تمضي أنقرة في حملتها المعلنة على «الإرهاب»، في تجاهلٍ شبه تام لتنظيم «الدولة الاسلامية». بعد أسبوع على إعلان الاتفاق الأميركي ــ التركي، يقلّص مسار العمليات العسكرية الجلبة التي واكبت إعلان «الحرب» إلى البعد الداخلي فقط: ضرب قوة الأكراد السياسية قبل الذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة
تُنهي الحملة العسكرية التي أعلنتها أنقرة على «الإرهاب» اليوم أسبوعها الأول، استهدفت خلاله تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) مرة واحدة، في وقتٍ شنّت فيه هجمات يومية ضد مواقع حزب «العمال الكردستاني». الحرب «المزدوجة» التي جاءت وليدة اتفاق أميركي ــ تركي سمح للتحالف الدولي ضد «داعش» باستخدام قاعدة إنجرليك الجوية، تتجاهل بصورةٍ واضحة خطر التنظيم المتطرف، في وقتٍ تصبّ فيه كل تركيزها على الأكراد.
إلا أن تعقيدات الوضع خلف الحدود، مع الصعوبة المتبدية من إمكانية تحويل «أمنية» المنطقة الآمنة إلى حقيقة في وقتٍ قريب، تحوّل الأنظار إلى البعد الداخلي للحدث التي تعيشه تركيا حالياً. صحيفة «حرييت» التركية كتبت في افتتاحيتها أمس، أن تركيا «تجد نفسها غارقة في كابوسها المتكرر المتمثل في القضية الكردية»، في وقتٍ تذهب فيه الترجيحات إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقوم بكل ما في وسعه لإضعاف خصمه الكردي قبل التوجه إلى انتخابات تشريعية مبكرة. ويأتي قرار السلطات القضائية التركية، يوم أمس، ليعزز هذه الفرضيات، حيث أعلن القضاء فتح تحقيق ضد زعيم حزب «الشعوب الديموقراطي»، صلاح الدين دميرتاش، بتهمة «التسبب باضطرابات في النظام العام»، و«التحريض على العنف».
دميرتاش: هدف الحملة العسكرية منع قيام كيان كردي في سوريا
واتهم دميرتاش، أمس، أردوغان وحزب «العدالة والتنمية» بجرّ تركيا إلى صراع، انتقاماً من خسارة الأغلبية البرلمانية في الانتخابات العامة التي جرت في حزيران الماضي. وقال دميرتاش إن تركيا شنّت بضع غارات جوية على تنظيم «الدولة الاسلامية»، في مجرد استعراض، من دون إلحاق أضرار حقيقية به، كذلك فإن «الدولة الاسلامية» لا يشعر بضغط خطير من تركيا، مضيفاً أن «العمليات العسكرية لا تهدف إلى اتخاذ إجراءات ضد داعش (…) الهدف الرئيسي هو الحيلولة دون تكوّن كيان كردي في شمال سوريا».
ويأخذ السجال الداخلي حول هذه القضية بالاتساع، حيث هاجم أردوغان أمس تصريحات سابقة لدميرتاش، لمّح فيها إلى علاقة أردوغان بالهجوم الانتحاري في سروج الذي مثّل شرارة العملية العسكرية ضد «داعش» و«العمال الكردستاني». وقال أردوغان خلال زيارة العاصمة الصينية بكين، إن تصريحات دميرتاش «تتّسم بالوقاحة»، مطالباً الزعيم التركي بـ«عدم تجاوز حدوده». في المقابل، حمّل أردوغان دميرتاش المسؤولية عن عمليات عنف شهدتها مدن تركية خلال معركة عين العرب (كوباني)، قائلاً إنه «المسؤول الأول عن مقتل 50 شخصاً، في الاضطرابات التي شهدتها بعض المدن التركية في تشرين الأول الماضي»، مضيفاً أن «دميرتاش عمل دائماً على تشويه عملية السلام الداخلي في تركيا وعرقلتها ومحاولة العودة بها إلى الوراء».
بدوره اتهم نائب رئيس الحكومة التركي، بولنت أرينج، «العمال الكردستاني» بالقيام بـ«عمليات إرهابية» عدة في الآونة الأخيرة. وأكد، أمس، أن تركيا تعرضت بعد الانتخابات النيابية الأخيرة لـ42 حادثاً إرهابياً، ذهب ضحيتها ستة جنود وأربعة شرطيين إضافة إلى إصابة ثمانية جنود و24 شرطياً.
وبعدما وجه حزب «الشعب الجمهوري» على لسان نائبه عن إسطنبول، مراد أوزشليك، اتهامات لحكومة «العدالة والتنمية» بدعم تنظيم «الدولة الاسلامية»، بسبب «حقيقة عدم وجود أي مبادرة (ضد داعش) فضلاً عن غض السلطات نظرها عنه»، أوضح أرينج، في حديثه خلال الجلسة الطارئة الأخيرة للبرلمان التركي، أن «الكردستاني» استغل مسيرة السلام الداخلية في تركيا في أفعاله وأقواله، «مقابل صدق الحكومة التركية في التعاطي مع مسيرة السلام». واستنكر أرينج الادعاءات بشأن علاقة بين الحكومة التركية و«داعش»، قائلاً: «هذه الادعاءات لا تليق بحكومة الجمهورية التركية».
في هذا الوقت، تتواصل عمليات القوات المسلحة التركية ضد أهداف «العمال الكردستاني». وشنّت الطائرات التركية غارات جديدة ضد مواقع للحزب في جبال قنديل شمالي العراق، وعلى مواقع أخرى له في تركيا. من جهة أخرى، أعلنت محافظة غازي عنتاب، جنوبي تركيا، منطقتين على الحدود مع سوريا كمناطق أمنية خاصة لمدة عشرة أيام. وفي بيان رسمي، أكدت المحافظة أن هذا الاجراء يأتي بهدف دعم الوضع الأمني على الحدود السورية، وضمان سلامة أرواح وممتلكات المواطنين، والقضاء على التهديدات والأخطار المحتملة»، مشيراً إلى أنه بناءً على ذلك ستقوم قيادة درك ومديرية أمن الولاية بمهمة التفتيش لدخول وخروج كل أنواع العربات والأشخاص من المناطق الآمنة وإليها، إضافة إلى إمكانية منع دخولهم وخروجهم إن اقتضت الحاجة ذلك.
وكان الجيش التركي قد أعلن مقتل ثلاثة جنود أتراك الخميس حين فتح عناصر من حزب «العمال الكردستاني» النار على قافلة عسكرية في محافظة شرناق في جنوب شرق البلاد، في وقتٍ قُتل فيه شرطي تركي ومدني في هجوم في جنوب شرق البلاد نسبته السلطات التركية إلى «الكردستاني». وأفادت وكالة «الأناضول» عن مقتل عنصر مفترض من حزب «العمال الكردستاني» على أيدي قوات الأمن، «أثناء ردّ هؤلاء على هجوم ضد مركز للشرطة في مدينة جزرة، القريبة من الحدود السورية». وعلى خط حملة الاعتقالات الواسعة التي تشنّها أجهزة الأمن التركية داخل البلاد، أعلن بولنت أرينج إلقاء القبض على «1061 مشتبهاً في انتمائهم إلى تنظيمات داعش وبي كا كا وتنظيمات يسارية متطرفة، أخلي سبيل 156 منهم».
على صعيدٍ آخر، يجري مستشار وزارة الخارجية التركية فريدون سينيرلي أوغلو لقاءات بمسؤولين في كردستان العراق. وبعد لقائه رئيس الاقليم، مسعود البارزاني، ناقش مع أعضاء المكتب السياسي لحزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» أوضاع المنطقة، وطالب الحزب بـ«وقف قصف المناطق الحدودية في إقليم شمال العراق، وبحل المشاكل عن طريق الحوار». وتتواصل الضغوط الدولية على أنقرة لوقف القتال مع الاكراد، حيث شدد وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، في اتصال برئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، أمس، على ضرورة استئناف عملية السلام.
(الأخبار، الأناضول، أ ف ب، رويترز)

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top