يعتبر التنمر واحداً من أسوأ الظاهرات التي يتعرض لها الأطفال، لا سيما إذا كانوا صغيرين في السن وقد اضطروا إلى الخروج عنوة مع عائلاتهم من بلدهم هرباً من الموت، ولم يُستثنى أطفال سوريون لاجئون من هذه الظاهرة التي قد تؤدي إلى تدمير نفسية الأطفال، وتترك آثاراً سلبية طويلة الأمد عليهم.
ويواجه أطفال سوريون ظروفاً صعبةً في البلدان التي لجأوا إليها، من نواحٍ اجتماعية، ونفسية، واقتصادية، ويتعرض هؤلاء إلى أشكال مختلفة من التنمر.
و التنمر هو أحد أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل أخر، أو إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة. وقد يأخذ التنمر مظاهر متعددة كنشر الإشاعات، أو التهديد، أو مهاجمة الطفل المُتنمَّر عليه بدنيًا أو لفظيًا، أو عزل طفلٍ ما بقصد الإيذاء أو حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ، وفقاً لتعريف الأمم المتحدة. (link is external)
وهنالك ثلاثة أشكال رئيسية للتنمر، أولها اللفظي والذي يتضمن الإغاظة، والسخرية، أو الاستفزاز، وثانيها التنمر الجسدي، ويشمل الضرب، والعنف، والطعن، وأخيرا التنمر العاطفي من خلال الإحراج المستمر للطفل.

عزلة اجتماعية

ويتسبب التنمر الذي يتعرض له بعض الأطفال السوريين اللاجئين بعزلة اجتماعية، كتوجيه أطفال البلد المضيف ألفاظاً تجرح شعور الطفل اللاجئ، مثل "أنت نازح، أنت لاجئ، أنت سوري". ومن شأن ذلك أن يخلق لدى الطفل شعوراً بالحرج والارتباك وعدم الراحة، بالإضافة إلى فقدان الثقة بالنفس.
والتنمر الذي يمارسه طفل ما على نظيره السوري اللاجئ، غالباً ما يأتي من تدوال أفكار سلبية عن السوريين في محيطه الاجتماعي، أو ما قد يسمعه من وسائل الإعلام.
ومن ممارسات التنمر الأخرى التي يتعرض لها أطفال سوريون لاجئون، رفضهم من أقرانهم الموجودين في المجتمع المضيف، كرفض انضمام اللاجئين إلى ممارسة الألعاب المشتركة، أو النشاطات الاجتماعية المُخصصة للأطفال.
وغالباً ما ارتبطت كلمة لاجئ في البلدان التي انتقل إليها سوريون بمعنى الفقر، والتشرد، وغيرها من الصفات السلبية، التي تنعكس في النهاية سلباً على الطفل السوري اللاجئ، نتيجة الصورة النمطية المُتشكلة حوله، على الرغم من أن سوريين انتقلوا إلى بلدان اللجوء لكنه عائلاتهم تمكنت من إعالة نفسها، من خلال افتتاحها لأعمالها الخاصة.
وتقول المعالجة النفسية اللبنانية، سمر جرجس: (link is external)"قد يكون المتنمرون هم أنفسهم ضحايا سابقين للتنمر. كما يقوم بعض الأطفال بالتنمر لأنهم بقوا معزولين لفترة من الزمن ولديهم رغبة ملحة في الانتماء، لكنهم لا يمتلكون المهارات الاجتماعية للحفاظ بالأصدقاء بشكل فعال، فيلجأون إلى أساليب الترهيب والعنف التي تصنع لهم هالة وقوة يهابُها الأطفال الآخرين".
ويؤدي التنمر إلى إشباع عقل الطفل في عمر صغير بأفكار سلبية، واتجاهات لممارسة عنف جسدي ولفظي عندما تتاح له الفرصة للرد على المتنمرين عليه.

التنمر بسبب الوضع الاقتصادي

من ناحية ثانية، يؤثر الجانب الاقتصادي السيء الذي تمر به أسر سورية نتيجة اللجوء على سلوك الأطفال في المدارس، فالإحساس بالاختلاف عند بعض الأطفال السوريين عن أقرانهم، قد يدفع بعض أبناء البلد المضيف للتنمر على اللاجئين. كأن يُقال للاجئ: "أنت فقير، أو أنت تعيش على مساعدات الحكومة".
ونظراً للوضع المادي الصعب للكثير من العائلات السورية اللاجئة، اضطر أطفالها للعمل في سن مبكر، لكن هؤلاء الأطفال تعرضوا من قبل أرباب عمل إلى الاستغلال بأشكال متعددة (link is external)، وتزداد أزمة اللاجئين في أنهم لا يستطيعون تقديم شكوى لأنهم تحت السن القانونية للعمل، لذلك فإنهم لا يستطيعون الحصول على أي شيء". (link is external)
وتعرض أطفال سوريون لاجئون إلى الضرب من قبل عناصر شرطة في البلد المضيف، نتيجة عمل بعضهم في الشوارع، كبيعهم للمناديل أو عبوات المياه المعدنية، وهو ما وثقته مقاطع فيديو عدة لأطفال سوريين تعرضوا لتنمر جسدي أثناء ممارستهم للعمل.

التنمر أثناء التعليم

ومن أسوأ أنواع التنمر الذي قد يواجه أطفال لاجئين، هو الذي يتعرضون له في المدارس، سواء من قبل أقرانهم في المجتمع المضيف، أو من قبل المعلمين.
وبحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، (link is external)يتعرض أطفال سوريون للمضايقة والتحرش أثناء توجههم إلى المدرسة من قبل المارة، أو سائقي الحافلات، وفي داخل الفصل الدراسي من قبل المدرّسين وموظفي إدارة المدرسة.
كما تعرض كثير من أطفال العائلات السورية للتحرش، والمضايقات، وكذلك اعتداءات جسدية من قبل أطفال آخرين بسبب جنسيتهم السورية ، مما دفع الكثير منهم إلى الإنقطاع عن الدراسة، وفقاً لـ"رايتس ووتش".
وقالت مريم للمنظمة، وهي أم لطفلين في عمر (14, 15 عاما) أن زوجها أخرجهما من المدرسة بعد سنتين بسبب التحرش، و أضافت أن أطفالها الأربعة الآخرين "يسيرون لمدة نصف ساعة ليصلوا إلى المدرسة، فيلاحقهم الأطفال اللبنانيون ويضربونهم ويسلبون مالهم".
كما تحدثت حليمة عن طفلتها إيمان (12 عاما)، وقالت: "أطفالي يكرهون المدرسة، ولا يرغبون في الذهاب إليها. الناظر يدوس على أرجلهم ويسحبهم من شعرهم. لا يوجد أي احترام للطالب أو الأهل. المعلمون يهينون الأطفال في الفصل، ويصفونهم بالبقر والحمير. المعاملة المختلفة التي يلقاها الأطفال السوريون تجعل عقولهم تنغلق".
ومن الأسباب التي تُعرض أطفالاً لاجئين للتنمر، اختلاف اللغة أو اللهجات، كما قد يكون لتفوق بعض الطلاب السوريين على زملائهم في الفصل سبباً في تعرضهم للتنمر من أقرانهم.  
وفي تركيا تعرض أطفال سوريون أيضاً لنوع من التنمر، فعلى الرغم من الجهود الكبيرة لحل مشكلة التعليم للطلاب السوريين في تركيا، إلا أن عملية دمج السوريين في المدارس لم يتقبلها الكثير من التلاميذ الأتراك.
وكذلك تعرض أطفال سوريون في الأردن إلى التنمر، بحسب دراسة أعدتها "يونيسف" التابعة للأمم المتحدة (link is external)، وخلصت الدراسة إلى أن "45 % ممن تتراوح أعمارهم بين 0 الى 5 أعوام، لا يحصلون على الخدمات الصحية المناسبة، بما في ذلك المطاعيم وخدمات ذوي الإعاقة؛ و38 % مهم غير ملتحقين أو انقطعوا عن المدارس، لأسباب تتعلق بـبعد المسافة والتكلفة، والافتقار لأماكن لهم في المدارس وتعرضهم للتنمر".

كيف نتعامل مع التنمر؟

تعتمد مواجهة آثار التنمر بشكل رئيسي على عائلات الأطفال، التي ينبغي عليها لحماية أطفالها بناء علاقة قوية معهم، لكي يستطيع الطفل التحدث بأريحية عما يحصل في محيطه.
وعند ملاحظة الأهل لأي إصابات على جسد الطفل أخذ الإجراء اللازم تجاه الموضوع، وليس تجنبه أو الاستخفاف به، لأنه من الممكن أن يستمر التنمر الجسدي ضد أطفالهم لفترة أطول، ويتسبب بآثار تصعب معالجتها.   
ومعظم الأطفال يحاولون إخفاء الأمر عن أهلهم بسبب الخجل والخوف من العقاب أو التوبيخ، ولكن الإستماع لهم بهدوء والتأكيد أن الذنب ليس ذنبهم ولا يعيبهم شيء إذا ما تحدثوا، فإن ذلك سوف يزيد من رغبتهم للإفصاح عما يواجهونه.
كذلك على الأهل محاولة تجنيب أطفالهم المشكلات، من خلال التحدث المسؤولين أو المدرسين في المدرسة، تجنباً لما هو أسوأ. 

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top