لفتت حادثة ألفي لاجئ معظمهم من السوريين علقوا تحت المطر على الحدود بين مقدونيا إلى اليونان بكل ما اكتنفها من معاناة إنسانية قاسية لفتت الأنظار إلى مشكلة تواصل تدفق اللاجئين السوريين بصفة خاصة واللاجئين بصفة خاصة إلى أوروبا، وبنسب مرتفعة عن معدلات العام الماضي ، إلى درجة أنّ ما وصل منهم خلال شهر يوليو الماضي لليونان فقط تجاوز ما وصل لأوروبا في عام 2014 وبزيادة تصل إلى عدة آلاف شخص، مع استمرار واتساع نطاق المخاطر المحدقة بها .
وفي الحقيقة يكشف هذا التدفق وطريقة التعامل معه عن الخلل البيّن في التعاطي الأخلاقي الدولي والقصور الفاضح مع ملف اللاجئين السوريين خصوصا، واللاجئين عبر العالم عموما. فلا يمكّن أن يعرّض أشخاص بهذه الأعداد التي تتضاعف رغم الأهوال التي تكتنفها، وفيهم أطفال ونساء وشيوخ، إلاّ لأسباب أساسية ووجيهة وضاغطة بقوة. هذه التدفّقات محفوفة بالمصاعب والمكاره والتحديات، باعتبارها هجرة غير شرعية لا تتم من خلال المعابر والمنافذ والطرق الاعتيادية، ابتدءا من ابتزاز المهرّبين وجشعهم وعدم توفر القوارب ووسائل النقل المناسبة ، وليس انتهاء بالتعرض للسرقة والنصب والأذى من قبل قطاّع الطرق والأدلاء، والمرض والجوع، والضرب والإهانات والمنع من قبل شرطة الحدود، أوالموت في عرض البحر وتحول الأجساد إلى طعام للأسماك. وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ فمنذ بداية هذا العام قضى غرقا أو فقد 2200 لاجئ في البحر الابيض المتوسط، في إطار التدفقات المتجهة من الشمال الإفريقي إلى إيطاليا، وثمة من فقد أبناءه أو زوجته أمام عينيه غرقا، ومن القصص التي نقلتها وسائل الإعلام العالمية مؤخرا قصة الشاب السوري ( هشام معظماني) الذي اضطر للسباحة مدة ست ساعات ليلا، في البحر الأبيض المتوسط في أجواء شديدة البرودة، ليحقق حلمه في الوصول لأوروبا وليكون أول لاجئ يسبح في الممر المائي الضيق الواصل بين تركيا والجزر اليونانية، وثمة قصص كثيرة من المعاناة يمكن رصدها وتوثيقها من أفواه اللاجئين السوريين الآخرين. وللأسف الشديد فإن الاتحاد الأوربي بدلا من أن يخجل من نفسه لفشله في في معالجة ملف اللاجئين السوريين الذي وصل عددهم حوالي 4 ملايين لاجئ في غضون مايزيد عن أربع سنوات ( ومثلهم أكثر من 7 ملايين نازح سوري) وإدارة هذه الأزمة بعقلانية وواقعية، وتقديم معالجات إنسانية جذرية وحلولا شاملة لمأساتهم، أو على الأقل الإسهام في تخفيف معاناتهم بقدر معقول، فإن أقصى ما يفعله هو التفكير بأنانية شديدة، تتمثّل في تحصين حدوده من أجل منع تدفقهم إلى دوله، أو الحدّ من وصول المزيد منهم إلى أراضيه. وفي هذا الصدد انتقدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فضلاً عن العديد من منظمات الدفاع عن اللاجئين وحقوق الإنسان الأخرى التحركات التي قام بها العديد من الدول الأعضاء للاستثمار في زيادة الرقابة على الحدود وبناء الحواجز بدلاً من تحسين ظروف استقبال اللاجئين وأنظمة البتّ في طلبات اللجوء، ومن ذلك اللقاء الذي جمع كلاّ من وزيرة الداخلية البريطانية مع نظيرها الفرنسي مؤخرا للتوقيع على اتفاق يشمل إجراءات أمنية إضافية لمنع ما يقرب من 3.000 مهاجر يخيمون في كاليه من الوصول إلى بريطانيا، وقيام المجر ببناء سياج على حدودها مع صربيا تم تصميمه لمنع دخول الآلاف من المهاجرين الذين يصلون عن طريق البلقان. والولايات المتحدة والدول الأوربية لم تقم بجهود جديّة وفاعلة للضغط على النظام السوري لوقف مجازره المتواصله وقصفه للمدنيين من الجو، وآخرها في ريف دمشق وحلب وريفها ( الباب خصوصا) وإدلب وريفها، ولم تقم بتوفير أو دعم توفير مناطق أو ممرات آمنة لهم، ولم تقم بفرض عقوبات في مجلس الأمن تحت البند السابع أو غيره ضده ، ولم تضغط بما فيه الكفاية لفرض حلّ سياسيّ للأزمة، ثم لا تريد هي بعد ذلك من الشعب السوري أن يضطر للنزوح أو اللجوء بسبب انعدام الأمن والحياة الكريمة.. وقد قالت غوري فان غوليك، نائب مدير برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة العفو الدولية، في بيان لها مؤخرا إن “تركيز أوروبا على عدم السماح للناس بالدخول، بدلاً من إدارة أزمة اللاجئين العالمية المتزايدة هو نوع من الفشل”، وذكرت أنّ “الطريقة الوحيدة لإدارة هذه التدفقات هي تحقيق الاستقرار في بلدان المنشأ”. ليس هذا فحسب؛ بل إنّ الظروف المعيشية الصعبة والتضييقات التي يتعرض لها اللاجئون في عدد من الدول المجاورة لسوريا، ونقص أو عجز تمويل المنظمات الإنسانية الدولية العاملة هناك بسبب قلة دعمهم لها، وانسداد أفق حلّ الأزمة في بلادهم يدفعهم للتحرك للدول الأوربية دفعا، رغم كل سمعوا عنه أو شاهدوه من أهوال.. وقد قال وليام سبيندلر، المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مؤخرا لوكالة (إيرين) : “تقديم المزيد من الدعم للبلدان النامية التي تستضيف غالبية اللاجئين، كتلك المجاورة لسوريا، يمكن أن يقطع أيضاً شوطاً طويلاً نحو الحد من التحركات الثانوية نحو أوروبا” على الاتحاد الأوروبي إدارة أزمة اللاجئين بطريقة مختلفة، وإلا فإنّ مزيدا من الانتقادات الحادّة ستوجّه إليه بسبب فشله الأخلاقي أولا، وفشله في منع تدفق اللاجئين من الوصول لأراضيه وتحمل وزر كل ما يتعرضون له من معاناة ومخاطر ثانيا.
مركز الشرق العربي – علي الرشيد
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.