهم، وبمبادرات شخصية.
وبادر الاتحاد الأوروبي إلى عقد سلسلة من الاجتماعات حول تدفق اللاجئين والمهاجرين، ولكنه فشل حتى الآن في الاتفاق على حل مشترك.
وكانت هناك بعض المقترحات الخلافية التي أعلن عنها في وقت مبكر من العام، التي كانت ترى ضرورة أن يشن الاتحاد الأوروبي حملة عسكرية على المهربين في ليبيا، إلا أن التعقيدات المتعلقة بتفصيلات الخطة أدت في نهاية المطاف إلى صرف الأنظار عنها.
ويشير الشلل الذي يعاني منه سلاح البحرية الليبي، المحصور داخل القاعدة البحرية، إلى عدم قدرة ليبيا على عمل شيء بمفردها، فالقاعدة البحرية تكاد تغرق في ظلام دامس بشكل شبه دائم، بسبب الانقطاعات المستمرة في التيار الكهربائي، بينما يجلس العاملون فيها، الذين لا يتجاوز عددهم العشرة، بلا حول لهم ولا قوة أمام البحر.
منقذو أرواح اللاجئين
ورافق موقع “ميدل إيست آي” أحد البحارة ويدعى محمد، وهو من الذين يحاولون جاهدين إنقاذ من لم يحالفهم الحظ في الوصول إلى المياه الأوروبية. ويخرج هو وأفراد طاقمه إلى البحر بحثا عن ناجين في كبد الليل، دون أنوار، ودون مناظير ليلية، ودون رادار أيضا.
يقول محمد: “ليست لدينا إمكانيات، ولذلك لا نملك سوى الثقة بحواسنا”.
وقال الموقع: “لقد تعلم محمد عبر السنين أن يدبر أموره، فما أن يدخل عرض البحر حتى يجلس على حافة القارب ويسترق السمع؛ عله يستدل على قوارب أو بشر”.
وقال محمد: “يطلق المهربون قواربهم في العادة ليلا، قاربا بعد آخر. والمشكلة التي تواجهنا أننا حينما نعترض قاربا من هذه القوارب فإننا لا نجد مكانا نؤوي فيه اللاجئين. في إحدى الليالي، قبل وقت ليس بالبعيد، اعترضنا قاربا، وكان هناك قارب آخر من ورائه”.
وتابع: “كان في كل واحد منهما ما يقرب من 100 أو 120 إنسانا. لم تكن لدي الإمكانية إلا لسحب واحد منهما، فتركت الأول؛ لأنه بدا لي في حالة أفضل. رأيت أن أجر القارب الثاني؛ لأنه بدا لي مهددا بالغرق وبالتنفيس، ولكني عندما نظرت في وجوه النساء والأطفال وجدتهم مرعوبين ومحبطين. وأسوأ ما في الأمر على الإطلاق أننا مضطرون للخروج بسلاحنا خشية أن يهددنا المهربون”.
ويقول محمد إنه هو وأفراد طاقمه يضطرون لمواجهة كافة أشكال النشاطات الإجرامية التي يقوم بها مهربو الوقود والسجائر والبشر.
وأضاف: “عرضت علي وظيفة جديدة براتب أفضل. فهنا، ليست الموارد هي التي أصبحت شحيحة فقط، وإنما كذلك المال، وبتنا نخشى أنهم بقد قليل لن يستمروا في دفع رواتبنا. ولكني لا أشعر بالرغبة في ترك عملي. لم أترك عملا هو في الأصل إنقاذ للأرواح؟”، على حد تعبيره.
عربي21
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.